كيفَ يُستهدَف الفلسطينيون في القدس بحملة تطهيرعرقي؟

كيفَ يُستهدَف الفلسطينيون في القدس بحملة تطهيرعرقي؟

خلال زيارته القصيرة إلى إسرائيل قبل أسبوعين، عرض الرئيس التشيكي، ميلوس زيمان، على حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية القومية المتطرفة حافزاً صغيراً؛ فافتتح زيمان مركزاً للثقافة والتجارة، “البيت التشيكي”، في مكان يقع مباشرة خارج أسوار “القدس القديمة”.
وفي الافتتاح، أعرب الرئيس التشيكي عن أمله بأن يكون ذلك بمثابة تمهيد لقيام بلده بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس. وإذا كان الأمر كذلك، فإن جمهورية التشيك ستصبح أول دولة أوروبية تسير خلف قيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي نقل السفارة الأميركية إلى القدس في أيار (مايو).
كان هذا النوع من التأييد هو الذي شجع في الفترة الأخيرة حكومة نتنياهو، والمحاكم الإسرائيلية، والمسؤولين في القدس ومنظمات المستوطنين، على تصعيد هجومهم المشترك ضد الفلسطينيين في القدس القديمة والأحياء المحيطة بها.
لم تخفِ إسرائيل مطلقاً طموحها للاستيلاء على القدس الشرقية، المنطقة الفلسطينية التي احتلتها في العام 1967 ثم قامت بضمها بعد ذلك، كطريقة لمنع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
وهكذا، بدأت إسرائيل على الفور في بناء قوس من المستوطنات اليهودية على أطراف القدس الشرقية من أجل عزل سكانها الفلسطينيين عن منطقتهم السياسية الرئيسية، الضفة الغربية.
بعد أكثر من عقد الآن، قامت إسرائيل بتعزيز هيمنتها ببناء جدار خرساني عملاق يمر عبر القدس الشرقية. وكان الهدف هو فصل الأحياء الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية والقصية، وضمان أن تكون المناطق الأكثر قيمة والأكثر هشاشة –المدينة القديمة والمناطق المحيطة بها- أكثر سهولة للاستعمار، أو “التهويد”، كما تسميه إسرائيل.
هذه المنطقة، التي تشكل قلب القدس، هي المكان الذي توجد فيه الأماكن المقدسة الرائعة، مثل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
تحت غطاء حرب 1967، قامت إسرائيل بعملية تطهير عرقي لعدة مئات من الفلسطينيين الذين يعيشون بجوار “الجدار الغربي”، وهو جدار استنادي يقدسه اليهود لمجمع المسجد الأقصى المرتفع. ومنذ ذلك الحين، ظل القادة الإسرائيليون يزدادون جوعاً للسيطرة على المجمع الإسلامي المقدس نفسه، والذي يعتقدون بأنه بُني على معبدين يهوديين مفقودين منذ زمن بعيد.
أجبرت إسرائيل السلطات الإسلامية للمجمع على السماح لليهود بزيارته بأعداد قياسية، حتى مع أن معظم هؤلاء يريدون أن يروا المسجد وهو يُستبدل بمعبد يهودي ثالث. وفي الأثناء، حدّت إسرائيل بشدة من أعداد الفلسطينيين الذين يستطيعون الوصول إلى الموقع المقدس.
حتى الآن، تحركت إسرائيل في الغالب خلسة، مُحدِثة التغييرات بالتدريج حتى لا تغامر بإثارة غضب العالم العربي أو استدراج رد فعل غربي. أما الآن، بعد قيام الرئيس ترامب بنقل السفارة الأميركية، فيمكننا أن نلاحظ ظهور ثقة إسرائيلية جديدة وملموسة.
على أربع جبهات، أظهرت إسرائيل مزاجها الجديد الواثق والحازم. أولاً، وبمساعدة المحاكم الإسرائيلية التي تصبح أكثر تواطؤا باطراد، قامت بتكثيف جهودها لإخلاء الفلسطينيين من منازلهم في البلدة القديمة ومباشرة خارج أسوارها التاريخية.
وفي الشهر الماضي، أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا حكماً يمنح تفويضاً بإخلاء 700 فلسطيني من سلوان، وهي حي كثيف السكان يقع على سفح تلة أسفل المسجد الأقصى. وتستعد “عتيرت كوهانيم”، وهي منظمة مستوطنين يدعمها حراس مسلحون مدعومون من الحكومة، للاستيلاء على وسط سلوان.
وسوف يعني ذلك المزيد من عناصر الأمن الإسرائيلي والشرطة الذين يحمون السكان المستوطنين، والمزيد من مسؤولي المدينية الذين يفرضون قواعد التخطيط المنحازة ضد الفلسطينيين. وسوف تبرر الاحتجاجات التي ستنشأ حتماً عن ذلك المزيد من الاعتقالات في حق الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال. هذه الكيفية التي يعمل بها التطهير العرقي البيروقراطي.
كما رفضت المحكمة العليا أيضا التماسا ضد إخلاء عائلة فلسطينية من الشيخ جراح، وهو حي رئيسي آخر بالقرب من البلدة القديمة في القدس. ويفتح هذا القرار الطريق أمام طرد عشرات الأسر الأخرى.
ووصفت منظمة “بتسيلم”، جماعة الحقوق الإسرائيلية، هذا الحُكم بأنه “يجيز أوسع تحرك لطرد الفلسطينيين وتجريدهم من أملاكهم على الإطلاق منذ العام 1967″.
وفي الوقت نفسه، وافق برلمان إسرائيل على قانون لتسريع استيلاء المستوطنين على الأرض.
على مدى سنوات عديدة، أقرت إسرائيل إنشاء سلسلة من المتنزهات الوطنية حول البلدة القديمة بذريعة الاحتفاظ بـ”مناطق خضراء”. وتطبق بعض هذه المتنزهات على الأحياء الفلسطينية لتمنعها من التوسع، بينما تم إعلان إقامة أخرى على أراضي منازل فلسطينية قائمة لتبرير طرد ساكنيها.
والآن، عكس البرلمان المسار. وسوف يسمح القانون الجديد، الذي صاغته مجموعة أخرى للمستوطنين، حركة إلعاد، ببناء المساكن في المتنزهات العامة، وإنما لليهود فقط.
يتمثل هدف حركة إلعاد المباشر في تعزيز الوجود الاستيطاني في سلوان، حيث أشرفت على بناء متنزه وطني بالقرب من الأقصى. وقد تم تزوير الآثار لتُثبت -كما يُفترض- أن المنطقة كانت ذات مرة تحت حكم الملك داود، في حين تم مسح آلاف السنوات من التاريخ التالي، وعلى الأخص كل ما يتعلق بالوجود الفلسطيني الحالي.
وتشمل أنشطة منظمة إلعاد الاستيطانية القيام بأعمال تنقيب تحت المنازل الفلسطينية، من أجل إضعاف أساساتها.
بالإضافة إلى ذلك، سوف يهيمن مركز زوار جديد بثيمة تاريخية يهودية على مدخل سلوان. ويتم استكمال المشروع بنظام نقل هوائي “تلفريك” بكلفة 55 مليون دولار، والمصمم لحمل آلاف الزوار من السياح لمدة ساعة فوق سلوان والأحياء الأخرى، بحيث يجعل السكان الفلسطينيين غير مرئيين بينما يتم إيصال الزوار دون عناء إلى الحائط الغربي (حائط المبكى) من دون أن يكون عليهم الالتقاء بالفلسطينيين مطلقاً.
كما أن لدى المستطنين طرقهم الماكرة الخفية الخاصة بهم لترحيل الفلسطينيين. فبتواطئ من السلطات، قاموا بتزوير وثائق للاستيلاء على المنازل الفلسطينية الأقرب إلى المسجد الأقصى. وفي حالات أخرى، قام المستوطنون بتجنيد متعاونين من العرب بغرض خداع الفلسطينيين الآخرين وجعلهم يبيعون منازلهم.
وبمجرد أن يحصلوا على موطئ قدم، يقوم المستوطنيون نمطيا بتحويل المنزل الذي تم الاستيلاء عليه إلى مجمع مسلح. ويندلع الضجيج منه في الساعات المبكرة، ويتم إخضاع الأحياء الفلسطينية إلى مداهمات الشرطة المتكررة وتُترك القمامة على أبواب منازلها.
بعد أن تم بيع منزل في موقع استراتيجي في الحي الإسلامي من البلدة القديمة للمستوطنين مؤخراً، قامت السلطة الفلسطينية بتشكيل لجنة تحقيق في البيع. لكن السلطة الفلسطينية تظل شبه عاجزة عن وقف هذا النهب بعد أن أقرت إسرائيل قانوناً في العام 1995، والذي يجرد السلطة من أي دور في القدس.
ويجري الآن تطبيق الإجراء نفسه بشدة ضد بعض السكان الذين يحاولون إيقاف النهب الذي تمارسه عصابات المستوطنين.
في الأسبوع قبل الماضي، تم للمرة الثانية اعتقال عدنان غيث، محافظ القدس المقيم في سلوان، ومُنع من دخول الضفة الغربية والالتقاء بمسؤولي السلطة الفلسطينية. ويخضع عدنان الحسيني، الوزير الفلسطيني لشؤون القدس، لحظر سفر إسرائيلي لمدة ستة أشهر.
وفي نفس الأسبوع، تم اعتقال عشرات من الفلسطينيين في القدس بتهمة العمل مع السلطة الفلسطينية من أجل إيقاف بيع المنازل للمستوطنين.
إنها حملة استنزاف هادئة، والتي تهدف إلى التخلص من سكان القدس الفلسطينيين وتقليل أعدادهم. وتأمل الحملة في حملهم في النهاية على اليأس والانتقال للعيش في ضواحي المدينة البعيدة خارج الجدار أو الذهاب إلى الضفة الغربية.
ما يحتاج إليه الفلسطينيون في القدس على وجه السرعة هو إعطاؤهم سبباً للأمل –وإشارة واضحة إلى أن الدول الأخرى لن تنضم إلى الولايات المتحدة في التخلي عنهم.