مطاردة الساحرات غير قانونية ولم يجب أن تبدأ بالأساس” هكذا كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدته يصف التحقيقات التي يقوم بها روبرت مولر حول محاولة الروس التأثير في نتائج الانتخابات الأميركية عام 2016.
بالنسبة لترامب، فكل ما يجري هو “مطاردة ساحرات” وتحقيق مولر “أكبر عملية مطاردة ساحرات في تاريخنا السياسي” واستخدم ترامب نفس التعبير (witch-hunt) أكثر من مئة مرة حتى الآن في مناسبات مختلفة.
ويشير هذا التعبير إلى حملات المحاكمة العنيفة التي شنتها الكنيسة ضد من تتهمهم بممارسة السحر والشعوذة قديما، وشملت هذه الحملات محاكمات صورية وإعدامات وإحراقا هستيريا لمعارضين لآراء الكنيسة بدعوى ممارستهم للسحر المحرم، وقدر ضحاياها بعشرات الآلاف بين القرنين الـ 15 والـ 18 في أوروبا ومستعمراتها في أميركا الشمالية.
ويستخدم التعبير لنزع الشرعية والقانونية عن التحقيقات من خلال استدعاء التحيزات الحزبية والدوافع الأيديولوجية الكامنة وراء الاتهامات بارتكاب مخالفات، وسبق للرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون أيضا أن استخدمه في أعقاب فضيحة “ووترغيت” مدعيا أنه كان مستهدفا بعملية “مطاردة ساحرات”.
مطاردة الساحرات أم نيكسون وترامب؟
لا يبدو التشابه بين ترامب ونيكسون محصورا باستخدام تعبير “مطاردة الساحرات” وإنما يعيد ترامب تنفيذ “مذبحة ليلة السبت” لعام 1973، عندما أمر نيكسون بإقالة محقق خاص يقوم بالتحقيق في قضية ووترغيت، وأدى قراره إلى سلسلة من الأحداث عجلت بسقوطه في النهاية.
أمر نيكسون النائب العام إليون ريتشاردسون بإقالة المحقق الخاص أرشيبالد كوكس، لكن بدلا من تنفيذ الأمر استقال ريتشاردسون نفسه احتجاجاً على قرار الرئيس، فأمر نيكسون ويليام روكيلشاوس نائب المدعي العام بالأمر ذاته لكنه استقال أيضا احتجاجا على قرار الرئيس.
وكان رد الفعل قاسيا لدرجة أن نيكسون اضطر في غضون أيام إلى التراجع كليا. وتم تعيين مدع خاص جديد وتم منحه استقلالية تشبه التي أعطيت لكوكس قبل إقالته.
وامتثل نيكسون لمذكرات الاستدعاء التي كانت السبب المباشر للأزمة، وبثت شبكات التلفزة في 17 مايو/أيار جلسات الاستماع للرئيس الذي كانت شعبيته تتدهور سريعا.
وحفزت إقالة كوكس ردود أفعال من الكونغرس والرأي العام تشبه ما حدث في أعقاب إقالة ترامب لمدير المكتب الفدرالي جيمس كومي في محاولة لإنهاء التحقيق بانتخابات الرئاسة 2016 ومزاعم التدخل الروسي فيها.
واستقال الرئيس نيكسون بالنهاية في أغسطس/آب 1974 على إثر التحقيقات في فضيحة ووترغيت المتعلقة بالتجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس بالانتخابات الرئاسية التي فاز بها نيكسون بصعوبة بالغة.
ورغم أن التحقيق في تجاوزات الرئيس لا يعتبر قضية حزبية، لكن استخدام تعبير “مطاردة الساحرات” من قبل نيكسون وترامب، وجد صدى لدى مؤيديهما الذين وصفوا التحقيقات القضائية بالمسيسة والحزبية.
مطاردة الساحرات قديما وحديثا
خلال ثلاثينيات القرن الـ 19، وخلال الانتفاضة الدينية البروتستانتية المعروفة باسم “الصحوة الكبرى الثانية” التي رفضت ما سمي بالتنوير في الولايات المتحدة، كان منتقدو تلك الهبة الدينية يقارنون تلك التعليمات الدينية بمحاكمات “مطاردة الساحرات” في محاولة لتذكير الناس بمخاطر التعصب الديني.
وجرت ممارسة “مطاردة الساحرات” بشكل واسع خلال فترة الغزو الأوروبي للعالم الجديد وخاصة خلال حرب الثلاثين عاما التي مزقت أوروبا بين عامي 1618 و1648. وجرى حينها إعدام عشرات الآلاف في محاكمات هيستيرية بلا أدلة حقيقية، وجرت إعدامات بتهم السحر أيضاً في أفريقيا وآسيا.
ولا تزال ملاحقة الساحرات قضائيا شائعة بالمملكة السعودية التي قالت هيومن رايتس ووتش -في تقرير سابق لها- إنها تتابع أحكام بالإعدام على خلفية اتهامات مبهمة بالسحر إذ يجري استخدامها بشكل متعسف.
وليس من قبيل الصدفة أن يصبح تعبير “مطاردة الساحرات” إحدى الإستراتيجيات المفضلة للرئيس ترامب لتوجيه الانتقادات لخصومه وتعبئة أنصاره.
ومع ذلك لا يزال معظم الأميركيين يدعمون التحقيق الذي قام به مولر، ولم تنجح تهمة “مطاردة الساحرات” التي صرخ بها نيكسون ولا يزال يستخدمها ترامب في وقف التحقيق، ولا يعني ذلك بالضرورة أن ينتهي تحقيق مولر بنفس الطريقة التي حدثت بقضية ووترغيت.
لكن بعيدا عن نتائج تحقيق مولر، فقد وجدت مزاعم صيد أو مطاردة الساحرات جمهورا من المؤيدين لترامب استطاع توظيف التعبير بدلالته السلبية للدفاع عن الرئيس ضد التحقيق الجاري.
ورغم أنه لا ينبغي أن تكون عمليات التحقيق القضائي مسائل حزبية مسيسة، فقد أسهم تعبير “مطاردة الساحرات” الذي استخدمه ترامب كثيرا في جعلها كذلك بالفعل.
الجزيرة