في العاشر من أيلول/بستمبر من العام الحالي، شنت قوات سورية الديموقراطية “قسد” بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية هحومًا على أطراف بلدة هجين التي تقع جنوب شرق مركز محافظة دير الزور السورية، والتي تعد أحدى آخرآ معاقل تنظيم داعش الإرهابي شرقي الفرات. ومنذ ذلك التاريخ والعمليات العسكرية لم تتوقف العمليات العسكرية لقوات قسد ضد تنظيم داعش الإرهابي في بلدة “هجين” لتحريرها منه. وقد استغرق الهجوم على هجين، الذي أطلق عليه اسم عملية “راوند أب”، أشهر من أجل الإعداد، وجاء ذلك بعد أن وضع المسئولون في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حدا للشكوك المحيطة بمصير المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق البلاد بإعلان أن القوات الأمريكية ستبقى هناك إلى أجل غير مسمى
وبالأمس، استعادة “قسد” مشفى مدينة هجين بريف دير الزور الشرقي بعد معارك عنيفة مع مسحلي تنظيم داعش الإرهابي. وقال قائد عسكري في مجلس دير الزور العسكري، التابع لـ(قسد)، لوكالة الأنباء الألمانية : “لقد استعادت قواتنا فجر اليوم السيطرة على مبنى مشفى هجين الذي طاله التدمير بشكل كبير جدا بعد معارك عنيفة مع مسلحي داعش”. وأكد القائد العسكري، أن “المعارك مستمرة للسيطرة على مدينة هجين رغم كل الشراسة التي يبديها مقاتلو داعش للبقاء في المدينة باعتبارها آخر معاقل التنظيم في مناطق شرق الفرات”، مشيرا إلى أن “مسلحي داعش يعتمدون على المفخخات والانتحاريين في التصدي لتقدم قواتنا”. وشدد القائد العسكري على أن “قوات قسد دفعت خلال اليومين الماضيين بتعزيزات عسكرية كبيرة لمدينة هجين تحت غطاء طائرات التحالف الدولي”.واعتبر القائد العسكري أنه «بعد دخول قواتنا إلى المدينة وكسر دفاعات تنظيم داعش أصبحت السيطرة على مدينة هجين مسألة وقت، إلا أن وجود مدنيين في المناطق التي تحت سيطرة تنظيم داعش تحد من تقدم قواتنا». وشدد: «بعد تثبيت السيطرة على منطقة المشفى أصبحت جميع الطرق المؤدية إلى مدينة هجين ساقطة ناريا».
وقال ريدور خليل القيادي في صفوف هذه القوات لفرانس برس “تدور معارك ضارية داخل بلدة هجين بعدما تقدمت قواتنا وباتت تسيطر على بعض أحيائها”، مضيفاً أن “العمليات العسكرية مستمرة بوتيرة عالية”. وفتحت قوات سوريا الديموقراطية “ممرات آمنة للمدنيين واستطاعت تحرير أكثر من ألف مدني غالبيتهم نساء وأطفال من داخل هجين خلال الأيام الماضية”، وفق خليل الذي اتهم التنظيم المتطرف باستخدامهم “دروعاً بشرية”، مؤكداً أن فتح الممرات “سيستمر”.
من جهته، قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»: «لا تزال العمليات العسكرية جارية في منطقة شرق الفرات، ضمن القطاع الشرقي من ريف محافظة دير الزور، حيث حصل قتال متواصل بوتيرة متفاوتة العنف، بين قوات سوريا الديمقراطية من جانب، وعناصر التنظيم من جانب آخر، على محاور في بلدة هجين وأطرافها، ومحاور أخرى من الجيب الخاضع لسيطرة التنظيم، عند الضفة الشرقية لنهر الفرات». وزاد: «قوات سوريا الديمقراطية تمكنت من التقدم مجدداً في المنطقة، وفرض سيطرتها على مواقع ونقاط في أطراف البلدة، والوصول إلى المشفى الواقع في القسم الغربي من بلدة هجين، والذي دمرته طائرات التحالف الدولي من خلال استهدافات طالته خلال الأيام والأسابيع الفائتة، وعلم أن التقدم يجري ببطء من قبل قوات قسد في محاولة منها لتمشيط الألغام في المنطقة التي تتقدم إيها وتثبيت سيطرتها فيها للحيلولة دون أي هجوم معاكس يفقدها السيطرة على ما تقدمت إليه من مناطق لصالح التنظيم الذي يستميت في صد الهجوم ومنع قسد من تضييق الخناق عليه بشكل أكبر داخل الجيب الذي يتعرض بين الحين والآخر لعمليات قصف مدفعي وصاروخي وجوي من قبل التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية».
ومن جانبه ذكر المتحدث بإسم وزارة الدفاع الأمريكية العقيد روب مانينغ خلال مؤتمره الصحفي اليومي إنه لا يمكن استخدام المستشفيات لمآرب أخرى مشيراً إلى أن داعش إعتاد على إستخدام هذا التكتيك مراراً. وبيّن أن تنظيم داعش يلجأ إلى استخدام المستشفيات كمقرات عسكرية في إطار تكيكاته الاعتيادية. وردًا على سؤال مراسل الأناضول، عن مدى أبعاد المخاطر الجدية التي دفعت قوات التحالف الدولي لقصف المسشتفى، قال ماننيغ إن “عناصر داعش أطلقت النار من المستشفى”.ولم يرد ماننيغ على سؤال فيما إذا كانت هذه الأسلحة خفيفة أم ثقيلة. وإن مدينة هجين الصغيرة في شرق سوريا صارت آخر معاقل تنظيم داعش، وإنها محاصرة من كل الجهات، وإن قتالا عنيفا يدور لإسقاطها، وإن القوات الأميركية «تعمل في عزم سريع لإنهاء هذه الحرب خلال فترة قصيرة».
وأضاف «يحتل المتمردون منطقة صغيرة بالقرب من الحدود السورية – العراقية، ولا يوجد مكان يقدرون على الانتقال إليه». وقال: «نعم، إنهم يخوضون معركة شرسة، ويقتلون المئات من الذين يقاتلونهم، وينشرون فيديوهات عن قطع رؤوس أعدائهم، وهي فيديوهات قديمة». وأضاف أن معركة هجين ستستمر لثلاثة أشهر، «مما يدل على صعوبة القضاء على مجموعة متطرفة مصممة على أن لا تموت».
في نفس الوقت، قال مسؤول البنتاغون إن «داعش» فقد أكثر الدخل الذي كان يحصل عليه من النفط، ومن الضرائب التي كان يفرضها في المناطق التي كان يسيطر عليها. وأن «داعش» يعتمد الآن على بيع الذهب، والأموال الأخرى التي كان جمعها بعد إعلان السيطرة على أراض في عام 2014. وإن هذه الأموال تُستخدم لشراء أسلحة، ولتمويل الهجمات في العراق وسوريا. وأضاف المسؤول أن المنطقة التي يسيطر عليها «داعش» في سوريا تمثل أقل من 1٪ من الأراضي التي كان يسيطر عليها في قمة مجده، وكانت تساوي مساحة بريطانيا. ويعيش في جيب «داعش» الصغير نحو خمسة عشر ألف شخص، بما في ذلك مقاتلو «داعش»، وعائلاتهم. وأن هؤلاء المقاتلين، حسب تقديرات البنتاغون، لا يزيد عددهم عن ألفي مقاتل. وأن هذا انخفاض كبير من قوات كانت وصلت إلى خمسين ألف مقاتل في قمة ظهورهم الارهابي.
وكان بريت ماكغورك، مبعوث البيت الأبيض للحرب ضد «داعش»، قال، في مؤتمر أمني عقد مؤخراً في البحرين: «الأمر صعب للغاية لأننا في المراحل الأخيرة. ونتوقع أن كل مقاتل صار يحمل حول خصره قنبلة انتحارية». لكنه أضاف أن الداعشيين المحاصرين «ليس لديهم مكان يذهبون إليه». وأنهم محاطون من الشرق ومن الشمال بمقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، ومن الجنوب والغرب بقوات الحكومة السورية، والقوات التي تحارب معها. ومؤخرا، أغلقت قوات الحكومة السورية وحلفاؤها الطرق المؤدية إلى منطقة هجين.
وقالت وكالة أسوشييتد برس: «سينهي سقوط هجين سيطرة الجماعة على أي منطقة مهمة في العراق أو سوريا، لكن الخلايا النائمة في كلا البلدين ستستمر في شن هجمات وسط محاولات إعادة التجمع. في نفس الوقت، تواصل الجهات المنتسبة إلى «داعش» في ليبيا وأفغانستان وشبه جزيرة سيناء المصرية شن هجمات منتظمة».
وتجدر الإشارة هنا، أنه في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أعلن التحالف الدولي ضد “داعش” بقيادة الولايات المتحدة تقديراته بشأن عدد عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي الموجودين في منطقة هجين السورية حيث دخلت المعركة ضد التنظيم الإرهابي شهرها الثالث حينها. حيث قال نائب قائد قوة المهام المشتركة في التحالف، الجنرال كريستوفر غيكا، “وفق تقديراتنا، يتراوح العدد (لمسلحي داعش في هجين) بين ألف وخمسمئة إلى ألفي شخص”، مشيرا إلى أن المعركة ضد “داعش” في شرقي الفرات “صعبة” نظرا إلى هذا العدد الكبير من مسلحيه هناك، إضافة إلى أن هؤلاء المتبقون من الإرهابيين يشملون المتشددين الأقوى والأكثر التزاما بأيديلوجية التنظيم في الحرب برمتها، فضلا عن الخبرات التي اكتسبوها في معارك سابقة مثل الموصل والرقة، واستشهادا على ذلك، قال الكولونيل شون ريان المتحدث العسكري الأمريكي في بغداد، إنه من المستبعد أن يستسلموا بسهولة، فيما أحاط المسلحون المنطقة بأنفاق تحت الأرض وزرعوها بأجهزة متفجرة، كما من المتوقع أن يشنوا هجمات انتحارية ضد مهاجميهم بدلا من الاستسلام وأضاف ريان “نعتقد أنها ستكون معركة صعبة للغاية، ولن تكون سريعة”..ولم يضع جدولا زمنيا للقتال.. لكنه قال” إنه من غير المتوقع أن يستمر حتى نهاية العام“.
وبهذه المعركة تأمل واشنطن أن تكون المعركة الأخيرة في حرب دامت أربعة أعوام ضد تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا. لكن الواقع يقول عكس ذلك حسب ما أشارت إليه صحيفة “واشنطن بوست” إذ قالت:” إن تحرير هذه المنطقة من شأنه أن يكتب نهاية فعالة لتنظيم داعش، الذي وصل ذروته خلال الفترة بين عامي 2014-2015 وسيطر على مناطق شاسعة من سوريا والعراق، ومع ذلك فالمعركة لن تضع نهاية للتهديد الذي يفرضه المسلحون الذين يُعيدون بالفعل تجميع صفوفهم في مناطق بأراضي العراق، كما يحتفظون بخلاياهم المبعثرة عبر المنطقة الصحراوية الشاسعة الممتدة غرب نهر الفرات، الذي يخضع لسيطرة الحكومة السورية”.
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية