حذر البنتاغون تركيا من أن أي هجوم قد تشنه ضد حلفائه الأكراد في الشمال السوري سيكون “غير مقبول”، وذلك بعد تهديدات الرئيس رجب طيب أردوغان بأن بلاده ستنفذ عملية جديدة ضد المقاتلين الأكراد.
وتراهن الولايات المتحدة على الأكراد في استراتيجيتها في سوريا، القائمة على القضاء على تنظيم داعش، وضرب النفوذ الإيراني، بقطع الإمدادات عنه من العراق إلى الداخل السوري واللبناني.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية الكابتن شون روبرتسون، الأربعاء، إنّ “إقدام أيّ طرف على عمل عسكري من جانب واحد في شمال شرق سوريا وبالأخصّ في منطقة يحتمل وجود طواقم أميركية فيها، هو أمر مقلق للغاية”.
وأضاف أنّ “أيّ عمل من هذا القبيل سنعتبره غير مقبول”.
وكانت الولايات المتحدة قد عملت على انشاء نقاط مراقبة في شمال سوريا المحاذي للحدود التركية فيما بدا استباقا لأي عملية عسكرية تركية ضد الحلفاء الأكراد. ويرى محللون أن الولايات المتحدة لن تسمح لتركيا بضرب هذا الحليف الموثوق، لأن ذلك سيعني إنهاء أهم ورقة لها داخل سوريا.
ويشدد المحللون على أن تهديد الرئيس التركي بشن عملية في غضون أيام على شرقي الفرات ينطوي على مخاطرة كبيرة، ويشير هؤلاء إلى أن هذه العملية قد تهدد بتفجير مواجهة بين الولايات المتحدة وتركيا الحليفين في حلف الناتو.
كما ردت وحدات حماية الشعب الكردية على تهديدات أردوغان بالقول إنّ أيّ عملية تركية ستؤثّر على المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ووحدات حماية الشعب الكردية، المكوّن الأبرز في قوات سوريا الديمقراطية التي تخوض مع واشنطن حملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في هذا البلد، قالت إن “التهديدات تتزامن للمرة الثالثة مع تقدّم قواتنا ضدّ الإرهابيين وهذه المرة مع دخول قواتنا إلى هجين بدأ أردوغان بتهديد مناطقنا”.
وهجين من آخر المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في الشرق السوري قرب الحدود العراقية.
وحقّقت قوات سوريا الديمقراطية بدعم أميركي تقدماً داخل هجين أبرز البلدات الواقعة ضمن الجيب الأخير الذي يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية في شرق البلاد، وفق ما قال أحد قيادييها الأسبوع الماضي.
وتشنّ هذه القوات المؤلفة من فصائل كردية وعربية، منذ 10 سبتمبر هجوماً بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن لطرد التنظيم من هذا الجيب الواقع في ريف دير الزور الشرقي بمحاذاة الحدود العراقية. ويدافع التنظيم بشراسة عن المنطقة وأبرز بلداتها هجين والسوسة والشعفة.
وتصنف أنقرة والدول الغربية حزب العمال الكردستاني على أنه “مجموعة إرهابية”، فيما تنظر ذات القوى الغربية وعلى رأسها واشنطن إلى الوحدات الكردية في سوريا على أنها تنظيم منفصل ليست لديه أي ارتباطات مع حزب العمال، فضلا عن كونه شريكا مهما في الحرب على تنظيم داعش. وحذرت تركيا مرارا في الأشهر الأخيرة من أنها ستشن هجوما على وحدات حماية الشعب شرقي نهر الفرات في سوريا، إذا لم تنسحب من المنطقة.
وسجلت الثلاثاء تعزيزات عسكرية تركية إضافية على الحدود مع سوريا تضمنت شاحنات محملة بالدبابات والمدافع، إلى جانب مركبات عسكرية، وصلت قضاء “ألبيلي”، وسط تدابير أمنية.
