شهدت الأيام القليلة الماضية حالة هرولة من بعض الأنظمة العربية نحو إعادة علاقاتهم مع النظام السوري، سواء عبر إعادة فتح السفارات أو عبر زيارات الرؤساء لدمشق، الأمر الذي يطرح علامات استفهام عن الأسباب ومغزى التوقيت، وهل يعني ذلك أن الأمور في سوريا قد حُسمت بشكل نهائي للنظام؟
فبعد زيارة وصفت بالمنفردة قام بها الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، والتقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد، تتوارد الأنباء عن زيارة مرتقبة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى سوريا منتصف يناير/كانون الثاني الجاري.
سبق هذه الخطوات أيضا إعلان الإمارات إعادة فتح سفارتها في دمشق بعد إغلاقها منذ بداية الثورة السورية في 2011، في حين قالت البحرين إن العمل مستمر بسفارتها هناك، وفي الأردن قال الملك عبد الله الثاني إن علاقة بلاده مع سوريا ستعود كما كانت.
وبينما زار رئيس الأمن الوطني السوري علي مملوك القاهرة، كشف موقع “ديبكا” الإسرائيلي عن زيارة ضباط مصريين وإماراتيين مدينة منبج في ريف حلب شمالي سوريا، وقيامهم بجولة استكشافية هناك تحضيرا لنشر قواتهم لتحل محل القوات الأميركية.
وذكر الموقع في تقرير نُشر يوم 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن نظام الأسد سيقبل بوجود قوات مصرية وإماراتية على أراضيه، لأن القاهرة قدمت له الدعم خلال السنوات الأربع الماضية، كما أن أبو ظبي يمكنها تمويل عمليات إعادة الإعمار في البلاد، فضلا عن أن وجود قوات مصرية وإماراتية في سوريا سيفتح المجال لوجود عسكري عربي أكبر.
في إسرائيل أيضا، وصفت القناة العاشرة خطوات بعض الدول العربية تجاه سوريا بـ”التهافت” على النظام السوري، معتبرة أنها تؤكد أن الأسد نجح في العودة للعالم العربي مرة أخرى.
فما الذي دفع هذه الدول العربية إلى أن تسلك هذا التوجه؟ هل هو اعتراف بفشل الثورة السورية وأن الأمر قد حسم للأسد وحلفائه؟ وهل تم ذلك بشكل منفرد أم أن هناك تنسيقا ما؟ وما علاقة هذه الخطوات بالانسحاب العسكري الأميركي من سوريا؟ وكيف ستنظر تركيا لهذه التحركات العربية لاسيما العسكرية منها؟
تحول جذري
هذا التكالب على إعادة إدماج نظام الأسد يعتبره الباحث السياسي السوداني عباس صالح انعكاسا للتحول الجذري في السياسة الإقليمية في الوطن العربي، حيث يتشكل نظام إقليمي جديد على قطيعة تامة مع النظام الإقليمي التقليدي الذي كان يتمسّح بأهداب الحد الأدنى من الانتماء القومي وشكليات النظام الإقليمي ممثلا في جامعة الدول العربية.
ويضيف للجزيرة نت أن النظام الإقليمي الجديد الذي جاء بعد انكسار الربيع العربي، بحسب وصفه، أصبح أكثر تبعية للقوى الكبرى، وهذا ما يفسر اللهاث وراء نظام الأسد من قبل مكونات النظام الرسمي العربي، حيث انساقت الدول المهيمنة في هذا النظام الإقليمي الجديد، لا سيما بعض دول الخليج العربي، وراء الترتيبات التي جرت وراء الكواليس وأضابير الدبلوماسية المنخرطة في الوطن العربي بين القوى الكبرى والقوى الإقليمية لإعادة تقييم مصالح هذه الأطراف على أرضية المسألة السورية.
ويرى صالح أن كل التحركات العربية الحالية تجاه سوريا هي ضد المصالح العربية على المدى البعيد، مؤكدا أنه بعد كل هذا الثمن الإنساني الباهظ للثورة السورية سيكون المال العربي في خدمة مشاريع القوى الدولية والإقليمية من إعادة الإعمار إلى إرسال قوات برية عربية، وليس انتهاء بتقديم المساعدات لنظام الأسد ورؤيته لمرحلة ما بعد الصراعفي سوريا.
سوريا محتلة
في المقابل، رفض الكاتب والإعلامي السوري المعارض بسام جعارة وجهة النظر القائلة بأن الثورة السورية قد هُزمت، ووصف وضع سوريا بأنها أصبحت تحت الاحتلال الروسي الإيراني “اللذين لولاهما لم يتمكن نظام الأسد من الصمود أمام الشعب”.
واعتبر جعارة في مقابلة سابقة مع الجزيرة أن الأمر ليس تحوّلا جذريا في مواقف الدول التي هرولت للتطبيع مع نظام الأسد، مشيرا إلى أن الإمارات -على سبيل المثال- لم توقف دعمها وتواصلها يوما مع نظام الأسد، وأنه منذ اليوم الأول الذي أغلقت فيه سفارتها في دمشق أبوابها، تم فتح الأبواب الخلفية، حيث وصلت المساعدات العسكرية اللوجستية من سيارات وأسلحة من الإمارات لدعم نظام الأسد بمواجهة الشعب السوري.
بدوره، يرى المحلل السياسي صلاح قيراطة أن الدول العربية لم تقاطع سوريا إلا في العلن، وقد تحدث الرئيس الأسد عن ذلك، واعتبر في لقاء مع برنامج “الاتجاه المعاكس” على قناة الجزيرة أن الإمارات تسعى لحل مشاكلها مع إيرانعبر دمشق، وهذا ما يفسر افتتاح السفارة في دمشق والسعي لإعادة العلاقات.
الجزيرة