مئة عام مرت على إعلان وحدة شطري أوكرانيا في إطار حدودها الحالية المعترف بها دوليا، وهو إعلان جمع يوم 22 يناير/كانون الثاني 1919 بين جمهورية أوكرانيا الشعبية وجمهورية غرب أوكرانيا الشعبية.
قلّ من سمع أو عرف هذا الإعلان الذي تم في ساحة القديسة صوفيا وسط العاصمة كييف تحت مسمى قانون “زلوكا”، والحقيقة أن أوكرانيا توحدت واستقلت بموجبه لمدة يومين فقط.
في 24 يناير/كانون الثاني 1919 سيطرت القوات البلشفية سريعا على العاصمة الأوكرانية قبل دمج جيشي وحكومتي “الجمهوريتين الشعبيتين” وباقي هيئاتهما، ثم ألغي قانون الوحدة رسميا يوم 20 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
تاريخ رمزي
ورغم أن الحلم قُتل مبكرا آنذاك -إن صح التعبير- فإن لتاريخ هذا الاتفاق (22 يناير) رمزية خاصة لدى الأوكرانيين، وذكرى يحيونها ويمجدونها كل عام.
في ذات التاريخ من عام 1990، أي قبل الاستقلال بنحو عام، شكل ملايين الأوكرانيين “سلسلة حية” بين مدن كييف ولفيف وإيفانوفرانكيفسك، تعبيرا عن وحدة الأراضي الشرقية والغربية للدولة، متحدين سلطات الاتحاد السوفياتي التي بدأت تضعف، كما يقول للجزيرة نت مؤلف كتاب “تاريخ أوكرانيا الحديث” أوليكساندر بالي.
روسيا والمجر
وفي هذا العام، تحيي أوكرانيا مئوية الذكرى وشبه التقسيم يحيط بها، فشبه جزيرة القرم محتلة من قبل روسيا التي تغذي حراك الموالين لها في مناطق الشرق، وحديثهم يشير إلى استعادة أمجاد “روسيا الجديدة” و”مالا روس” التي تضم مناطق “جمهورية أوكرانيا الشعبية” الشرقية التي استقلت عن الإمبراطورية الروسية عام 1918.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، توترت العلاقات بين أوكرانيا والمجر، فقنصلية الأخيرة في غرب البلاد منحت جوازات سفر مجرية لمواطنين أوكرانيين، الأمر الذي اعتبرته أوكرانيا مقدمة لتغذية حراك انفصالي، ثم طردت القنصل من أراضيها.
هذه الأحداث تعيد إلى الذاكرة ما قاله المفكر صامويل هنتنغتون في كتابه “صراع الحضارات” عام 1996 حول إمكانية تقسيم أوكرانيا مجددا في المستقبل، فهي “دولة مشقوقة بين ثقافتين مختلفتين، وخط الصدع الحضاري بين الغرب والأرثوذكسية قد يخترق قلب أوكرانيا لعدة قرون”.
وجاء في الكتاب أيضا أن هناك احتمالا بأن يتم تقسيم أوكرانيا على طول خط الصدع إلى كيانين منفصلين، وأن يندمج الكيان الشرقي مع روسيا، في إشارة ربما إلى نهر “دنيبر” الذي يقسم أوكرانيا ويفصل شرقها عن غربها.
كل شيء تغير
ضد هذه النظرية وسيناريوهات التقسيم يقف معظم الساسة والمحللين، “فالعدو الباحث عن أمجاده قادم من الشرق، وما قام به على الأرض يؤكد ذلك”، كما يرون.
حول هذا الأمر قال الباحث والمؤلف أوليكساندر بالي “ما قامت به قنصلية المجر يعبر عن موقف سلطة حالية، لأن المعارضة والنخبة المثقفة رفضت ما حدث”.
وأضاف أن “المجر في النهاية دولة صغيرة ضعيفة الآن، لا تقارن بما كانت عليه الإمبراطورية النمساوية المجرية التي استقلت عنها جمهورية غرب أوكرانيا الشعبية، وأعداد المواطنين ذوي الأصول المجرية لا يتجاوز 100 ألف من أصل 42 مليون نسمة”.
وقلل بالي من شأن استشراف المفكر هنتنغتون، قائلا “يحب الأميركيون أسلوب التبسيط وأخذ الأمور بسطحية ليسهل فهم ذلك على الطلبة وغيرهم، والواقع يقول إن غالبية سكان المناطق التي وُزّعت فيها الجوازات كانوا من المسيحيين الأرثوذكس، لا من الكاثوليك كما كانوا في عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية”.
ويرى أن “كل شيء تغير، فالمجر لم تعد مملكة، بل دولة مقيدة بقوانين ومعايير أوروبية، وروسيا لا تمثل الآن المسيحية الأرثوذكسية، لأن الشيوعية قتلت هذا الانتماء، أما داخليا فقد اختلطت الثقافات والمذاهب بشكل كبير.. نعم، تبقى أحلام استعادة الأمجاد لدى الروس، لكنها تصطدم بواقع جديد لا يسمح بعودتها”.
ويبقى الأكيد لدى بعض من استطلعت الجزيرة نت آراءهم في الشارع الأوكراني أن المصالح باتت عامل التأثير الأكبر في حياة الشعوب، ومصلحة الشعب الأوكراني حاليا في وحدته، كما يرون.
المصدر : الجزيرة