بعد انتظار وترقب لجلسة البرلمان العراقي مساء الثلاثاء الماضي التي خصصت للتصويت على ما تبقى من حقائب وزارية في حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، خرج النواب بخلاف أكبر من الذي دخلوا به الجلسة.
أساس المشكلة كان الاعتراض على فالح الفياض كمرشح لتولي وزارة الداخلية، فضلا عن الخلافات المتعلقة بباقي الوزارات، مما وسع الشرخ داخل البرلمان.
عبد المهدي الذي حضر الجلسة عاد “بخفي حنين”، برفقة من معه من الشخصيات المرشحة، وذلك بعد المقاطعة التي شهدتها الجلسة، واللغط الذي أثاره دخول نواب سابقين ومستشارين إلى قبة البرلمان بهدف إكمال النصاب، وهو ما عمق المشكلة.
حمّل نواب عبد المهدي المسؤولية عن فشل ثالث جلسة خصصت للتصويت على استكمال التشكيلة الحكومية، بسبب إصراره على التمسك بأسماء المرشحيْن لوزارتي الداخلية والدفاع، وهو إصرار بدا غريبا في ظل اعتراض كبير عليهما، لم يقتصر الاعتراض على فالح الفياض، المتهم من نواب كتلة سائرون (التابعة لمقتدى الصدر) بأنه ذراع إيران في العراق.
وهناك اعتراض آخر تمثل في رفض تحالف المحور السني الذي يترأسه خميس الخنجر، ضد فيصل الجربا المرشح لتولي وزارة الدفاع من قبل ائتلاف القوى الوطنية بزعامة إياد علاوي.
الصدر يحذر
يأتي ذلك في وقت يواصل فيه مقتدى الصدر -عبر تغريداته على صفحته في تويتر- إبداء مواقفه إزاء ما يجري، تارة مرحبا وتارات أخرى محذرا ومهددا.
غير أن أبرز مواقف الصدر هي تلك المصرة على عدم استوزار أي شخصية في وزارتي الداخلية والدفاع محسوبة على تيار سياسي معين، كما أنه يصر على رفض أي شخصية تدور حولها شبهة الفساد.
الانشطار الذي يشهده البرلمان دفع كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى القول إن الكتل السياسية أمام خيارين: إما سحب الثقة من عادل عبد المهدي، أو منحه الحرية الحقيقية والكاملة لاختيار مرشحيه للتشكيلة الوزارية.
من جهته، أكد تحالف الإصلاح (الذي يضم تياري الحكمة والصدر، وائتلافي الوطنية بقيادة علاوي ومتحدون الذي يقوده أسامة النجيفي) أنه يرفض تسمية وزراء غير مستقلين للوزارات الأمنية، ويرفض أي تدخلات خارجية من أي دولة كانت بخصوص القرار العراقي. في إشارة إلى الفياض الذي يعتبره الكثيرون مرشح إيران المفضل.
الفياض اعتبره نواب عديدون من رجال إيران في العراق (الجزيرة)
رجل إيران
ويرى متابعون أن ارتباط إيران بالفياض هو ما يفسر إصرار تحالف البناء الذي يتزعمه هادي العامري على أن الفياض مرشحه الوحيد لوزارة الداخلية.
ومن المعروف أن فالح الفياض برز نجمه بعد أن أصبح رئيسا لهيئة الحشد الشعبي (2014-2018)، فضلا عن شغله منصب مستشار مجلس الأمن الوطني في الحكومة العراقية السابقة.
ورشّح الفياض نفسه مع تحالف النصر برئاسة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، إلا أنه سرعان ما انسحب منه نتيجة إقالته من رئاسة الحشد الشعبي، ومستشارية الأمن الوطني.
وترشح تسريبات تفيد بأن الخلاف بين العبادي والفياض كان بسبب “إخضاع الحشد الشعبي لمساومات سياسية”، فصار الفياض بذلك أقرب إلى ائتلاف البناء الذي يجمع العامري ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، إلى جانب عصائب أهل الحق وفصائل أخرى منضوية تحت الحشد الشعبي.
انفراط عقد الحكومة
آثار الجلسة لم تنته عند الفوضى التي أثيرت داخل قبة البرلمان، بل امتدت خارجها بهجوم لاذع شنه ائتلاف النصر بزعامة العبادي على قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، قائلاً إن الأخير تواجد في بغداد بالتزامن مع عقد جلسة البرلمان الخاصة بالتصويت على بقية الوزراء.
وفي هذا الصدد، يرى المحلل السياسي العراقي زيد الشمري أن عبد المهدي أمامه فرصة أخيرة في جلسة اليوم الخميس؛ إما أن يشهد ولادة حكومته، أو أن ينفرط عقدها.
وبذلك يبقى عبد المهدي في موقف لا يحسد عليه؛ فالعصا التي كان يخشى منها قد وضعت في عجلة حكومته مبكرا، وما زال أمامه شوط كبير ليتغلب على لعبة المحاصصة قبل أن يدخل معمعة حقيقية تتمثل في مواجهة الفساد الذي ينخر جسد الدولة العراقية.
وفي ظل الانقسام العميق بين القوى السياسية العراقية في البرلمان، يلويح عبد المهدي بالاستقالة إذا لم يتوصل الفرقاء إلى حلول توافقية تفسح المجال لحكومته للعمل في أجواء هادئة ومستقرة، وهو ما لا تظهر بوادره حتى اللحظة.
المصدر : الجزيرة