في تزامن غريب، أعلنت الصين قبل يومين أن مسبارها الفضائي “تشانغ آه-4” حط على الجانب المظلم من القمر، في وقت كشف فيه وزير الإنتاج الحربي المصري اللواء محمد العصار عن تصنيع معامل الجيش صنبورا موفرا للمياه، لينضم لقائمة المنتوجات المدنية التي يصنعها الجيش المصري.
وإذا كان المسبار الصيني يضم طوافة ومجسا لاستكشاف سطح القمر، وانطلق حاملا معه بذورا لتجربة زراعة الخضروات في بيئة مغلقة على سطح القمر، فإن الصنبور المصري الجديد نجح في تقليل نسبة استهلاك المياه بمعدل 35%، علما أن وسائل إعلام مصرية نقلت عن العصار قوله إن الصنبور صُنع بتكنولوجيا ألمانية.
وقال العصار، في تصريحات تلفزيونية، إن مجلس الوزراء قرّر تعميم الصنبور الجديد على المؤسسات التي تستخدم المياه بشكل كثيف، وإتاحته في الأسواق بسعر 40 جنيها (نحو دولارين).
وإذا كان مستغربا لدى الكثيرين أن يتدخل الإنتاج الحربي المصري في صنع صنبور ماء، فإن المواطنين في أرض الكنانة لم يكادوا ينتبهون للموضوع، لأنهم يدركون منذ سنوات طويلة أن الجيش مسيطر على كثير من الصناعات غير العسكرية.
استثمار بقرار جمهوري
فمنذ انقلاب 1952، سيطر اللون “الكاكي” على الحياة العامة في مصر باعتراف أول رئيس للجمهورية محمد نجيب في مذكراته “كنت رئيسا لمصر”، ومع الانفتاح الذي قاده الراحل محمد أنور السادات وتدشينه خط التسوية مع إسرائيل عقب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، عزز اللون “الكاكي” تمركزه ووجوده في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، في وقت بدأت فيه مساحة المدنيين تتقلص أكثر فأكثر، وصدر القرار رقم 32 لسنة 1979 المنشئ لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية ليرسخ ذلك.
هذا القرار الذي صدر بقرار جمهوري ولم يمر ولو شكليا على مجلس الشعب، ليس عليه سلطة من طرف أي هيئة رقابية، فهو تابع لوزير الدفاع رأسا و”لا يتقيد بالقواعد الحكومية”، ويديره “مجلس إدارة يتكون من رئيس وعدد كاف من الأعضاء بحكم مناصبهم في القوات المسلحة ويصدر بتشكيله قرار من وزير الدفاع”.
قرار ينشئ جهازا بهذه التركيبة، وتلك السلطات، فتح جميع المجالات المالية والاقتصادية في وجه العسكر، الذين لم يترددوا في عهد حسني مبارك في السيطرة على اقتصاد البلاد، وباسم القانون.
أما خلال عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي -الذي قاد وهو وزير للدفاع انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013- فقد ضاق الأمر بالحياة المدنية إلى حد الاختناق، إذ وصل الموضوع إلى حد إنتاج الجيش المصري للمكرونة وصلصة الطماطم.
ونشرت “ميدل إيست آي” تقريرا يوم 26 مارس/آذار 2016 أكد أن العسكر “يهيمنون على نسبة تتراوح بين 50 و60% من الاقتصاد المصري، ويستحوذون على 90% من أراضي مصر، ويسخرون المجندين عمالة أساسية من دون مقابل في مشاريعهم الربحية”.
سخانات وغسالات وملاعق
ومع مرور السنوات، ازدادت مساحة سيطرة الجيش على الاقتصاد، وتقلصت نسبة المدنيين، حتى في المواد الاستهلاكية اليومية.
فعلى موقع وزارة الإنتاج الحربي المصرية على الإنترنت، تنشر الوزارة دعاية لمنتجاتها من سخانات “5 لتر” و”10 لتر”، وكذلك الثلاجات والتلفزيونات ومصابيح الإضاءة، إلى أفران الطهي والطناجر والغسالات.
واقتحم الجيش المصري حتى مجال صناعة المراوح والملاعق وأطقم الشاي والأطباق والسكاكين، إلى جانب عدادات الماء والكهرباء ومنظِّمات الغاز.
ويتلخص الإنتاج العسكري -بحسب موقع الوزارة- في نوعين من الدبابات، ونوعين من العربات العسكرية، ومقطورة، وماسورات عسكرية.
علما أنه وبعد انقلاب 1952، والإعلان عن إنشاء مصانع للإنتاج الحربي، كان يفترض أن توفر للجيش المصري منتوجات عسكرية تغنيه عن الأجنبي، وباعتراف رئيس الأركان السابق الفريق سعد الدين الشاذلي، فإن مصر كانت تخطط لتصنيع طائرة عسكرية، لكن عبد الناصر أقبر المشروع وفضل الاستيراد من الاتحاد السوفياتي تحديدا، لأن تكلفة الإنتاج كانت أعلى من الاستيراد.
ويقول خبراء مصريون إن بعض المصانع تنشأ لإنتاج الذخيرة العسكرية مثلا، لكن بسبب ضعف الإمكانيات التقنية والمالية والبحثية، يُحول نشاطها إلى إنتاج أفران طهي أو ملاعق وسكاكين أو سخانات مياه.
سمك وبطاطس
ووصل استثمار الجيش المصري للسمك، حيث افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 مشروع بركة غليون للاستزراع السمكي في محافظة كفر الشيخ، وتشرف عليه الشركة الوطنية للمقاولات التابعة للجيش، بالتعاون مع الصين، ويعمل به مجندون ومدنيون.
وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفي عز أزمة البطاطس في مصر، أعلن الأمين العام لجمعية منتجي البطاطس أحمد الشربيني أن “القوات المسلحة جهزت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية لزراعة البطاطس”، مؤكدا أن تلك الأراضي حققت إنتاجا جيدا وصدرت كميات كبيرة منه.
وخلال أزمة مماثلة قبلها بسنتين تقريبا، وبالضبط في سبتمبر/أيلول 2016، لم يفاجئ وزير الصحة وقتها أحدا عندما أكد أن الجيش تدخل لبيع حليب الأطفال الذي اختفى من السوق، حيث اشترت القوات المسلحة 30 مليون علبة، ووضعت عليها شعار الجيش وباعتها بالصيدليات بثلاثين جنيها بدلا من ستين جنيها.
“آه يا تشانغ”
وبينما يستمر المسؤولون المصريون في الترويج لصنبور المياه الجديد، بدأ مسبار “تشانغ آه” الصيني يرسل أولى صوره من الجانب غير المرئي للقمر، في إنجاز علمي تاريخي تفوقت فيه الصين على الولايات المتحدة وروسيا.
وقبل ذلك بنحو شهر، استعرضت بكين قوة صناعتها العسكرية في المعرض الدولي للصناعات العسكرية “إيديكس 2018” الذي أقيم في مصر نفسها بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي وافتتحه السيسي، وشاركت فيه الصين بدعوة من وزارة الدفاع المصرية.
وخلال المعرض، عرضت الشركات الصينية 22 نموذجا من السفن والمعدات الحربية، وغواصات مختلفة الأحجام، وطائرات حربية بينها مقاتلات “التنين القوي”، وطائرات النقل الحربي من نوع “يون-9″، إلى جانب طائرات تدريب متطورة وطائرات من دون طيار.
فضلا عن ذلك، نجحت الصين في تطوير ترسانة أسلحة قوية تشمل منظومة الحرب الإلكترونية، وصواريخ فوق صوتية، وأسلحة مضادة للأقمار الصناعية، وروبوتات، وذلك بحسب ما أورده موقع “ديفنس ريفيو” الأميركي قبل شهور.
كما جربت الصين نوعا جديدا من الصواريخ سمته “غليد فايكل” الذي تتراوح سرعته ما بين 5 و10 أضعاف سرعة الصوت، ويمكن استخدامه في هجمات نووية وتقليدية، وذلك إلى جانب تطويرها أنواعا من الطائرات بينها الطائرة الشبح “جي 20”.
وضعٌ جعل معلقين يسخرون قائلين إن المسبار “تشانغ آه” حطّ على الجانب المظلم من القمر و”أناره” وبدأ يرسل صوره، في وقت يترد فيه صدى الآهات في جوانب مظلمة من كوكب الأرض العربية عامة، وليس في أرض مصر وحدها.
المصدر : وكالات,الجزيرة,مواقع إلكترونية