تتفاقم الضغوط الاجتماعية على الحكومة التونسية بشكل تدريجي ينذر بشتاء ساخن، فبعد احتجاجات قادها اتحاد الشغل والنقابات المتفرعة عنه الأيام الماضية، بدأت رقعة الاحتجاجات تتوسع لتصل إلى الشباب الساخط على الأوضاع المتدهورة التي تشهدها البلاد على مختلف الأصعدة. و أعلنت مجموعة من الشباب في تونس عن إطلاق حملة “السترات الحمراء” كحركة احتجاج سلمية للمطالبة بالتغيير.
وأصدر نشطاء بيانا نشر عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، للإعلان رسميا عن إطلاق الحملة على طريقة السترات الصفراء في فرنسا، والشروع في تأسيس تنسيقيات محلية للحملة في الجهات.
وتأتي هذه الخطوة وفقا للنشطاء، ردا على “الفشل والفساد وغلاء المعيشة والبطالة وسوء الإدارة والهيمنة على مفاصل الدولة واستمرار سياسات التفقير الممنهج”.
وجاء في البيان “نعلن رسميا، نحن مجموعة من الشباب التونسي، تأسيس حملة ‘السترات الحمراء’ لإنقاذ تونس في ظل غياب المصداقية والتصور وضبابية الرؤية لدى الطبقة السياسية الحالية، وتعمق الهوة بينها وبين الشعب التونسي”.
وعلى الرغم من نجاح الانتقال الديمقراطي الذي حققته تونس منذ ثورة 2011 إلا أن ذلك لم يترافق مع إقلاع اقتصادي واجتماعي في ظل تفشي البطالة في صفوف الشباب وارتفاع كلفة المعيشة وتعثر الإصلاحات والحرب على الفساد.
وأوضح البيان أن حركة “السترات الحمراء” هي استمرارية لنضال الشعب التونسي وخطوة من أجل أن يستعيد التونسيون كرامتهم وحقهم في العيش الكريم الذي سلب منهم.
وأعلنت الحملة عن “التزامها بالاحتجاج المدني السلمي في التعبير عن الرأي ورفض الواقع السائد”. وتتزامن هذه الحملة مع احتجاجات يقودها مدرسو التعليم الثانوي منذ أكثر من أسبوع. وقد وصف رئيس نقابة التعليم الثانوي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل لسعد اليعقوبي تحرك المعلمين باحتجاج “السترات البيضاء” تنديدا بموقف الحكومة من مطالب القطاع.
تحرك المدرسين وحملة السترات الحمراء، ضغط إضافي على الحكومة التي تواجه تصعيدا من قبل اتحاد الشغل
والتوتر قائم بين الحكومة والقطاع منذ ثلاث سنوات بسبب خلافات حول الزيادة في المنح الخاصة والترقيات المهنية بجانب اتهام النقابة لوزارة التربية بالتنصل من اتفاقات سابقة. وهددت الحكومة باتخاذ إجراءات قانونية في وقت سابق عبر اقتطاع أجور المعلمين، ردا على مقاطعتهم للامتحانات منذ الاثنين الماضي كما أغلقت المندوبيات الجهوية للتعليم تحسبا للاحتجاجات.
وفي المقابل أكد الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي مرشد إدريس في تصريحات صحافية محلية، أن الهيئة الإدارية وقطاع التعليم الثانوي سيردان بكل قوّة على سياسة التشفيّ التي يعتمدها وزير التربية في التعامل مع حقوق منظوريه من الأساتذة والمديرين في الاحتجاج.
واعتبر إدريس أن تعاطي الوزارة مع الأزمة أسهم في تعميقها، فبدل التفاوض والسعي للتوصل إلى حل وسط يرضي الجميع، اختارت التهديد والوعيد.
وعرض الاتحاد العام التونسي للشغل السبت التوسط لحل الأزمة بين المدرسين والحكومة. وأعرب الأمين العام للمنظمة نورالدين الطبوبي عن استعداد الاتحاد (أكبر منظمة نقابية في البلاد) لبذل كل جهوده من أجل الخروج من الأزمة التي وصفها بالخانقة في قطاع التعليم الثانوي وأزمة المفاوضات الاجتماعية في ما يتعلق بقطاع الوظيفة العمومية. وأكد أن هذين الملفين سيتم طرحهما في جلسة الاثنين مع 5 وزراء.
لكن المواقف التي صدرت عن الجامعة العامة للتعليم الأحد لا تشير إلى حل قريب للأزمة حيث دعت “جميع المدرسين إلى يوم غضب وطني يوم الأربعاء القادم من خلال تنظيم مسيرات في كل الجهات بداية من الساعة منتصف النهار وتنطلق من أمام مقرات الاعتصامات في اتجاه مقرات السيادة”.
كما قررت “تنظيم تجمّع مركزي يوم الأربعاء الموافق لـ19 من ديسمبر الجاري أمام مقر وزارة التربية، انطلاقا من الساعة 11 صباحا كما تعلن الجامعة العامة للتعليم الثانوي عن تشكيل لجنة اعتصام دائمة بمقرها”.
ويمثل تحرك المدرسين وحملة السترات الحمراء، ضغطا إضافيا على الحكومة التي تواجه ضغطا غير مسبوق من الاتحاد العام التونسي للشغل. وكان الاتحاد نفذ يوم 22 نوفمبر الماضي إضرابا عاما في الوظيفة العمومية، شمل أكثر من 650 ألف موظف إثر تعثر المفاوضات لرفع الأجور. وقرر الدخول في إضراب عام آخر في القطاع العام والوظيفة العمومية يوم 17 يناير القادم . وتواجه تونس ضغوطا من صندوق النقد الدولي للسيطرة على كتلة الأجور بهدف الحد من العجز في الموازنة العامة. واعتادت تونس منذ سنوات على اندلاع احتجاجات مطلع السنة، احتجاجا على الترفيع في الأسعار الناتج عن قوانين الميزانية.
وبداية العام الجاري أطلقت مجموعة من الشباب حملة “فاش نستناو” -أي ماذا ننتظر- لكن سرعان ما تمت السيطرة على الاحتجاجات التي قادتها، عقب أعمال عنف تخللتها.