شغلت ظاهرة السترات الصفراء في فرنسا العالم، وتشكلت ظواهر تشبهها في دول كثيرة. جاءت دلالتها من ارتداء أصحاب سيارات الأجرة السترة الصفراء في فرنسا، كإشارة لتعطل عربتهم وطلب المساعدة. ويبدو أن استخدامها الجديد هو للإشارة إلى التضرّر الكبير لأصحاب السترات من ضريبة رفع سعر الوقود، وتعبيراً عن البطالة وحياتهم البائسة. أجمع المحللون بأغلبيتهم أن التوسع في أعداد المشاركين في مظاهرات السترات الصفراء جاء كأنه ردّ على سياسات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الاقتصادية والسياسية، فهو يتبنّى سياسات الليبرالية الجديدة كاملةً، ويتهكم على الشعب، باعتباره عاجزا وكسولا وغير محبٍّ للعمل، وأن مشكلةَ فقرهِ متعلقة “ببلاهته”، وليس بتلك السياسات.
ما فرضه ماكرون من سياساتٍ جديدة هي استمرارٌ للسياسات السابقة، حينما كان وزيراً للاقتصاد في حكومة الرئيس فرانسوا هولاند. حينها خرجت تظاهرات ضخمة ضد السياسات الليبرالية أيضاً، حيث هدفت الأخيرة إلى إكمال سياسات تفكيك قوانين دولة الرفاه والرعاية، والانتقال إلى دولة الأثرياء، حيث بُدء بالأمر منذ ثمانينيات القرن الماضي؛ ألصق أصحاب
“ما فرضه ماكرون من سياساتٍ هي استمرارٌ لسياساته حينما كان وزيراً للاقتصاد في حكومة هولاند” السترات الصفراء نعتاً بماكرون، فسمّوه رئيس الأغنياء. طبعاً. توسعت مطالب الاحتجاجات، من رفض ضريبة الوقود إلى رفض تعديل قوانين التقاعد إلى إعادة فرض الضريبة على الأغنياء والشركات الكبرى، وكذلك إلى حلِّ الجمعية الوطنية، ورحيل ماكرون نفسه الذي يتوهم نفسه أنّه ديغول.
وقد أوضح عنف قطاعٍ محدود من السترات الصفراء دلالة عميقة، أن النظام الديموقراطي لم يحقق المساواة في المجتمع، وأن هناك أكثر من 40% من الفرنسيين والأوروبيين لا يشاركون بأيّة انتخاباتٍ ديموقراطية، واللافت أيضاً أن أكثر من 70% من الفرنسيين أيّدوا التظاهرات. وبغض النظر عن تراجع كل هذه الأرقام لاحقاً، وهنا السؤال: لماذا كل هذا التأييد الشعبي، ثم ألا يصح القول حينها إنّ ماكرون رئيس الأغنياء فعلاً وفقط؛ إذاً فلينتظر الثورة، وقد بدأت!
يبدو أن مشكلة فرنسا هي نفسها مشكلة أوروبا والعالم، وهي مرتبطة بتعميم سياسات ليبرالية جديدة، تنطلق من تفكيك الصناعات القديمة والمستوعبة لكتل بشرية كبيرة، ونقلها إلى بلدان متخلفة، أو الاستغناء عنها لمصلحة صناعاتٍ أكثر تقانةً، وأقل حاجة للعمال و”الاقتصاد غير الملموس”، وتفكيك كل مكتسبات الطبقات الفقيرة في إطار الدولة أو عالم العمل.
وعلى الرغم من متابعته كل الأزمات الاقتصادية التي مرّت بتاريخ فرنسا، ومنذ بداية تشكل الجمهورية الخامسة مع ديغول، والأزمة الاقتصادية التي استفحلت في زمن هولاند، فإنّ ماكرون هو بالتحديد من ساهم في إرساء قانون يخص الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية. هنا السؤال: لماذا تتبع الحكومات الأوروبية وحكومة العالم الرأسمالي السياسات الليبرالية، وهي تعرف أنّها ستؤدي إلى احتجاجاتٍ اجتماعية واسعة، أليس ذلك مبرّراً للقول إن الاحتجاجات ليست اقتصادية، بل وسياسية كذلك، أي رافضة كل سياسات الدولة الرأسمالية “الليبرالية الجديدة” من ناحية الديموقراطية وناحية الاقتصاد.
أزمة اقتصادية عنيفة
أزمة فرنسا قديمة، وربما كانت أزمة اليونان أشدَّ منذ سنوات، وقد فرضت تغييراً كبيراً نحو اليسار، وإنْ لم يستطع الأخير تغيير السياسات الليبرالية بشكل كاملٍ، وعدّل وأصلح بعض تلك السياسات، لتخفيف الأزمة وإيقاف التظاهرات. الأزمة الاقتصادية في الدول العظمى، وبدءاً بالعام 2008، وارتفاع أعداد العاطلين عن العمل، أصبحت مشكلة عالمية، ولم تحلّ. إذاً، لم يكن خيار ريغان في الولايات المتحدة وتاتشر في بريطانيا في الثمانينيات باتجاه دولة الخصخصة والأغنياء جواباً عن مشكلات دولة الرفاه حينها، بل كان جواباً لمصلحة الشركات الكبرى، وإدارة الظهر للطبقات المفقرة في العالم، والإمعان في إفقارها.
حينما لا تهتم الدول للأزمات التي تعيشها الطبقات المفقرة، وتتجه نحو سياسات وإقرار قوانين لمصلحة الشركات الكبرى، كما اتهم أصحاب السترات الصفراء أخيرا نظام ماكرون، فإن الأخير وسواه من رؤساء العالم يمثلون استراتيجية كاملة، وفي قضايا الحياة كلها. وبالتالي هناك استراتيجية للسياسات الليبرالية الجديدة، وتهدف إلى تفكيكٍ كاملٍ لدولة الرفاه، والتراجع عن كثير من أشكال الحريات، ومنذ الثمانينيات زمن تاتشر وريغان. قوة الاحتجاجات الشعبية والسياسية وحدها القادرة على إيقاف ذلك التوجه العولمي الليبرالي الجديد، كما جرى في اليونان، وهذا أيضاً لم يسمح بالتوقف، فما حصل في اليونان، وفي أكثر من دولة، والربيع العربي أيضاً؛ أقول، كلها لم تُوقف تيار السياسات الليبرالية، وبالتالي ليس من وصفةٍ جاهزةٍ للمعركة هذه؛ على الرغم من ذلك، تظلُّ الاحتجاجات عاملاً أساسيّاً في العودة إلى دولة الرفاه، وبالتالي يصبح تنظيم تلك الاحتجاجات وتطويرها، أقول ربما سيلعب دوراً في إيقاف الهجوم الليبرالي، ولكن لا تزال الشعوب في موقع الخاسر في المعركة.
أزمة التمثيل الديموقراطي
ربما يعتقد بعضهم أن وجود الديموقراطية كافٍ بذاته لحلِّ المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وهناك من يرى أن الديموقراطية تُصلِح ذاتها بذاتها كما قِيل وعُمِّم: إن اقتصاد السوق يُصلح نفسه بنفسه، وإن لا خيارات أخرى خارج الديموقراطية والسوق؛ أقول إن هذا عبثٌ كاملٌ، فليست الديموقراطية نظاماً من أجل عدالة اجتماعية والحفاظ على الحريات. وليس السوق ليتبادل الأفراد بضائعهم وفق مبدأ المساواة؛ الديموقراطية هي الشكل الأفضل لضمان مصالح وحقوق الأغنياء أولاً، وثانياً لمصلحة الفقراء. وأما السوق والتنافس فهو لم يعد المسيطر، فهناك السوق
“40% من الفرنسيين والأوروبيين لا يشاركون في الانتخابات، و70% من الفرنسيين أيّدوا التظاهرات” والاحتكار والاقتصاد المالي والاقتصاد غير الملموس. وفي كل الحالات، تتهمش حقوق المفقرين، ومنها الديموقراطية ذاتها في الدولة الليبرالية الجديدة، وهم يتحوّلون إلى أفراد، وليسوا مواطنين، كما قال متظاهرو السترات الصفراء، أي تتخلى الدولة عن حقوقهم الدستورية، ويفتك بهم أصحاب الشركات بوصفهم أفرادا عُزلا. إذاً هم هامشيون في نظام السوق والنظام الديموقراطي، ولهذا بدأوا يتظاهرون وبقوةٍ.
هل أقصد بذلك التخلي عن الديموقراطية أو اتفق مع من يقول إن الديموقراطية أفلست كليّة، أو أن هناك ميلا لدى الطبقات المفقرة للتخلي عنها؟ أبداً، وهذا مما لا يقوله إلا أصحاب العقائد الدينية أو الوضعية، وربما اليمين الصاعد حالياً. تقول مطالب أصحاب السترات الصفراء بضرورة تحقيق ديموقراطية أفضل لتمثيل مصالحهم “إرساء استفتاء المبادرة الوطنية وعدم الاكتفاء بما يقرّره الرئيس والبرلمان”، وأضيف: وجود أكثر من 40% من العازفين عن المشاركة السياسية، وتأييد أكثر من 70% من الفرنسيين لتظاهرات السترات الصفراء، يؤشر إلى ضرورة تعميق الديموقراطية والعودة إلى دولة الرفاه. أيضاً تبيّن أن هناك سوق وسوق، فما الفرق بين سوق دولة الرفاه وسوق دولة الليبرالية الجديدة، ألا يستدعي ذلك نقاشاً هادئاً. طبعاً يقوم نظام السوق الرأسمالي بالأصل على الملكية الخاصة، ويُنتج فقراء وأغنياء، وبالتالي يجب تغيير شكل الملكية المسيطرة، وذلك بغية إلغاء كل أشكال المظالم، وهذا يفتح نقاشا لم يحن أوانه بعد. وبالتالي أية أشكال للملكية قادرة على طيِّ قضية المظالم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
سياسات ماكرون وإيقاف تطبيقها
حاول الرئيس ماكرون خداع أصحاب السترات الصفراء، وربما هذا يُوقف تظاهراتهم، فقد رفع الحد الأدنى للأجور 100 يورو، وألغى الضرائب على أساس ساعات العمل الإضافية، وقدم منحاً لدعم القوة الشرائية للأسر المعوزة، وفرض رسوماً على كبريات الشركات الرقمية مع مطلع عام 2019، وجَمّدَ أسعار الكهرباء والغاز، وأطلق مبادرة الحوار الوطني الكبير، والأخيرة لا تخص الحوار مع السترات الصفراء، بل مع رؤساء البلديات، والذين حذروا من توسع الاحتجاجات، ما لم تتغير السياسات العامة للدولة الفرنسية.
يحاول ماكرون بذلك تفكيك حركة الاحتجاج الواسعة، والتي كانت تتوسّع باتجاه اشتراك التلاميذ والفلاحين والمتقاعدين وآخرين؛ ربما ساعده أمران في تراجع التظاهر: وعدا عن تحقيقه بعض مطالب المتظاهرين، فهناك العنف المنفلت، والذي خرّب ممتلكاتٍ عامة وخاصة، وكذلك العملية الإرهابية في ستراسبورغ، والخوف من خطر الفرنسيين الدواعش العائدين من
“هدف استراتيجية الليبرالية الجديدة تفكيكٍ كاملٍ لدولة الرفاه، والتراجع عن كثير من أشكال الحريات” سورية. والسؤال: هل تسمح هذه التراجعات بإخماد نيران الاحتجاجات في فرنسا؟
كانت سياسات ماكرون: جذب الاستثمارات، وإعادة الحيوية للاقتصاد الفرنسي، ورفع تنافسية المجتمع الفرنسي، وتخفيض الضرائب على الشركات، وتحصيل أكثر من 60 مليار عبر تخفيض الإنفاق الحكومي، وفرض الضرائب الجديدة، والانخراط في العولمة وتطوير الاتحاد الأوروبي، وربما تشكيل جيش أوروبي جديد، لكن حركة السترات التي هزت فرنسا جاءت بعد عام ونصف العام من حكم ماكرون. وبالتالي، لم يتحقق شيء من مشروعه الحقيقي، وبذلك هل يمكن أن يتراجع عنه لمصلحة استراتيجية جديدة، ليست لمصلحة الأغنياء وتُوازن بين كل مصالح طبقات المجتمع وبين فرنسا وأوروبا؟ هذا ليس خيار ماكرون، حينما كان وزيراً بزمن الاشتراكي هولاند، ولن يكون الآن. لن تتغير فرنسا التي يريد لها ماكرون أن تكون قائداً للاتحاد الأوروبي بما يناسب شروط البقاء فيه، وستوضح انتخابات الاتحاد الأوروبي في 2019، هشاشة البرلمانيين الفرنسيين الذي ينتمون لحزب الجمهورية إلى الأمام، أي الحزب الذي شكله ماكرون بديلا عن اليسار واليمين، ومستخفاً بالنقابات والأحزاب التقليدية؛ عدا ذلك، لم يستطع ماكرون أن يكون نداً لترامب في أميركا أو لبوتين في روسيا، وقد لا تسمح له الأزمة الاجتماعية الداخلية بقيادة أوروبا. ونضيف هنا أن انبعاث الهويات القومية والمحلية في أوروبا ذاتها ربما يزعزع الثقة بالاتحاد الأوروبي ذاته؛ يتحطم طموح الجنرال ماكرون داخلياً وخارجياً كما يبدو.
ضرورة سياسات جديدة
لن ينجح ماكرون أبداً، ما دام يعتمد، في برنامجه على سياساتٍ ليبرالية جديدة، إذ كانت حركة السترات الصفراء تعبيرا عن تحرّك الشعب غير المسيس، أي جماعة الـ40% المقاطعين كل ما يخص الحياة السياسية في فرنسا، نظاماً ومعارضة. وبالتالي، كيف سيكون حال الرئيس ماكرون، حينما سيتحرّك الشعب المُنظم، أي النقابات والأحزاب، أو حينما تتنظم السترات الصفراء ذاتها، وتطرح برامج محدّدة وقوية، كما ظهر أخيرا. استخف ماكرون بالقوى السياسية وبالنقابات كثيراً، وهمّشها لمصلحة قرارات أشبه بالرئاسية، وهذا سبّب له استقالة وزراء أساسيين في حكومته، مثل وزيري البيئة والداخلية.
أشار محللون كثيرون إلى محاولات كل من اليمين المتطرف واليسار المتطرف الاستفراد بحركة السترات الصفراء، ولكن تلك القوى لم تستطع جذب أغلبية مواطني السترات، وأظهرت اهتماماً بالأشكال التنظيمية بالمعنى السياسي، وبعض كتلها يتجه نحو تشكيل حزب سياسي،
ويبدي رغبة بالمشاركة في الانتخابات الأوروبية في مايو/ أيار المقبل، وبالتالي ربما سيشكل التحوّل الجديد سبباً جديداً لتجذّرها، وليس لإخفاقها “وتدجينها” كما تذهب بعض التحليلات، إذ ليس في جعبة ماكرون إلّا برنامجه القديم المفلس، والعنف أيضاً؛ قصدت هنا أن هناك مشكلة كبيرة في السياسة الفرنسية، وتتعلق بضعف الرئيس الحالي، فهو انتخِب لكي لا يصل اليمين المتطرّف إلى الحكم، والأحزاب التقليدية الجمهورية واليسارية واليمين مشتتة وضعيفة، وحزب ماكرون يسقط أمام امتحان السترات الصفراء، وبالتالي فما الحل؟ أيضاً، عدم تطبيق ماكرون برنامجه وإعطاء الشعب بعض الحقوق لن تكون نهاية المطاف. وبالتالي، سيعود الرئيس إلى تطبيق برنامج الليبرالية الجديدة، فكيف سيتحقق له ذلك، وقد سمع الأصوات المنادية برحيله.
الحركات الشعبوية
الخطر الذي يُهدد أوروبا، وأصبح إشكالية حقيقية، ليس الاحتجاجات الفلاحية والبلدات المحيطة والعمالية والمهمّشين، بل اليمين المتطرّف والحركات الشعبوية، والتي تهمّش سياساتها كل ما يخص دولة الرفاه “ترامب، بوتين، رئيس البرازيل، وغيرهم” وتستند إلى جزء من برنامج الليبرالية الجديدة. هي حركاتٌ تعتمد على كاريزمات، وفاشيين وعنصريين. ولهذا هناك ربط بينها وبين رفض كل أشكال الهجرة، فاليمين الشعبوي عنصري وطائفي وذكوري، إنّه يريد
تصديع كل تراث الحداثة في أوروبا، أي تحطيم كل التطور التاريخي. ولكن أليس من العدل أن نتساءل: ولماذا ظهر اليمين الشعبوي، وهو يتطوّر ويتوسع، ويصل أحيانا إلى الحكم؟ ألا يكمن السبب بالضبط في فشل السياسات الليبرالية، وأنّها ليست البديل لدولة الرفاه أو الدولة الاشتراكية بكل رداءتهما!
رفض بعض المحلّلين إيجاد أيّة تشابهات بين الربيع العربي وحركة السترات الصفراء، فلكل منهما سياقه وتاريخه ومشكلاته. ويتجاهل هذا الرفض الواقع العالمي الموحد، والسياسات العالمية التي تُفرض في كل أنحاء العالم، وهذا يختلف عن القول إن لكل بلد تميّزه في النظام الكوني الحالي. وهذا يخص الدول التي تنتهج الرأسمالية نظام إنتاج. وبهذا نقول إن كل دول الثورات العربية شهدت تخليّاً عن القطاع العام، وانتهجت السياسات الليبرالية الجديدة، وخُلقت فيها طبقة مافياوية كبرى، تسعى إلى الالتحاق بالدول الرأسمالية الكبرى، وإن شدّة النهب لهذه المافيات، واعتمادها القمع وسيلةً أساسية للعلاقة مع حقوق الشعب، قد فجر تمرداتٍ وثوراتٍ اجتماعية كبرى، وهو ما بدأ عام 2011. وبالتالي، ليس هناك اختلاف جذري في سبب الثورات العالمية، والتي تمثلت في الربيع العربي وتظاهرات اليونان، والآن فرنسا، وكل
“ظاهرة السترات الصفراء لم تكن أوّل الاحتجاجات العالمية، فهناك احتجاجات سابقة لها في فرنسا في 2014 و2016” التظاهرات التي تتفجر تباعاً في هذه الدولة أو تلك.
وجدت حركة السترات الصفراء من يمثلها غرباً وشرقاً، وربما لم تتوسع في تلك الدول، وهذا متعلقٌ بسبب غياب شرارةٍ قوية للتفجر، ولكن انتقالها ذاك، يوضح أن العالم لم يعد قادراً على تحمّل سياسات الليبرالية الجديدة، ولا بد من سياسات جديدة لإنصاف الشعوب.
هدفت حركة الأوشحة الحمراء التي انطلقت أخيرا إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة الفرنسية ورفض العنف، لكنها لا تستطيع تجاهل المطالب المحقة لحركة الستر الصفراء، والتي، على الرغم من تراجع عدد المشاركين في احتجاجاتها، وبسبب التنازلات التي قدّمها ماكرون، فإنها تتجدّد وتتوسع كلما ظهر أنّها ضعفت ودخلت في طور التلاشي، وللأسباب أعلاه.
.. مستقبل ماكرون ليس جيدا كما يبدو، فظاهرة السترات الصفراء لم تكن أوّل الاحتجاجات العالمية، وهناك احتجاجات سابقة لها في فرنسا في 2014 و2016، رافضة للسياسات الليبرالية الجديدة التي بدأت في الثمانينيات، وهناك الربيع العربي واليونان وتجدّد الاحتجاجات في دول كثيرة.
ربما ستقوى تظاهرات فرنسا ما لم يجد ماكرون حلولاً جذريّة، وليست التي قدمها بأي حال، وإن اعتماده على التنازلات الأوّلية للاحتجاجات والقمع والطقس البارد وفوبيا “داعش”، كما لن يفيده الجهاديون بشيءٍ يذكر. إن إشراك الشعب بأحزابه ونقاباته ومُهمشيه في النظام السياسي، وتوسيع الأخير واعتماد استفتاء المبادرة الوطنية، والاستجابة لمطالبهم هو بداية طريق الحل.