شذى خليل *
تدهورت المؤسسة التعليمية بالعراق بشكل ملحوظ ، إذ لم تكن معزولة عن التأثيرات التي أفرزها الاحتلال الأميركي للعراق بعد عام 2003 ، وأكدت الدراسات المختصة لوضع المدارس في (عراق ما بعد الحرب) ان آلاف المرافق المدرسية تفتقر إلى المستلزمات الأساسية اللازمة لتوفير التعليم اللائق لأطفال العراق ، وأن ثلث المدارس الابتدائية في العراق تفتقر إلى مصادر تجهيز المياه ، وان حوالي نصفها لا توجد فيها مرافق صحية على الاطلاق.
وأكدت الدراسة ان المحافظات العراقية الأكثر تضرراً هي (ذي قار وصلاح الدين وديالى) حيث ان أكثر من (70 %) من مباني المدارس الابتدائية فيها إما أنها تفتقر تماما إلى مصادر تجهيز المياه ، أو أن شبكة المياه الموجودة فيها معطلة عن العمل.
كل تلك الظروف ساعدت ومهدت الطريق امام التدخل الإيراني السافر في الشأن العراقي ، وعلى جميع الأصعدة منها ، تدخلها في المؤسسة التعلمية ، هذا القطاع الحيوي في محاولة لتطويع برامجها على مقاس أهدافها بنشر ثقافتها وافكارها وعقائدها على الأجيال الناشئة العراقيين .
ومما ساعد التدخل الإيراني في العراق هي جهات وأحزاب موالية لإيران ساهمت وبشكل مباشر في تدمير النظام التعليمي في العراق.
التوغل الإيراني يصل لعقول الطلبة العراقيين !
تلك التدخلات التي دعمتها سيطرة الميليشيات والأحزاب التابعة لطهران ، والمسيطرة على مفاصل الحكم في العراق ، ووضع يدها على العملية التربوية ، ما شكل تداعيات خطيرة. وان “هذه الأطراف” بدورها ضغطت على الحكومة من أجل تغيير المناهج التعليمية والتربوية بصورة مستمرة ، لتحقيق أرباح من خلال التغيير من أجل السياسة والمال ، بحيث وصلت المناهج إلى مراحل متدنية جدا سواء على المستوى العلمي أو حتى الفني .
وأثارت هذه التدخلات الرامية إلى تغيير المناهج الدراسية ، حفيظة الطلبة وأولياء أمورهم ممن قاموا بإضراب عام موحد في جميع المدارس العراقية يومي 19 و20 ديسمبر/ كانون الأول 2018 ، لكن دون جدوى او أي إجراء رسمي حكومي ضد التدخل الإيراني في أفكار ابناءنا الطلبة .
بدوره رفض المكتب الإعلامي لوزارة التربية الإدلاء بأي تعقيب حول الموضوع ، إذ كشف مسؤول في التربية رفض الإفصاح عن اسمه خشية استهدافه من قبل المليشيات التابعة لطهران ، كشف عن معلومات مفصلة عن التوغل الإيراني في القطاع التربوي ، ومشروع طهران لغسل أدمغة الأطفال العراقيين.
حيث أكد ان “المناهج الدراسية الحالية جميعها وضعت من قبل السفارة الإيرانية في بغداد ، والتي تشرف على طبع المناهج في مطابع إيرانية داخل العراق”.
وبين أن “هذه العملية مستمرة منذ عام 2007 ، بحسب اتفاق بين وزارتي التربية العراقية والإيرانية في عهد وزير التربية خضير الخزاعي”.
وتضمن الاتفاق في حينه ، إلى جانب إشراف إيران على وضع المناهج وطباعتها ، فتح مدارس في غالبية المدن العراقية وفق القواعد الإيرانية ، مؤكدا ان المناهج التي حددها النظام في طهران تعمل على تزييف الحقائق بما يناسب سياسته ومشروعه التوسعي بالمنطقة.
وكشف المسؤول نفسه ، عن وجود نحو (20) مدرسة إيرانية في مختلف أنحاء العراق ، يتولى التدريس فيها أساتذة من البلد الأول من عناصر “فيلق القدس”، الجناح الخارجي لميليشيات الحرس الثوري ، ولتلك المدارس مناهج خاصة مختلفة عن المناهج التي تدرس في المدارس العراقية ، وهي مرتبطة بشكل مباشر بالسفارة الإيرانية ببغداد.
ماذا تريد إيران من الأجيال العراقية الناشئة ؟!
لم تتوقف الاطماع الإيرانية في العراق منذ الأزل وإلى يومنا هذا ، فلم تكتفي بالتدخل السياسي والسيطرة الاقتصادية وتدخل نفوذها بكل قطاعات البلد ، بل ترغب بالمزيد ، إذ تسعى إيران من خلال فتح المدارس داخل العراق ، إلى إنشاء تعليم موازٍ ، تماما مثلما فعلت في عملية إنشاء ميليشيات الحشد الشعبي التي تعتبر القوات الموازية للجيش النظامي العراقي.
وبدأت المدارس الإيرانية عملها في العراق منذ عام 2007 ، إذ شهد هذا العام افتتاح مدرسة إيرانية حملت اسم “خميني” ، في ناحية برطلة ذات الغالبية المسيحية في الموصل ، بعد تحريرها من “داعش” ، ما أثار غضب الشارع العراقي ، وستكون هناك مدارس أخرى في محافظات سنية ، مثل الأنبار وديالى وصلاح الدين ، وان بناء تلك المدارس يكون بإشراف مباشر من قبل لجنة مختصة في الحرس الثوري الإيراني.
يقول مراقبون ان المخطط الإيراني يرمي إلى بناء المئات من المدارس والمراكز الثقافية في جميع محافظات العراق ، وذلك لترسيخ مفاهيم الأيديولوجية الثورية الإيرانية في أذهان أجيال من الأطفال والشباب.
عوامل جذب تمارسها المدارس الإيرانية لاستقطاب الطلبة ، إذ تعمل “المدارس الإيرانية على إعطاء الطلبة ملابس ووجبات طعام ، فضلًا عن المستلزمات الدراسية التي توزع بشكل مجاني ، إضافة إلى تخصيص مبلغ من المال لكل طالب ، وهو ما ساعدها على جذب الكثير من الطلاب في المحافظات الجنوبية”.
أسست إيران مؤسسات متكاملة لنشر أفكارها في العراق ، فأنشأت المدارس ، ودور الأيتام ، ومنظمات المجتمع المدني ، وذلك من أجل تعلم اللغة والثقافة الفارسية في البصرة وعدد من المدن العراقية ، والتي تستهدف الطبقة الفقيرة في العراق لكسب الولاء .
وأضاف مصدر رفض الكشف عن هويته: “ان المناهج المعتمدة في تلك المدارس تختلف تمامًا عن المناهج المقررة من قبل وزارة التربية العراقية ، فحتى المناهج التي تدرس في المدارس التابعة لوزارة التربية غُيرت ، وحُذفت بعض الأحداث التاريخية ، وأضيفت أحاديث نبوية ضعيفة إلى مادة التربية الإسلامية.
بدوره، أوضح الخبير السياسي والاستراتيجي العراقي ، محمد الحياني ، ان الاحتلال الإيراني لبلاده ليس عسكريا او اقتصاديا فقط ، بل ثقافيا أيضا ، معتبرا أن ذلك أخطر ما يواجهه العراق حاليا.
وقال الحياني ، إن إيران تنفذ مشروع تجهيل وتعطيل الفكر الراجح في العراق ، عبر المناهج الدراسية التي تعتبر جزءا من المشروع التوسعي الإيراني الكبير في المنطقة .
وحذر الحياني من أن المناهج الحالية تزرع التفرقة الطائفية والدينية والعرقية بين مكونات المجتمع ، وتزيّف الحقائق التاريخية والعلمية لصالح النظام الإيراني.
إذ تسعى إيران ضمن مشروعها الخبيث هذا إلى غسل أدمغة العراقيين ، حين تحرص طهران وميليشياتها على أن تكون المراكز التابعة لها في العراق على شكل مدارس شرعية ومراكز تدريب تستهدف تجنيد العراقيين من سن السابعة وحتى أعمار متقدمة من طلبة الجامعات والمعاهد.
أبرز المشاكل التي يعاني منها طلبة:
ارتفاع نسب الجهل والأمية في العراق ، كنتيجة طبيعية لمعدلات الفقر الكبيرة في البلاد ، حيث ارتفعت نسبة الأمية في العراق إلى أكثر من 30% من إجمالي من يشملهم التعليم بعد الاحتلال الاميركي نتيجة الفقر والإهمال الحكومي للواقع التعليمي الذي أدى إلى الانخفاض الكبير في عدد المدارس ، وحاجة 80% منها إلى الإصلاح وأكثر من 70% منها إلى مياه نظيفة ومراحيض صحية ، هذا فضلا عن وجود 320 ألف طالب مشرد لم يكملوا دراستهم بسبب العمليات العسكرية وما تشهده البلاد من معارك في مناطق متفرقة منها.
نسبة الأمية العالية في العراق تخلق بحسب خبراء فئات مهشمة في المجتمع ، والتي تكون بدورها ، الأساس الاجتماعي والبيئي لارتكاب الجنح والجرائم والاتجار بالمخدرات والأعضاء البشرية ، والبحث عن أشكال غير مشروعة للكسب مثل السرقة والاختلاس والتزييف والتزوير والسطو والتسول.
العوائل العراقية منهمكة في خضم هذه الإشكالية في تأمين حياة أبنائها عند ذهابهم وإيابهم من وإلى كلياتهم وجامعاتهم ، إذ قد تتعرض الفتيات إلى عمليات خطف وسلب واعتداء ، أو قد يتعرض الطلبة من الذكور والإناث إلى حوادث غير منظورة ، أو تعرض الجامعات أو الكليات إلى إطلاقات نيران متفرقة بالرغم من حرص وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على تأمين مقراتها وتنفيذ عدة إجراءات أمنية عند دخول وخروج المراجعين إلى الجامعات لفرض نوع من الاستقرار الأمني على أدنى حد داخل الحرم الجامعي.
تدهور الوضع الاقتصادي: قد لا يوجد مورد مالي لأغلب الطلبة لتأمين مصروفاتهم وخاصة في التعليم الجامعي بسبب ضعف مستواهم المعيشي ، مما يدفعهم للعمل خارج أوقات الدوام لتأمين مورد مالي لمعيشة عوائلهم ، وتوفير لقمة العيش في حالة فقدان الأب أو الأم أو كليهما لأسباب متعددة ، الأمر الذي يخلق بيئة صعبة للطالب للتأقلم مع هذا الوضع الاقتصادي المتأزم.
عدم كفاية المستلزمات الدراسية: إذ يعاني الطلبة من عدم وجود مناهج دراسية مطبوعة في هيئة كتب حديثة ، حيث تعمل أغلب الكليات على نظام استنساخ المحاضرات للأساتذة ، مما يضطر الطلبة إلى مضاعفة مصروفاتهم التي من المفترض أن تكون خفيفة عليهم في هذه المرحلة الانتقالية.
فقدان الشعور بالاستقرار النفسي: واجه الطلبة العراقيون بعد 2003 الكثير من الأزمات ، منها انقطاع التيار الكهربائي ، وتكرار أزمات النقل عند انتقالهم من وإلى جامعاتهم ، كل هذه الظروف تؤثر في نفسيتهم ومستوى اندفاعهم في حياتهم الجامعية.
الحلول والمعالجات لتحسين قطاع التعليم في العراق:
إن المراقب المنصف لقطاع التعليم في العراق ، وبعد استعراض المعضلات والإشكاليات التي أصابت هذا القطاع منذ بدء الاحتلال الأميركي للعراق وإلى الآن ، يضع جملة من الرؤى والتصورات التي قد تجعل مواجهة هذا القطاع لمشكلاته بأقل الخسائر والتكاليف المادية والبشرية ، وهنا نستنتج الوصول الى بعض الحلول التي من شأنها إصلاح واقع التعليم في البلد:
وقف التدخل الإيراني في مفاصل الدولة ، ورفض المدارس الإيرانية رفضا تاما في الموصل وغيرها من بقية محافظات العراق ، كونها شأن عراقي وتخص أبناء الوطن ، وتدخل الإيرانيين يثير النعرات الطائفية .
وقف بناء المدارس الإيرانية التي من المقرر بناءها في وسط وجنوب العراق والتي يتولى التدريس فيها إيرانيون يقومون بتدريس مناهج خاصة.
الانتباه الحكومي العراقي الى المخطط الإيراني الخطير الذي يرمي إلى بناء المئات من المدارس والمراكز الثقافية في جميع المحافظات ، ومؤسسات إيرانية متكاملة لنشر أفكارهم التي تستهدف الطبقة الفقيرة في العراق.
يجب على الجهات الحكومية المختصة:
ان تسرع بوضع الحلول للحفاظ على أجيال العراق القادمة.
ضرورة الإسراع بترميم المنشآت التربوية والجامعية ، وتحسين الخدمات داخلها من توفير ماء صالح للشرب والتيار الكهربائي (وفي حالة انقطاع التيار الكهربائي ضرورة وجود مولدات ميكانيكية لتوليد الطاقة الكهربائية).
تعزيز الحماية الأمنية للمنشآت المدرسية والجامعية.
تفعيل قانون الخدمة الجامعية بعد إقراره منذ فبراير 2005 لتحسين رواتب الأساتذة والمدرسين في الجامعات كما حصل للمعلمين والمعلمات التي ازدادت رواتبهم بصورة جيدة بعد عام 2003.
استثمار العطلة الصيفية لإرسال المدرسين والمدرسات في القطاع التربوي الأولي والأساتذة والمدرسين في الجامعات العراقية خارج العراق لإدخالهم في دورات تنشيطية للاطلاع على تجارب الدول الأخرى في مجال التعليم ونقلها إلى بلدهم لتحسين نوعية العملية التربوية والتعليمية.
إعطاء الأهمية الكاملة للكادر التدريسي ، وتحسين ظروف الأساتذة الاجتماعية ، من توفير سكن وسيارة شخصية وكسوة صيفية وشتوية لإعطائهم أهمية داخل المجتمع ودفعهم للعطاء المستمر.
تعزيز ودعم وسائل الإيضاح والمختبرات داخل المؤسسات التربوية والجامعية.
الاهتمام بالطلبة وتوفير كسوة صيفية وشتوية والاهتمام بمستواهم العلمي والدراسي.
توفير الكتب المنهجية والدراسية العراقية لقطاع التعليم بفرعيه الأولي والعالي ، وتخفيف الكاهل المادي عن الطلبة عبر عدم تكليفهم بنسخ المحاضرات والكتب المنهجية غير الموجودة في المدارس والجامعات.
تفعيل الاتصال بالجامعات الأجنبية وإدامة التواصل معها من خلال تبادل الوفود الثقافية والتدريسية لتبادل الخبرات.
تطوير خدمات الانترنت والحاسوب في المدارس والجامعات ، وإشراك المعلمين والمعلمات والأساتذة والطلبة في دورات تأهيلية لتطوير تعاملهم مع هذه التقنية الحديثة.
والأهم يجب ان تلتفت الحكومة الى الفقر الذي أحدث خلخلة في المجتمع العراقي ، بسبب هجرة العقول والعمالة إلى خارج البلاد ، إذ هاجر عدد كبير من الكفاءات العلمية في جميع المجالات إلى بلدان أجنبية ، بعد أن عانوا من الفقر والاستهداف وإهمال الحكومة لأوضاعهم.
إذا ، فالفقر في العراق يمثل عائقا رئيسا أمام التنمية والتحضر ، كما يشكل تهديداً للاستقرار الاجتماعي والعلمي والتعليمي في البلاد ، ومصدرا رئيسا للقلق وعدم اطمئنان المواطن الفقير على حاضره ومستقبله ، ويفسح المجال امام التدخل الإيراني ، كل ذلك والإجراءات والإصلاحات الحكومية ، مجرد شعارات فاشلة ، والفساد الذي أوصل البلاد إلى حافة الهاوية ، وينتظره مستقبل أكثر قتامة.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية