كيف سيكون المشهد الاقتصادي بمنطقة الخليج في 2019؟

كيف سيكون المشهد الاقتصادي بمنطقة الخليج في 2019؟

هل حافظت دول مجلس التعاون الخليجي على مكانتها كملاذ للباحثين عن العمل والاستثمار، أم أن المصاعب المواكبة لأسعار النفط المنخفضة؛ من شأنها إطفاء جذوة توهج البلدان الست التي لم تعد كتلة سياسية واقتصادية متراصة البنيان كما كان الحال عليه سابقا؟

قبل أن تفرض السعودية والبحرين والإمارات- إلى جانب مصر- حصارا على قطر منتصف العام 2017؛ كانت أبواب أسواق الدول الأعضاء في مجلس التعاون مشرعة أمام رجال أعمال البلدان الست.

لكن الخطوة التي فاجأت العالم حينذاك، أسهمت بتعميق المصاعب الاقتصادية التي تواجه القطاعين العام والخاص في هذه الدول، ولو بدا ذلك بشكل متفاوت.

وقد تواجه الدول الخليجية مجتمعة مشكلة عجوزات مالية هذا العام، إن استمرت أسعار النفط قريبة من خمسين دولارا للبرميل، كما قد تفشل في خطب ود المستثمرين الأجانب وإقناعهم لدخول أسواقها المالية والعقارية.

الإنفاق الحكومي
عاشت الدول الست على وقع تراجع أسعار النفط بواقع 19% خلال العام الماضي، الأمر الذي قزم قدرة غالبيتها على الوفاء بالتزاماتها في الإنفاق على المشاريع الجديدة والكفيلة بإذكاء النمو الاقتصادي الملائم لخلق فرص العمل.

لكن البعض يرى بأنه ينبغي عدم وضع الدول المذكورة في سلة واحدة، فالبحرين مثلا تعاني أصلا من صعوبات اقتصادية، دفعت كلا من السعودية والإمارات والكويت لدعمها مؤخرا بواقع عشرة مليارات دولار لضمان تحقيق المنامة التوازن المالي بحلول 2022.

خطوة جاءت رغم التحديات التي تواجه الرياض التي أعلنت منذ أيام عن موازنتها للعام 2019 بعجز يقدر بـ 52 مليار دولار، بينما تتوقع قطر تحقيق فائض قدره ستمائة مليون دولار.

تفاؤل قطري
ويرى محمد بن طوار الكواري النائب الأول لرئيس غرفة قطر أن اقتصاد بلاده سيواصل تحقيق زخم النمو الذي سجله خلال السنوات الماضية، مستندا إلى موازنة جديدة تضمنت إنفاقا قدره 57 مليار دولار، ما من شأنه ضمان تنفيذ المشاريع الكبرى التي تعكف الدوحة على إنجازها.

وأضاف الكواري للجزيرة نت “دولة قطر لم تتأثر بالحصار المفروض عليها من قبل جاراتها، بل إن هذه الخطوة ساهمت في تقوية نشاط القطاع الخاص المحلي، كما أنها عززت من دور المشاريع الناشئة التي بادرت بتقديم منتجات حلّت مكان نظيراتها التي كانت تستورد من قبل دول الحصار”.

ويرتكز تفاؤل الكواري إلى أحدث تقارير صندوق النقد الدولي الذي توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي للدوحة بواقع 2.4% خلال 2018، ليرتقي في العام التالي إلى 3.1%.

تحديات
لكن التحدي الماثل أمام الدول الخليجية، لم يعد مقتصرا على خلافاتها السياسية وما تولده من تداعيات، إذ هناك عوامل دولية وأخرى خارج نطاق سيطرتها هي من تتولى زمام رسم الآفاق المستقبلية لاقتصاداتها.

فتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى جانب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لا تصب في صالح منتجي النفط الخليجيين.

ويعتقد الخبير الاقتصادي محمد اليافعي أن التحديات التي تواجه البلدان الخليجية مع إطلالة عام جديد تبرز فيه مواجهة بين أكبر اقتصادين بالعالم، وهو أمر يراه كفيلا بتثبيط النمو من جهة وكبح أسعار النفط من جهة ثانية.

وبُنيت موازنة دولة قطر على أساس مرجعي افتراضي قدره 55 دولارا للبرميل، فيما قدرته شركة الراجحي المالية -التي تتخذ من الرياض مقرا لها- عند مستوى سبعين دولارا بالنسبة للحسابات المالية السعودية للعام الجديد.

دبي بالأحمر
وألقت تلك التحديات بظلالها المتفاوتة على أسواق المال الخليجية. ففي حين زادت بورصة قطر بواقع 20.8% خلال العام 2018، فقدت نظيرتها في دبي نحو 25% من قيمتها خلال الفترة ذاتها، بسبب انفتاح الأخيرة بشكل كبير على المال الأجنبي المتوجس خيفة من ارتفاع تكاليف الاستثمار.

هذا التباين في أداء البورصات؛ عزاه اليافعي إلى عوامل سياسية وأخرى ذات صلة بالمناخ الاستثماري.

وقال للجزيرة نت إن بورصة دبي تأثرت سلبا جراء الحصار المفروض على قطر، حيث انسحب القطريون من أسواق المال والعقارات الإماراتية من جهة، كما تراجعت ثقة رجال الأعمال في الإمارة بفعل مشاركتها لجارتها أبوظبي بالحصار المفروض على الدوحة منذ عام ونصف من جهة أخرى.

يضاف إلى ذلك- يؤكد اليافعي- فرض الإمارات ضريبة القيمة المضافة اعتبارا من الأول من يناير/كانون الأول 2018 مما تسبب في تراجع العوائد الاستثمارية للقطاع الخاص.

متاعب للسعودية
ويعتقد اليافعي أن انخراط كل من الرياض وأبو ظبي في الحرب الدائرة على اليمن؛ أدى إلى استنزاف المقدرات المالية لأكبر اقتصادين عربيين.

وتسبب التدخل العسكري في اليمن من قبل التحالف الذي تقوده السعودية وتدعمه الإمارات منذ مارس/آذار 2015، في إنفاق المملكة مليارات الدولارات على متطلبات التسليح، وهو أمر يراه اليافعي كفيلا بإضعاف سمعة البلدين الخليجيين وقدرتهما على جذب رؤوس الأموال الأجنبية.

وهنا يقول اليافعي إن “استمرار التدخل السعودي في الشأن اليمني، من شأنه تحويل إنفاقها المالي من المشاريع التنموية التي تصب في صالح خدمة اقتصاد المملكة؛ إلى مسار آخر يتمثل في شراء الأسلحة، وهذا يعني ضعف فرص جذب استثمارات جديدة للرياض وتعذر مساعيها في خلق اقتصاد أكثر تنوعا”.

وأطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رؤية 2030 في أبريل/نيسان 2016، لكن تنفيذها اصطدم بجملة عوائق أبرزها تعذر خصخصة شركة النفط العملاقة “أرامكو” من جهة، ودخول الرياض في نفق مشاكل سياسية ناتجة عن استنزاف قدراتها في اليمن، وقيادتها عملية حصار قطر، إلى جانب اتهامها باغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول قبل أشهر، من جهة ثانية.

وستشرع السعودية في البحث عن اقتراض ما قيمته 32 مليار دولار خلال هذا العام، بهدف تغطية جزء من عجز موازنتها، بحسب ما نقلته وكالة “بلومبيرغ” مؤخراً.

يعتقد اليافعي أيضا بأن السعودية والإمارات خسرتا فرصة تزويد السوق القطرية بالمنتجات التي تحتاجها عقب الحصار، لكن بالمقابل ساعد القطاع الخاص القطري على توفير المنتجات البديلة عبر إنشاء مصانع محلية ساهمت في تحسين مؤشرات اقتصاد أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال بالعالم.

واستوردت قطر من جاراتها الخليجية ما قيمته 5.3 مليار دولار أميركي في العام 2016، نحو 90% منها كانت تصلها من السعودية والإمارات والبحرين، غير أن هذه التعاملات التجارية توقفت بالكامل بعد فرض الحصار على الدوحة.

تشاؤم
لا يختلف خالد الدوايمة مدير عام شركة الرؤية القطرية للمشاريع ومقرها الدوحة عن اليافعي في رسمه لجملة تحديات تواجه البلدان الخليجية بفعل المتغيرات الدولية.

ويقول الدوايمة للجزيرة نت إن السعودية تعاني من غياب استقرار سياسي غير مسبوق، سيتسبب في استمرار عزوف الاستثمارات عن المملكة، الأمر الذي سيلقي بظلاله على المنطقة برمتها.

كما أبدى الدوايمة تشاؤمه من السيناريو المرتقب لاقتصادات المنطقة، وقال “التخوف الرئيس يتمثل في عدم قدرة الاقتصادات العالمية الكبرى على استدامة النمو الكفيل بتحفيز نظيراتها الخليجية المعتمدة على تصدير النفط الذي تراجعت أسعاره بفعل تباطؤ الطلب، وتخمة المعروض، خاصة مع طفرة النفط الأميركي.

وقد تكون الكويت أفضل حالا من جاراتها، إذ أنها انتهجت سياسة تحفظية في بناء موازنة العام الجديد، مفترضة سعرا مرجعيا قدره خمسين دولارا للبرميل، بينما استندت سلطنة عمان إلى ثمن قوامه 58 دولارا.

وتعتبر الكويت عضوا بارزا في منظمة “أوبك” خلافا لعٌمان، فالأولى تنتج قرابة 2.9 مليون برميل من الخام يوميا، مقابل 1.1 مليونا للثانية التي ارتأت عدم الانتماء للمنظمة.

ومع غروب شمس عام وإطلالة آخر جديد، يبدو المشهد الاقتصادي للبلدان الخليجية متباينا، وسط ترقب لما ستكون عليه أسعار النفط والعلاقات التجارية الدولية في 2019.

المصدر : الجزيرة