وشهد شمال سوريا في أكتوبر الماضي تصعيدا خطيرا بقصف الجيش التركي لمناطق تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، الأمر الذي دفع قوات سوريا الديمقراطية إلى تعليق حملتها ضد داعش في منطقة الهجين شرقي سوريا.
وفي محاولة لامتصاص التوتر، بدأت دوريات مشتركة بين القوات الأميركية والتركية العمل في نوفمبر الماضي بمدينة منبج شمالي سوريا، في إطار تنفيذ اتفاق بشأن المنطقة جرى إبرامه بين واشنطن وأنقرة في وقت سابق.
واعتبر أردوغان خلال قمة للصناعات الدفاعية يوم الثلاثاء أن بلاده تعرضت لمماطلة من جانب الولايات المتحدة في تنفيذ اتفاق منبج بغية إلهاء أنقرة عن الوضع في شرق الفرات.
وأكّد أردوغان عدم التوصل إلى نتيجة ما في منبج حتى الوقت الراهن، وشدّد على أن تركيا ستتخذ إجراءاتها بنفسها وبإمكاناتها الخاصة، فهي تملك جيشا قويا والجميع يقر بذلك.
وأعرب عن أسفه “حيال إرسال أكثر من 20 ألف شاحنة أسلحة إلى الإرهابيين شمالي سوريا”، في إشارة إلى الوحدات التي تخوض ضمن قوات سوريا الديمقراطية منذ سبتمبر الماضي معارك شرسة مع تنظيم داعش في آخر جيوب يحتمي بها مقاتلوه في دير الزور.
ولفت إلى أن هذه الأسلحة والمعدات والمركبات جرى إرسالها إلى “الإرهابيين” من قبل حليف استراتيجي لتركيا (الولايات المتحدة).
وكانت الولايات المتحدة قد وقعت مع تركيا في أبريل الماضي اتفاقا يقضي بإخراج عناصر وحدات حماية الشعب الكردي من منطقة منبج التابعة لمحافظة حلب السورية، مع تسيير دوريات مشتركة أميركية تركية في هذه المنطقة لضمان الاستقرار، وقد تحقق في الفترة الأخيرة تقدما نسبيا في هذا الاتفاق، بيد أن تركيا تعتبر أن ذلك غير كاف وأن عناصر الوحدات مازالت تسيطر على الوضع بالمدينة.
وسبق وأن اتهم أردوغان الولايات المتحدة باتخاذ منبج ورقة لإلهائها عما يحصل في شمال شرق سوريا. وأكّد أردوغان أن الوقت قد حان “لتنفيذ قرارنا بشأن القضاء على بؤر الإرهاب في شرق الفرات”.
وتعمل القوات الأميركية عن قرب مع وحدات حماية الشعب الكردية التي تقود تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي تشكل في العام 2014 لدعم جهود التحالف الدولي للقضاء على داعش.
وهناك أكثر من 2000 عنصر أميركي منتشرين إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات وفي مدينة منبج الواقعة غرب النهر.
وقبل أيام، أعلن الجنرال جوزيف دانفور، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية، أن “الولايات المتحدة بحاجة إلى تدريب 35-40 ألف مقاتل محلي في سوريا”، لضمان عدم عودة تنظيم داعش واستقرار المنطقة وقال “لقد أنجزنا هذا العمل بنسبة 20 بالمئة”.
ويرى متابعون أن عملية تدريب عناصر جديدة كردية، إضافة إلى نشر نقاط مراقبة على الحدود التركية السورية أحد الأسباب الرئيسية في إطلاق أردوغان تهديده، في ظل أزمة ثقة عميقة بين الطرفين العضوين في حلف شمال الأطلسي.
وهناك قناعة تركية بأن الدعم الأميركي للاكراد، يستهدفها بالدرجة الأولى رغم التطمينات التي ما فتئت تقدمها الإدارة الأميركية وآخرها خلال الزيارة التي قام بها قبل أيام مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، حيث صرح من أنقرة أن الأخيرة حليف استراتيجي وأنه لا يمكن تسوية النزاع السوري دون التعاون معها، لافتا إلى أن دعم بلاده للوحدات “تكتيكي ومؤقت”.