أظهر استطلاع للجزيرة نت عبر موقع فيسبوك أن الأغلبية العظمى من المستطلعين يعتقدون أن الاستثمار في العملات الرقمية “غير آمن”.
يأتي ذلك في وقت شهدت أسعار البتكوين العملة الافتراضية الأشهر بالعالم هبوطا حادا خلال عام 2018 بعد طفرة سعرية غير مسبوقة في عام 2017 وحتى بداية العام الحالي.
الاستطلاع الذي شارك فيه 6300 شخص خلال الفترة من 14-20 ديسمبر/كانون الأول 2018 عبر فيه 81% عن اعتقادهم بأن الاستثمار بالبتكوين وأخواتها غير آمن، في حين رأى 19% فقط أنه آمن.
ويقول أحد المشاركين في الاستطلاع “إذا كان الاستثمار في العملات الصعبة المعتمدة دوليا ليس آمنا فما بالك بالاستثمار في البتكوين”.
ويضيف آخر أن الاستثمار في العملات الافتراضية “شديد الخطورة”، كما يعتقد ثالث أنه “خدعة ابتكرها الأذكياء لكسب مال الأغبياء”.
وقال مشارك رابع “إنه اختراع ماسوني للتحكم في العالم كما كان الدولار من قبل”، أما الخامس فوصف بتكوين بأنها “فقاعة”.
الجزيرة نت نقلت تخوفات المستطلعين من الاستثمار في العملات المشفرة إلى عدد من الخبراء، خاصة ما تعلق بمستويات الأمن وإمكانات سرقة العملات الافتراضية، واستخدامات غير القانونية في غسيل الأموال وبيع الأسلحة، بالإضافة إلى أسباب محاربة البنوك المركزية هذا النوع من العملات، وسيناريوهات الأسعار للعام المقبل.
1- مستوى الأمن
يقول المحلل الاقتصادي محمد النويلة إنه لا يوجد استثمار بالعالم آمن 100%، وإنه حتى مع أكثر الاستثمارات أمنا توجد دائما نسبة مخاطرة.
ويضيف أنه لا توجد دلائل في الوقت الحالي على أن العملات الرقمية يمكن أن تنهار بالكامل وتصبح أسعارها صفرا.
ونبه النويلة إلى أن الاستثمار بالعملات العادية محفوف بنسب مخاطرة عالية، أما الاستثمار بالبتكوين وأخواتها فهو أكثر مخاطرة من الاستثمار في غيرها.
ويؤكد أن العملات الرقمية ستكون آمنة على المدى الطويل أكثر مما هو عليه الوضع حاليا بسبب حداثة وجودها في السوق.
2- سرقة العملات الرقمية
يقول النويلة إن سرقة العملات الرقمية واردة جدا، فمع عدم مراعاة المستخدم قوانين الأمن في الأجهزة التي يستخدمها أو في حال استعمالها بطريقة خاطئة فإن ذلك قد يسمح للآخرين بالدخول وسرقة محفظتك الرقمية.
ونصح الراغبين في الدخول إلى عالم العملات الرقمية بأن يكونوا على دراية بوسائل الأمان الإلكتروني.
3- ماذا عن غسيل الأموال وبيع الأسلحة؟
يقول النويلة إن البتكوين والعملات الرقمية يمكن استخدامها في الأنشطة غير القانونية، وهذا من عيوب هذا النوع من الاستثمار.
ويضيف أن استخدام العملات الرقمية في غسيل الأموال وبيع الأسلحة بدأ ينتشر، لأنه تصعب مراقبتها وتتبع حركتها.
الخبير الاقتصادي والباحث في السياسات العمومية نوفل الناصري يقول إنه “بحكم أن البتكوين وباقي العملات الافتراضية لا تخضع لمراقبة الحكومات أو المؤسسات المالية والنقدية فإنه يمكن استعمالها وباقي العملات بسهولة للتهرب من الضرائب”.
ويضيف “في ظل غياب الرقابة هناك هاجس أمني لدى عدد من دول العالم يتمثل في الخوف من استعمال هذه العملات في أنشطة خارجة عن القانون بسبب سهولة وسرية استخدامها، مثل الاتجار في المخدرات، الأسلحة، أو تمويل العمليات الإرهابية وغسيل الأموال”.
4- لماذا تحارب الدول هذه العملات؟
يؤكد المحلل الاقتصادي محمد النويلة أن البنوك المركزية عبر العالم تمنع تداول العملات الرقمية ليس لعيب فيها أو لمخاطرها الاستثمارية وإنما لعدم قدرة هذه البنوك على السيطرة عليها.
ويقول إن دور البنوك المركزية هو التحكم في المعروض النقدي وضبط السيولة وأسعار الفائدة في السوق أو ما تسمى السياسة النقدية بهدف التأثير إيجابا على الاقتصاد، لكن وجود عملات رقمية يحد من دور هذه البنوك ويمنعها من القيام بأدوارها الرئيسية.
ويضيف أن البنوك المركزية لا تريد الترخيص لمثل هذه العملات لأنها توجد خارج سيطرتها.
ويرى أن البنوك المركزية تستطيع أن تمنع هذه العملات من التداول في الوقت الحالي، لكن في وقت من الأوقات ستصبح البتكوين وأخواتها خارج يديها وستنتشر بفعل الطلب المتزايد.
من جهته، يقول نوفل الناصري إن تداول البتكوين بشكل كبير سيؤدي إلى تفكك العلاقة بين أغلبية المعاملات المالية وآليات وتقنيات رقابة البنك المركزي على السياسة النقدية الداخلية لكل بلد على حدة.
ويضيف أن هذا الأمر سيتسبب في تضخم الكتلة النقدية، وسيفقد اقتصادات الدول القدرة على التحكم في كتلته النقدية.
ودعا الناصري إلى ضرورة توخي الحيطة والحذر من هذه العملات الافتراضية، لأنها تؤدي إلى عولمة الكتلة النقدية الوطنية وارتهان السياسة النقدية الداخلية لكل دولة بالتحولات المالية العالمية، مما يشكل خطرا على سيادة الاقتصادات الوطنية.
5- أداء العملات الرقمية في 2019
بخصوص توقعات أداء العملات الرقمية في 2019، قال المحلل الاقتصادي محمد النويلة “بعد موجة انخفاض شهدت أسعار العملات الرقمية استقرارا في الوقت الحالي صاحبه تحرك طبيعي”.
وأضاف “من الصعب توقع أداء هذه العملات بشكل أدق في ظل تذبذب أسواق المال العالمية، لكن السيناريو الأقوى هو استمرار حال الاستقرار مع احتمالات الانتعاش”.
لكن النويلة بدا مقتنعا بأن البتكوين وأخواتها لن تشهد هبوطا حادا أو انهيارا كاملا إلى سعر الصفر.
6- أسباب انخفاض الأسعار
عزا المحلل الاقتصادي محمد النويلة الهبوط الحاد الذي شهدته العملات الرقمية إلى موجهة الاستثمارات القوية بهذه العملات بعد دخول ما تسمى الأموال الساخنة (المضاربة) على الخط في أعقاب الارتفاع الكبير في الأسعار، ثم خروجها بقوة بعدما بدأت هذه الأسعار بالهبوط نحو المستويات الطبيعية.
وقال إن “المضاربات غير الصحيحة على العملات الرقمية أدت إلى تضخم أسعارها ثم ما لبثت أن تراجعت، وهذا أمر طبيعي مع كل نمط أعمال جديد تشهده الأسواق، مثل الأسهم والسندات”.
أما الخبير المالي نوفل الناصري فقال إن زيادة الطلب على البتكوين رفعت سعرها إلى مستويات قريبة من عشرين ألف دولار، قبل أن تشهد هبوطا نحو أقل من أربعة آلاف، مما كبد المستثمرين خسائر كبيرة.
وأضاف “لا أحد يعرف على وجه التحديد ما هو السعر العادل للبتكوين التي ظل العالم يتداولها بلا قواعد أو أسس واضحة للتسعير”.
وخسرت العملات الرقمية بالفعل 80% من قيمتها خلال عام 2018، فبعدما بلغ سوق هذه العملات في فترة الذروة في يناير/كانون الأول 2018 نحو 828 مليار دولار انخفضت قيمة هذه السوق إلى مئة مليار دولار منتصف ديسمبر/كانون الأول 2018، مما يعني خسارة 730 مليار دولار في عام واحد، وفق ما ذكرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية التي وصفت الوضع بأنه انفجار للعملات المشفرة.
المصدر : الجزيرة