على الرغم من ركوبه -مثل كثيرين غيره- الموجة ومضاربته بعملة بتكوين الرقمية فإن عبد الله السلوم لم يكن بين آلاف الكويتيين الذين خسروا في تلك المضاربات ما يقدر بخمسمئة مليون دولار خلال أربعة أشهر فقط حتى فبراير/شباط الماضي.
فقد أقبل نحو 12 ألف كويتي بحماسة على منصات تداول عملة “بتكوين” أملا في تحقيق ربح سريع ووفير ليجدوا أنفسهم وبعد تضاعف رؤوس أموالهم أمام خسارات متتالية.
لكن السلوم المتخصص في التحليل الإحصائي لم يستند فحسب إلى تحصيله العلمي -حيث يحمل درجة البكالوريوس في علوم الحاسوب والماجستير في إدارة الأعمال- وإنما خولته تجربته في المضاربة في الذهب والنفط الولوج إلى عالم “بتكوين” من أوسع أبوابه.
فقد وضع خوارزمية تتابع بدقة عمليات البيع والشراء على مدى بضع سنوات، لتمكنه سلامة إحصاءاتها -بما تتيحه من معدلات دقيقة- من جني أرباح طائلة، لكنه توقف عن المضاربة قبل ثلاثة أشهر فقط لتفادي الخسارة، بعد أن حذرته الخوارزمية من الهبوط الحاد عقب وصول هذه العملة الافتراضية إلى أوجها ببلوغها نحو عشرين ألف دولار للوحدة الواحدة منها.
ويعزو عبد الله -في حديثه للجزيرة نت- أسباب خسارة كثير من الكويتيين إلى أنهم لم يجيدوا التحليل الفني، ولم يدرسوا عملية المضاربة في “بتكوين”.
فبعد أن رأوا أن البعض يشتري هذه العملة الافتراضية ويجني أرباحا منها أقدموا على الشراء -يقول المتحدث ذاته- وبعد الهبوط الحاد الذي لحق بها قاموا بالبيع، مما أدى إلى خسارتهم.
سبب رفض البتكوين
وانطلاقا من تخصصه يرى عبد الله أن كثيرا من الأشخاص يعتقدون أن البتكوين محاربة من البنوك المركزية للدول لأنها قد تدخل في تجارات ممنوعة كالسلاح والمخدرات، غير أن السبب المحوري من وجهة نظره يكمن في الخوف من العودة إلى النظام المالي قبل عام 1971 أي قبل ما عرفت بـ”صدمة نيكسون”، وذلك حين ألغى الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون التحويل الدولي المباشر من الدولار إلى الذهب، وبالتالي فإن “بتكوين” تحارب كي لا تصبح بديلا عن العملات التي تدار من قبل الحكومات.
أما الباحث والكاتب الاقتصادي محمد رمضان فيختزل أسباب الانخفاض الكبير عالميا الذي تعرضت له البتكوين خلال الفترة السابقة بما ورد في تقرير أشار إلى أن استخدام هذه العملة الافتراضية في عمليات الشراء انخفض في الأشهر الأخيرة بنحو 80% تقريبا عما كان عليه في قمته، وهذا يشير إلى تراجع عالمي في استخدام “بتكوين” في عمليات شراء الأصول والخدمات، مما أدى إلى تراجع كبير في قيمتها.
في المقابل، فإن العملة الافتراضية البتكوين لا تخضع لغطاء قانوني ولا لجهة رقابية تشرف على عمليات تداولها، غير أنه ما إن يتم تحويلها إلى سيولة نقدية حتى تتدخل البنوك المركزية والجهات الرقابية وتسأل المتداول من أين لك هذا؟ وهنا عليه أن يثبت أنها لم تتلوث بعمليات غسيل الأموال، بحسب توضيح رمضان للجزيرة نت.
مخاطر
ويعتقد رمضان أن المخاطر التي تكتنف الاستثمار في “بتكوين” كبيرة جدا بسبب الصعود والهبوط الكبيرين في قيمتها، إلى جانب عامل آخر هو وجود كثير من الشركات التي تحتال على المتداولين بعد أن يودع فيها محفظة مالية بادعاء سرقة المفاتيح الرقمية المهمة التي تثبت الملكية والتي يضيع معها كل شيء.
ويقول إن “ما يفاقم المشكلة غياب أي قانون ملزم لتلك الشركات بإعادة المبالغ المفقودة”.
وتوقع رمضان اقتراب مصير “بتكوين” من نهايته تدريجيا، لأنها مجرد فقاعة حسب وصفه، إذ لا يوجد أي منطق في أن تكبر عملة وتنمو وتزدهر وهي تتحدى الحكومات، على حد تعبيره.
وبالتزامن مع الصعود الكبير في عملة “بتكوين” مطلع العام الجاري أطلق بنك الكويت المركزي وهيئة أسواق المال الكويتية تحذيرات عدة من مغبة الانجراف وراء هذه العملة الافتراضية بعد تهافت الكثير من الكويتيين على شرائها بسبب الارتفاع القياسي في قيمتها.
التحذيرات لم تقتصر على الجهات الرقابية فقط، فقد أطلق كثير من الخبراء تنبيهات للمتداولين بألا يغتروا بالصعود المتوالي لهذه العملة، ومن هؤلاء المحلل المالي والاقتصادي ميثم الشخص الذي عزا في حديثه للجزيرة نت التنامي الكبير في قيمة “بتكوين” إلى الارتفاع في العرض، وفهم بعض المتداولين آليات العمل في هذه العملة.
تعامل غير آمن
ولإزالة الخلط بين العملات الإلكترونية والأخرى الافتراضية، يوضح ميثم الشخص أن العملة الإلكترونية جزء من النقد المسلسل الصادر عن البنوك المركزية، لكنها لا تحمل الصفة الورقية، وهذا يجعلها جزءا من العملة الرسمية، حيث تلجأ الدول إلى التعامل بها للاستفادة من التكنولوجيا في تبسيط إجراءات البيع والشراء إلكترونيا، خصوصا في ظل انتشار الأجهزة الذكية من حواسيب محمولة ولوحية وهواتف نقالة.
ووفقا للشخص، فإن المستهلك يستطيع من خلال العملة الإلكترونية الشراء عبر المتاجر الإلكترونية دون الحاجة إلى سحب مبالغ نقدية.
لكن التعامل بالبتكوين يقول المتحدث ذاته ليس آمنا كونها غير مضمونة من البنوك المركزية، وبالتالي ليست لها مصداقية في التعاملات التجارية.
ويرى الشخص أن التطور التكنولوجي الحالي يستلزم أن تواكبه إجراءات حكومية في كثير من النواحي، ومنها التشريعات الخاصة بتداول وتنظيم عمل العملات الرقمية.
كما لا تزال هناك مسألة تشابك معقدة -على حد وصف الشخص- بين أدوار بعض الجهات الرقابية ووزارة التجارة، فكثير من الشركات تعاني من الازدواجية الرقابية، وهنا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ضرورة نقل بعض الاختصاصات المتعلقة بشركات الوساطة من وزارة التجارة إلى هيئة سوق المال.
وخلافا لرأي رمضان لا يرى الشخص اقتراب البتكوين من نهايتها، مرجحا أن تستمر لكن مخاطر التداول فيها ستبقى عالية، موضحا أن الأمر سيبقى مرهونا بالمتداول نفسه، فعلى من يجد في نفسه القدرة على تحمل هذه المخاطر أن يستمر، ولكن لا أحد سيحميه.
المصدر : الجزيرة