في زيارة تحتل الملفات الاقتصادية الصدارة فيها، وصل، اليوم الإثنين، الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى بغداد، في زيارة تستمر ثلاثة أيام، حاملا في أجندته ملفات اقتصادية عديدة، فضلا عن ملفات أخرى سياسية.وتأتي زيارة روحاني الأولى إلى العراق، في ظل تأزم الوضع الاقتصادي لطهران عقب العقوبات الأميركية التي فرضت عليها، بينما تبحث عن شركاء ينتشلونها من التداعيات السلبية على العديد من قطاعاتها. وقال الرئيس الإيراني قبيل مغادرته مطار مهرآباد في طهران إن “العلاقات بين إيران والعراق، هي علاقات خاصة، لا يمكن مقارنتها مع تلك التي تقيمها الولايات المتحدة”.ومهّدت لزيارة روحاني زيارات سابقة للعراق، قام بها مسؤولون إيرانيون، على رأسهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الذي زار البلاد الشهر الماضي، واستمرت جولته خمسة أيام، أعقبتها زيارة مساعد وزير الخارجية عباس عراقجي.كما عاود ظريف، ليل أول من أمس، زيارته لبغداد. بينما يقوم السفير الإيراني في بغداد، إيريج مسجدي، بتحركات وزيارات للمحافظات العراقية.
وقد أشاد الرئيس الإيراني حسن روحاني بدور بلاده إلى جانب العراق في مكافحة ما أسماه الإرهاب، في حين شدد نظيره العراقي برهم صالح على حيادية موقف بغداد من الصراعات الإقليمية والدولية.وأضاف روحاني في مؤتمر صحفي مشترك مع صالح عقب محادثاتهما في بغداد اليوم أن العراق الآمن المستقر يساعد في تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة.وأشار إلى أن هناك مجالات واسعة للتعاون مع العراق منها التبادل التجاري والطاقة والاستثمارات والنقل. من جهته أشاد الرئيس العراقي بالدعم الإيراني لبلاده في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، قائلا إن الانتصار على ما وصفه بالإرهاب لم يستكمل، وإن استئصال التطرف يحتاج جهدا وتعاونا إقليميا أكثر.وأكد أن العراق محظوظ بجواره الإسلامي المتمثل بإيران وتركيا وجواره العربي، ولا يريد أن يكون ساحة للصراع الإقليمي أو الدولي”، مشددا على أن “الأوان قد حان للمنطقة أن تزدهر اقتصاديا من خلال التعاون المشترك”.وأضاف صالح “ناقشنا التأسيس لبنى تحتية مترابطة بين البلدين من خلال ربط سكك الحديد وإنشاء مناطق صناعية والتعاون بمجال الطاقة ورفع العراقيل أمام زوار العتبات المقدسة”، وكشف عن اتفاقيات مهمة مع إيران ستعلن اليوم وستسهم بمصلحة الشعبين والمنطقة.
ويرى المتابعون للشأن العراقي أن جدول أعمال الزيارة وأبرز ملفاتها، الجانب الاقتصادي والتجاري سيكون حاضرا بقوة خلال مباحثات روحاني والوفد الاقتصادي المرافق له، مع المسؤولين العراقيين، مبينين أنّ قضية الكهرباء وتزويد العراق بالطاقة من الجانب الإيراني ستكون على رأس تلك الملفات، وقد سبق بحثها مرّات عدّة. وأضافوا أن العراق يسعى إلى حسم الملفات العالقة مع إيران، ومنها اتفاقية الجزائر عام 1975 لترسيم الحدود البرية والمائية والحقول النفطية المشتركة بين البلدين،كما سيتم التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء منطقة حرة مشتركة بين البلدين ومصرف عراقي إيراني، وأشاروا إلى أنّ وزارة التجارة العراقية شكلت لجانا، ستعمل مع الوفد الإيراني الذي سيصل مع روحاني، على تفعيل اتفاقية التعاون الجمركي والازدواج الضريبي ورفع الفيزا بين الجانبين لتعجيل توقيع المذكرات”، مضيفاين: “كما ستدرس اللجان إقامة مشاريع استثمارية مشتركة في المناطق التي تضررت بفعل الإرهاب. وأضافوا المتابعين للشأن العراقي إنّ “حجم التبادل التجاري بين البلدين يصل حاليا إلى 13 مليار دولار، وإن البلدين يسعيان لزيادته”. وأكدوا أنّ “الزيارة لها أهمية كبيرة في المجال الاقتصادي للبلدين في ذات الوقت”، موضحاين أنّ البضائع الإيرانية رائجة جدا في السوق العراقية، لرخص أسعارها. من جهته، قال مسجدي السفير الإيراني في العراق، في تصريح صحافي، إنّ “من أهم برامج الزيارة التي سيجريها روحاني، إجراء محادثات لتعزيز العلاقات بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية”، مبينا أنّ الملفات الحالية بين البلدين في مجال الطاقة وغيرها.
وفي ظل التجاذبات الأميركية الإيرانية يبدو أن زيارة روحاني ستكون مخصصة “لمناقشة مسائل محددة”، أن روحاني أتى لمناقشة مسألة التبادلات التجارية. وموضوع تخفيفها بالعملة المحلية العراقية، وإيجاد سبل أخرى على غرار ألمانيا وبريطانيا، أي عملة أوروبية بديلة للتحايل على العقوبات الأميركية. وتأمل طهران بإنجاز مشروع سكة حديد خرمشهر ـ بصرة الذي من المقرر أن يناقش روحاني استكماله مع الجانب العراقي خلال الزيارة، تعتبره المصادر الإيرانية مشروعا استراتيجيا يربط إيران بمدينة اللاذقية السورية على البحر الأبيض المتوسط عبر العراق. ونقلت وكالة “فارس” للأنباء الإيرانية، في وقت سابق عن مساعد مدير شركة سكك الحديد الإيرانية مازيار يزداني، قوله إنه “بقي إنجاز 32 كيلومترا من مشروع الخط الحديدي الذي يربط إيران بالعراق عبر إنشاء جسر متحرك بطول 800 متر فوق نهر أروند رود (شط العرب)”، موضحا أن بلاده ستواصل استكمال المشروع داخل الأراضي العراقية حتى ربطه بالخط الحديدي لمدينة البصرة.
فالعراق قناة أخرى لإيران لتفادي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران. هذه الزيارة ستوفر فرصا للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من صعوبات منذ أن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آيار/ مايو الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع في 2015 بين إيران وست قوى كبرى، وتعوّل إيران على هذه الزيارة بسبب معاناتها من العقوبات الاميركية التي فرضها عليها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على مرحلتين في آب/ أغسطس و تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2018، ما دفع قادتها لمحاولة توسيع نطاق العلاقات التجارية مع دول الجوار. فلقد بات واضحاً أن العقوبات الاقتصادية بدأت تفعل فعلها مباشرة وتؤثر على أداء الاقتصاد الإيراني في مجالات عديدة. ولم يكن لجوء الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله إلى حث جمهوره وأنصاره على التبرع سوى مؤشر على نقص حاد في السيولة الإيرانية، بالنظر إلى أن طهران هي الداعم الأكبر للحزب. وزيارة روحاني إلى العراق تعلن أجندة تجارية واستثمارية صريحة، وهي بالتالي محاولة واضحة للالتفاف على العقوبات الأمريكية والحد من خضوع الاقتصاد الإيراني إلى مزيد من إجراءات التضييق والاختناق.
وكانت واشنطن منحت بغداد الإعفاء من العقوبات المفروضة على طهران بمدة 90 يوماً جرى تجديدها أخيرًا لمواصلة دفع فواتير الكهرباء المستوردة من إيران إضافة التبادلات التجارية الواسعة بين البلدين والبالغة 12 مليار دولار من المتوقع أن ترتفع الى 20 مليار بعد زيارة روحاني. ويرتبط العراق مع إيران بحدود برية تمتد الى 1458 كلم من الجنوب العراقي حيث الممر المائي (شط العرب) الاستراتيجي للعراق الى المثلث الحدودي شمالاً في كوردستان العراق الذي يربط بين تركيا وإيران والعراق.
إن زيارة روحاني «التاريخية» إلى العراق تسعى إلى إرسال رسائل مضادة خارجية إلى البيت الأبيض، وأخرى داخلية إلى الخصوم، عمادها إمكانية انفتاح إيران على البلد الذي سبق أن اجتاحته أمريكا وتواصل نشر قوّات عسكرية فيه، وإمكانية توقيع اتفاقيات استثمار هامة في ميادين الطاقة والنقل والزراعة والصناعة والصحة. وليس أقلّ أهمية استكمال الخط الحديدي الذي يربط خرمشهر بالبصرة، ويمكن أن يشكل محطة انطلاق نحو ربط إيران بميناء اللاذقية السوري عبر العراق، الأمر الذي سيسحب بعض البساط من تحت أقدام المتشددين من زاوية أن الاقتصاد يمكن أن ينجز هدفاً جيو ــ استراتيجياً حاسماً عجزت عن تحقيقه كتائب «فيلق القدس» و«الحشد الشعبي» والميليشيات المختلفة.
وإذا كان روحاني يلتقي بالرئاسات العراقية الثلاث، الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، فإن أحد أبرز لقاءاته سوف يكون مع آية الله علي السيستاني، المرجع الشيعي الأعلى في العراق وصاحب المكانة الرفيعة لدى شيعة إيران أيضاً، خاصة وأن اللقاء سيتم في مدينة النجف حيث مرقد الإمام علي بن أبي طالب. وهذه ورقة قوة يمكن أن يوظفها روحاني في ساحة صراعه مع المجموعات الدينية المتنفذة في إيران، مستفيداً كما هو متوقع من حقيقة أن السيستاني رفض استقبال الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في سنة 2013، لأسباب تتعلق بحرص المرجع الشيعي على النأي بالحوزة العلمية عن سياسات نجاد عموماً وتنظيراته حول عودة الإمام الغائب بصفة محددة.
الأيام القريبة كفيلة بالإجابة عن الأسئلة الشائكة التي تكتنف مقادير نجاح أو فشل هذه الزيارة، خاصة لجهة تعزيز نفوذ إيران الاقتصادي والاستثماري في العراق، على حساب نفوذها الأمني والعسكري، وتلك هي أمّ المعضلات.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية