رغم خدمته في دوائر الدولة العراقية لأكثر من 25 عاما، فإن علي سعدون -الذي تجاوز الخمسين عاما- لا يمتلك حتى الآن منزلا باسمه، يلم شتات عائلته التي يبلغ تعدادها ثمانية أفراد، فتقاذفتهم ظروف الحياة من منطقة إلى أخرى، ومن منزل مستأجر إلى آخر، حتى استقر بهم المطاف في منطقة شعبية ببغداد، ليسكنوا منزلا مساحته خمسين مترا مربعا.
ورغم ضيق المنزل فإن قاطنيه زادوا بزواج نجل سعدون ثم إنجابه بعد ذلك طفلا.
يقول سعدون إنه لا يمتلك بهذا العراق “الفسيح” مترا واحدا، فقد ظل طوال فترة خدمته الحكومية يعتاش على راتب ضئيل لم يمكنه من شراء منزل أو قطعة أرض، وها هو اليوم يتنقل بأسرته بين عام وآخر حاملا أمتعته وأغراضه البالية باحثا عن منزل قديم يستطيع تحمل نفقات إيجاره.
وتمثل مشكلة سعدون معاناة يوجهها ملايين العراقيين الذين يفتقدون إلى منازل يمتلكونها، مما يضطر الكثيرين منهم إلى استئجار بيوت بأسعار مرتفعة في المدينة، أو اللجوء إلى السكن العشوائي في مناطق شعبية على تخوم المدن أو في أحيائها القديمة المتهالكة.
ولم تفلح الوعود الحكومية في وضع حد لمعاناة هؤلاء رغم تفاقمها، وهو ما يعتبره سعدون “أكاذيب” موسمية تترافق مع حملات الانتخابات البرلمانية أو المحلية دون أن تثمر حلولا.
“ربما سأنتظر أحد أولادي كي يحصل على وظيفة جيدة وينتشلنا من هذا القاع” يضيف بحسرة، وهو ينظر إلى أولاده الذين اضطر اثنان منهم لترك الدراسة والبحث عن عمل لمساعدته في تحمل تكاليف المعيشة في بغداد التي تزداد الحياة فيها غلاء وصعوبة عاما بعد عام.
غياب التخطيط
حاولت الجزيرة نت الاتصال مرار بوزارة الإعمار والإسكان للتوضيح حول حجم أزمة السكن، إلا أن المحاولات قوبلت بالرفض.
غير أن عضو لجنة الخدمات والإعمار النيابية حسن سالم، أوضح أن عدد السكان يتزايد بسرعة كبيرة، وأن الأزمة تتفاقم للافتقار للتخطيط السليم، مما يحرم المواطنين من سكن لائق، خاصة بعدما تحولت كثير من المدن إلى “عشوائيات”.
ويلفت -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن من المفروض أن تقوم الحكومة بتوزيع الأراضي على الفقراء والمعوزين الذين لجأ كثير منهم للاستيلاء على أراضي الدولة والمساحات الزراعية والفارغة، مما حولها إلى سكن عشوائي أو “تجاوز” كما تعرف محليا.
وعن الحل، يوضح سالم أنها تتمثل بتفعيل القانون الذي شرعه البرلمان بأن تباع الأرضي التي تسكن عشوائيا أو تؤجر لقاطنيها، شرط أن تتحول إلى أحياء نظامية، بالإضافة إلى جرد الأراضي التابعة للدولة وتوزيعها على المواطنين المحتاجين إلى سكن.
وأضاف أن على الدولة منح قروض للمعوزين بغرض البناء، وأن تتجه للبناء العمودي الذي يمكن أن يوفر السكن لأعداد كبيرة من العراقيين.
ويشير سالم إلى أن المشاريع الإسكانية المحلية خضعت للاستثمار، وأغلب العوائل الفقيرة لا تملك القدرة على شراء الشقق، فيفترض أن تقوم الدولة ببناء وحدات سكنية وبيعها بالتقسيط، خاصة وأن أغلب العوائل انشطرت إلى ثلاثة أو أربعة أجزاء، بحسب تعبيره.
معوقات الاستثمار
ورغم أن العديد من المدن تشهد بناء مجمعات سكنية كبيرة، فإن ذلك لم يساعد في علاج الأزمة، خاصة لذوي الدخل المحدود الذين يعجزون عن دفع الأقساط.
وبحسب همام الشماع الخبير الاقتصادي والبروفيسور بجامعة بغداد فإن أزمة السكن تختلف من منطقة لأخرى، حيث تزداد وطأتها بالعاصمة التي ترتفع فيها أسعار العقارات والإيجارات بشكل كبير، في حين تخف بالمناطق الأخرى.
ويضيف للجزيرة نت أن هذه المشكلة قديمة حيث كان العراق يحتاج قبل عام 2003 إلى نحو ثلاثة ملايين وحدة سكنية لتلبية احتياجات السكان، أما اليوم فيرجح أن يحتاج لنحو سبعة ملايين وحدة سكنية جديدة لسد الحاجة، إذا اعتبر أن معدل أفراد الأسرة الواحدة أربعة أشخاص.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أنه لا توجد خطط حكومية لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة، رغم وجود قانون استثمار كان يمكن الاستفادة منه للحل لكنه غير مفعل، إضافة لوجود الكثير من المعوقات وعلى رأسها عدم وجود ضمانات لاستقرار أمني يمكن أن يطمئن المستثمرين إلى أنهم سيحصلون على حقوقهم وتسديد قيمة مشاريعهم.
كما أن المشاريع السكنية لم تحل الأزمة أيضا، فهناك جدل وإشكالات كبيرة حول مشروع “بسماية” الذي يعد الأكبر في العراق، الذي قامت به الدولة ولم تتول إنجازه الشركات الاستثمارية، ولم يكتمل حتى الآن، وحتى إن اكتمل فإنه لن يستطيع تغطية احتياجات بلد مثل العراق تبلغ نسبة الزيادة السكانية السنوية فيه نحو 3%.
ويرى الشماع أن على الحكومة أن تتجه لتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي بحيث تستطيع الشركات الاستثمارية العمل في أجواء آمنة ومستقرة، وأن يتم اعتماد قانون للتمويل وهو ما يفتقر إليه العراق اليوم، كما يقول.
المصدر : الجزيرة