معمر فيصل خولي
يتحكم في سوريا مشهدان الأول، مشهد الفرح الذي تجسد في خلاص الشعب السوري من بشار الأسد ونظامه القمعي، أما المشهد الثاني وهو المشهد المؤلم، فإسرائيل لم تنتظر كثيرا لتراقب أو تختبر التحول الجذري الجديد الذي حدث في سوريا في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الحالي ولتعزيز مكاسب إسرائيل الإستراتيجية، اقدمت على احتلال مناطق جديدة في جنوبي سوريا. وذهبت إلى أبعد من ذلك، حينما أعلن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، “انهيار” اتفاقية فك الاشتباك التي أبرمت بين سوريا وإسرائيل في 31 أيار/ مايو عام 1974، والتي وضعت الأساس القانوني لتلك الاتفاقية، وربما هذا الإعلان ينسجم ويتزامن تمامًا مع تصريح دونالد ترامب الذي قال : “إن «مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة، ولطالما فكّرتُ كيف يمكن توسيعها”.
من الناحية القانونية، هذا الإعلان يتنافي تمامًا مع مبادىء القانون الدولي العام والتي تعد المعاهدات ” الاتفاقيات” الدولية جزءا أصيلا منه. فما شهدته الدولة السورية – مؤخرًا- ليس تفككها إلى ولايات أوانهيارها، أواحتلالها من قبل دولة أخرى، وإنما الذي وقع هو إحداث تغيير في النظام السياسي في الدولة السورية، هذا التغيير لا يعني أن يتخلى النظام السياسي الجديد عن الالتزامات والمعاهدات الدولية التي التزم بها النظام السياسي السابق.
فذريعة نتنياهو في انهيار الاتفاق لا يؤيدها القانون الدولي العام، فهو بإمكانه أن لا يلتزم بالاتفاقية لكن دون أن يلقي اللوم على الجانب السوري. فهو يريد أن يستغل الظرف في سوريا من هروب الأسد، وسيطرة فصائل المعارضة المسلحة على مقاليد الحكم، لخلق وقائع جديدة في الجغرافيا السورية، وكأنها مسلمات أمنية على الحكم الجديد في سوريا. فهو أي نتنياهو كغيره من قادة إسرائيل يدركون مدى أهمية مناطق فض الاشتباك من الناحية الإستراتيجية الأمنية.
ولعلنا نتذكر أن من أسباب تعثر التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا منذ انطلاق محادثات السلام في مدريد 31 تشرين الأول / أكتوبر عام 1991م، هو إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بمرتفعات الجولان كجزء أساسي من جغرافية الدولة الإسرائيلية. والدليل على ذلك أنه عندما كانت مفاوضات السلام بين إسرائيل وسوريا في أوجها وبرعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون والرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، رفض في حينها، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك ” 1999م-2001م ” عودة الجولان إلى سوريا لقاء إبرام معاهدة سلام مع سوريا.
وهذا يؤكد على قناعة مفادها أنه لا فرق بين حزب العمل وحزب الليكود والأحزاب الإسرائيلية الأخرى، ولا بين يميني أو يساري عندما يتعلق الأمر بالاعتبارات الاستراتيجية الأمنية لدولة إسرائيل. وعلى العموم، لم تكتف إسرائيل بالتوغل بالعمق السوري وحسب، ولتدمير إمكانيات الدولة السورية استهدف خلال 48 ساعة أكثر من 400 هدف إستراتيجي منها مراكز البحوث العسكرية، كما ألحقت دمارًا كبير في قوتها الجوية بمختلف صنوفها وقوتها البرية والبحرية.
إسرائيل وبهذه التحركات العسكرية الأخيرة وكأنها تستكمل مهمة لم تنجزها – في حينها- بشكل كامل، في حرب حزيران/ يونيو عام 1967م، وطال انتظارها، أو جاء وقتها المناسب، من تدمير القدرات العسكرية التي لم يستخدمها حافظ الأسد، وبشار الأسد ضدها منذ عام 1973م، ولم يتجرأ أي منهما، طيلة العقود الماضية، في الرد على كل الاختراقات للمقاتلات الإسرائيلية للمجال الجوي السوري!، لكنهما ” الأب” و” الإبن” لم يتوانا للحظة في استخدم القوة العسكرية المفرطة ضد شعبيهما من أجل الحفاظ على حكم الدولة السورية . ” الأب” استخدمها في حماه عام 1982م، و” الإين” لجأ إليها عام 2011م حينما ثار شعبه ضد حكمه المستبد. وكأن الغرض الرئيسي من هذه القوة العسكرية لقمع الداخل وليس مواجهة الخارج!
إن إسرائيل بهذا التدمير الواسع للجيش السوري، قد تجعل سوريا بحاجة إلى سنوات وعقود من الزمن، لإعادة تأهيل جيشها، ليكون جيشًا وطنيًا يحمي مقدرات الدولة السورية وليس حماية الاستبداد والفساد.
خلاصة القول، إن التدمير الذي حلّ بالجيش السوري والذي تزامن مع فرار بشار الأسد، من الصعوبة بمكان التسليم بأنه كان قرارًا إسرائيليًا منفردًا، أو دون تخطيط مسبق له في حالة سوريا بدون الأسد، ودون أيضًا موافقة أمريكية لهذا التدمير، وعلى كل حال، يذكرنا هذا التدمير، بتدمير آخر مشابه له وقع قبل عقدين من الزمان، عندما قام الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر في آيار/ مايو عام 2003م، بحل الجيش العراقي. وكان هذا الحل مقدمة لتدميره.
نعم اختلف الأسلوب الإسرائيلي عن الأمريكي في التدمير، لكن الغاية واحدة! والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل من جيش عربي في طريقه إلى التدمير وأرض عربية في طريقها للضم الإسرائيلي؟
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية