يمكن القول إن أعمال الدورة الرابعة من “القمة التنموية: الاقتصادية والاجتماعية” العربية قد تم تدشينها في العاصمة اللبنانية بيروت اليوم الأربعاء، بانعقاد “منتدى القطاع الخاص العربي”، الذي شارك فيه نحو 400 شخص من 24 بلداً عربياً وأجنبياً، وهو يكتسب أهميته من كون قرارات القمم السابقة تُعوّل على دور القطاع الخاص في تمويل كثير من البرامج والمشاريع.
ومن المقرر أن يُنهي المنتدى أعماله بجلسة ختامية عند الثانية من بعد ظهر غد الخميس، في مقر اتحاد الغرف العربية (مبنى عدنان قصار للاقتصاد العربي) برعاية رئيس الحكومة اللبنانية المكلف، سعد الحريري، والأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، على أن تُعلن توصياته وتُرفع إلى القمة المزمع عقدها الأحد المقبل بحضور العديد من قادة الدول.
الحريري اعتبر، في افتتاح المنتدى، أن أهميته تكمن في كونه سيناقش المحاور الأساسية لمؤتمر القمة الذي سيُعقد الأحد، كما أن التوصيات التي ستنتج عنه ستُرفع إليها مباشرة، آملاً أن تُنتج القمة توصيات عملية “تفعّل التعاون وترفع مستوى المعيشة للمواطن العربي في كافة دولنا”.
وفي تأكيد على عدم ملاقاة توصيات القمم السابقة بالتدابير العملية، لاحظ الحريري: “نحن غالباً ما نكرر كلامنا، يجب علينا أن نعمل سوياً لترجمة الأقوال إلى أفعال، وأن نُنجز، وهذا ما يريده منا المواطنون”، مضيفاً في السياق: “في لبنان، لدينا قوانين تعود إلى 50 أو 60 سنة مضت، وهذا موجود كذلك في الكثير من الدول العربية. لقد آن الأوان لنطوّرها وأن نعمل سوياً لمصلحة المواطن العربي، ونمنحه كل التسهيلات لكي يعمل”.
وحيث لم تفلح الدول العربية بتسهيل حركة الأفراد والبضائع على حدودها، قال الحريري: “تجب علينا إزالة كل الحدود التي هي ليست حدوداً فعلية بين دولنا العربية، ليتمكن المواطن العربي من العمل والتحرّك في مختلف المجالات الصناعية والتجارية… لقد تكلمنا كثيراً عن هذا الموضوع وقد آن الأوان لتطبيقه عملياً، فكفانا إطلاق نظريات، وعلينا أن نبدأ بالعمل الفعلي”.
الحريري تطرّق أيضاً إلى دور المرأة، فقال: “هي نصف هذا العالم، لكن كيف تمثله في السياسة والاقتصاد؟ إن اقتصادنا لا يمكن أن يكتمل إذا لم تشارك المرأة في كل قطاعات الدولة، أكان في السياسة أو الاقتصاد أو أي قطاع آخر. فالمرأة باستطاعتها أيضاً أن تخفف من النزاعات السياسية، ونحن نرى اليوم كم سيّدة تبوأت مراكز مهمة، كرئيسة جمهورية أو حكومة”.
سلامه: عدم تشكيل حكومة لبنان أضعف النمو
أما حاكم مصرف لبنان (المركزي)، رياض سلامه، فقد أكد، في افتتاح المنتدى، أن التعميم المتعلق بحصر التحويلات المالية الإلكترونية عبر شركات التحويل (مثل ويسترن يونيون وماني غرام وأو.إم.تي) بالليرة اللبنانية دون سواها من العملات، “يحصّن لبنان قانونياً أكثر على صعيد مكافحة تبيض الأموال وتمويل الإرهاب، ولا علاقة له إطلاقاً بوضع الليرة اللبنانية”.
وأوضح أنه “في عام 2018 كان النمو الاقتصادي بحدود 1% إلى 1.5%، وكنا قادرين على النمو بحدود 2% لو تألفت الحكومة، كما ارتفعت الودائع بالعملات الأجنبية 3.5% عام 2018، والودائع بالليرة ظلت مستقرة، ما رفع دولرة السوق إلى 70%. أما ارتفاع الفوائد فسببه ارتفاع العجز في الخزينة اللبنانية إضافة إلى ارتفاع الفوائد عالمياً. وعموماً ارتفعت الفوائد في لبنان بين 2% و3%، وهذا هو معدل الارتفاع العام”.
وأكد سلامه أن “أهدافنا عام 2019 ستكون استقرار سعر صرف الليرة، ونتمنى أن نطلق العملة الإلكترونية قبل نهاية عام 2019”.
خوري: إصلاحات مالية وهيكلية مقابل مساعدات “سيدر1”
بدوره، وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني، رائد خوري، رأى، في افتتاح المنتدى أيضاً، أن “انعقاد مؤتمر (المانحين) سيدر1 (عام 2018) ونتائجه، لا سيما لناحية إقراره مساعدات (قروضاً وهباتٍ) مالية كبيرة بقيمة 11.6 مليار دولار، عكس ثقة المجتمع الدولي بلبنان وبقدرته على تجاوز الصعاب والتحديات الكبيرة المتعلقة ببنيته الاقتصادية بشكل عام، الأمر الذي وضع الدولة اللبنانية أمام تحد حقيقي لإثبات قدرتها على الوفاء بالتزامات المؤتمر، وتحديداً تطبيق الإصلاحات المالية والهيكلية والقطاعية المطلوبة من قبل الدول والمنظمات الإقليمية والعالمية المانحة التي شاركت فيه”.
ولفت إلى أن “خلاصة ما توصلنا إليه في رؤية لبنان الاقتصادية هي مضاعفة التركيز على القطاعات المنتجة ذات القيمة المضافة العالية والتي ترتكز على المعرفة بدرجة كبيرة وتحدث أثراً مضاعفاً ومرتفعاً وتتسم بمستوى أعلى من المرونة، والعمل على بناء رأس مال بشري متميز يلبي الاحتياجات الاقتصادية المستقبلية، ضمان حكومة فعالة وكفوءة تدعمها سياسات الانضباط الكلي أي المالي والنقدي، بناء اقتصاد مفتوح يقوم أساساً على تنمية القطاع الخارجي والتركيز على الصادرات، الأمر الذي يحتاج تحقيقه إلى توفير بيئة أعمال وبنية تحتية تنافسية وهذا ما نصبو إليه من خلال تنفيذ مقررات سيدر1”.
جهود لإزالة عوائق منطقة التجارة الحُرّة
كما تحدث في افتتاح المنتدى الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في جامعة الدول العربية، كمال حسن علي، ورئيس اتحاد الغرف العربية، محمد عبده سعيد أنعم، ورئيس اتحاد الغرف اللبنانية، محمد شقير.
علي قال إن “هناك جهوداً تُبذل لإزالة العوائق التي تواجه منطقة التجارة الحُرة”، مضيفاً أنه قد يكون من المناسب اتخاذ عدد من السياسات والإجراءات التي تعمل على تشجيع القطاع الخاص للقيام بدور في تنفيذ مقررات القمم التنموية الاقتصادية والاجتماعية، ومن أهمها:
أولاً، إشراك القطاع الخاص في مناقشة واتخاذ القرارات خلال تثبيت رؤياه وتوصياته.
ثانياً، توفير مناخ استثماري جاذب مع إزالة العراقيل الإدارية التي تعطل الفوائد المحققة من القوانين والتشريعات الجاذبة للاستثمار.
ثالثاً، توفير آليات لتشجيع إقامة شركات المخاطرة.
رابعاً، تطوير التعليم التقني ومؤسسات التدريب لتطوير قدرات العمالة والارتقاء بها لتواكب متطلبات الثورة الصناعية الرابعة.
خامساً، إزالة العقبات التي تواجه العمل العربي المشترك من خلال تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وإزالة العوائق التي تواجهها ومن خلال إقرار الاتفاقية العربية لاستثمار رؤوس الأموال العربية في المنطقة العربية وغيرها.
أنعم: لتبنّي رؤية القطاع الخاص العربي
أما أنعم فقد دعا القمة العربية إلى تبني رؤية القطاع الخاص العربي، والتوصيات التي سوف تخرج عن منتدانا اليوم، وعلى رأسها توفير المظلة الضرورية لتعزيز دور القطاع الخاص في مشروعات التنمية والتكامل الاقتصادي العربي والتحديث التكنولوجي وإعادة الإعمار والاتجاه نحو الاقتصاد الرقمي، باعتباره المصدر الحقيقي لتعزيز القدرة على النمو الفعلي والشامل والمستدام، والقادر على توفير فرص العمل الجديدة ومواكبة العصر”.
شقير: رفاه الشعوب يجب أن يكون في الصدارة
بدوره، لاحظ شقير أنه “آن الأوان ليكون الازدهار والتطور ورفاه شعوبنا في مقدمة أهداف دولنا. ولا يَظُنَنّ أحد أنه إذا ركز جهوده لتحسين أوضاع بلاده فقط من دون الاستجابة لمتطلبات التكامل الاقتصادي العربي باستطاعته تحقيق أهدافه التنموية”.
ولفت إلى أن “لبنان كان من أول الدول العربية التي انخرطت في الاتفاقيات التجارية والاقتصادية العربية، وهو نفّذ والتزم بكامل مقتضياتها. كما أن لبنان يمد يده دائماً لأشقائه وهو على استعداد للدخول في أي مشروع يهدف لزيادة التعاون الاقتصادي”.
أضاف: “اليوم بلدنا يطمح لتحقيق تقدم فعلي على المستوى الاقتصادي والتنموي، وقد نجح في الحصول من خلال مؤتمر “سيدر” على 11.8 مليار دولار لتطوير بنيته التحتية، كما أن لبنان بدأ فعلياً بعملية استكشاف النفط والغاز في البحر، فيما التحضيرات جارية لإطلاق عملية الاستكشاف في البر. من هذا المنتدى، ندعو المستثمرين العرب إلى الدخول كشركاء فعليين في تنفيذ هذه المشاريع بالشراكة مع نظرائهم اللبنانيين، خصوصاً أن لبنان أقر مؤخراً قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص”.
الجلسات: التمويل والإعمار والتنمية والمرأة والمشاريع الصغيرة
وتضمنت أعمال المنتدى 5 جلسات عمل قُدّمت فيها 26 ورقة عمل، تناولت: “دور القطاع الخاص ومؤسسات التمويل في التنمية المستدامة والتجارة البينية وإعادة الإعمار”، “الثورة الصناعية الرابعة والمرحلة الاقتصادية المقبلة”، “المرأة العربية والتمكين الاقتصادي”، “ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة: مفتاح التحوّل إلى الاقتصاد المعرفي”، و”لبنان والشراكة بعد مؤتمر سيدر”.
وفي مواكبة لفعاليات المنتدى، عُقد مؤتمر صحافي في مقر اتحاد الغرف العربية لإطلاق “المسابقة العربية للتغليف للمحترفين” (Arab StarPack Pro).
العربي الجديد