تواجه إيران مأزقا في إحلال أسطولها المتهالك من الناقلات النفطية، بعد أن أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات عليها، ما يزيد من الضغوط على صادرات النفط، ما دعا طهران إلى اتهام واشنطن بإثارة التوترات في سوق النفط العالمية.
ومنذ أن أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض عقوبات على إيران في نوفمبر/تشرين الثاني، توقفت مباحثات استكشافية مع كوريا الجنوبية لشراء ما يصل إلى عشر ناقلات عملاقة جديدة، فضلا عن أن بنما شطبت ما لا يقل عن 21 ناقلة إيرانية من سجلاتها.
وفرضت واشنطن قيوداً على قطاعات الموانئ والطاقة والشحن الإيرانية، لكنها منحت استثناءات مؤقتة لأكثر ثمانية زبائن من زبائن إيران، ومن بينهم الصين والهند واليابان، لكي يتمكنوا من شراء الخام الإيراني.
ونظرا لأن صادرات النفط تشكل نحو 70 في المائة من إيرادات إيران، فإن الحفاظ على عدد كاف من الناقلات لتخزين الخام ونقله أمر بالغ الأهمية لطهران.
لكن بائعي الناقلات المحتملين يتوخون الحذر في ظل الجولة الجديدة من العقوبات، بعد إدراج شبكة يونانية على قائمة سوداء. وكانت تلك الشبكة ساعدت إيران على شراء ناقلات في ظل قيود كانت مفروضة في السابق.
وقال مصدر ملاحي لرويترز: “إيران تبحث عن ناقلات، لكن هذه المرة سيكون هذا أصعب. فهناك تدقيق أكبر كثيراً والأمر سيحتاج وقتا أطول”.
وتتجنب شركات التأمين الأوروبية الناقلات الإيرانية، بفعل اضطرار إيران لرفع علمها على الناقلات بدلا من علم دولة أخرى مثل بنما، في الوقت الذي تزداد فيه تعقيدات محاولات إيران لتصدير الخام إلى المشترين الذين استثنتهم واشنطن من الحظر بشكل مؤقت.
وإذا واجهت إيران صعوبات في تصدير نفطها، فقد يكون لذلك أثر كبير. وإلى جانب أهمية النفط لميزانيتها، تشير تقديرات إلى إنتاج إيراني بنحو 2.8 مليون برميل يومياً، وهو ما يعادل أكثر من 9 في المائة من إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
وأشار مسؤول إيراني إلى أن بنما قررت عدم رفع علمها على الناقلات الإيرانية بعد إعادة فرض العقوبات. وتظهر بيانات الشحن البحري أن جميع الناقلات الإيرانية تقريبا مسجلة لدى بنما.
ويتعين على جميع السفن التجارية أن تكون مسجلة وأن ترفع علم دولة محددة، لأسباب من بينها الالتزام بقوانين السلامة والبيئة.
وقال مصدر في مكتب التسجيل في بنما إن الإلغاء “يؤثر على نحو 60 ناقلة مسجلة في بنما على صلة بمالكين من إيران وسورية”. ولم يخض المصدر في تفاصيل.
وجرى رفع العلم الإيراني بدلا من علم بنما على ناقلتين أخريين على الأقل، لم تكونا من قبل تعتبران جزءا من الأسطول الإيراني. ولم يتسن الاتصال بمالكي الناقلتين، اللتين كانتا من قبل مسجلتين في الجزر العذراء.
وفي المجمل، فإن أكثر من 20 ناقلة أخرى في أسطول إيران غيرت علمها ورفعت علم إيران هذا العام.
وقال متحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية “ننوي تطبيق هذه العقوبات بالكامل، ونشجع التعاون والالتزام من جانب حلفائنا وشركائنا”.
ويقول خبراء ملاحة إن رفع إيران لعلمها على الناقلات يخلق مشاكل لطهران، حتى إن كانت تستطيع توفير المزيد من الناقلات والمشترين المعتمدين للنفط.
وإلى جانب الصين والهند واليابان، أعطت واشنطن الضوء الأخضر لكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا وإيطاليا واليونان للاستمرار في شراء النفط الإيراني، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان سيتم تجديد هذه الاستثناءات عندما ينتهي أجلها في مايو/أيار المقبل.
ومن شأن التعامل مع تسجيل العلم الإيراني إثارة قضايا بشأن الامتثال للأطراف المقابلة، حيث إن هناك مخاطرة بأن تلك الأطراف قد تضطر للتعامل مع أشخاص أو كيانات مدرجة على قوائم سوداء في إطار عقوبات أميركية، وفقا لما ذكره خبراء ملاحة.
وقالت مصادر ملاحية إنه في ظل رغبة القليل من المشترين الآن في تحمل جميع المخاطر التجارية المنطوي عليها بيع النفط، يتعين على إيران أيضا تغطية نقل الشحنات، بما في ذلك توفير التأمين في معظم الحالات.
وقال مايك سولتهاوس من إنترناشيونال غروب، التي تمثل الشركات التي تؤمن على نحو 90 في المائة من الشحن التجاري العالمي، إن شركات التأمين الغربية من المستبعد جدا أن تنفذ أنشطة مع شركات الشحن الإيرانية.
وقال سولتهاوس، رئيس اللجنة الفرعية المعنية بالعقوبات لدى إنترناشيونال غروب “المشكلة الأكبر لشركات التأمين هذه الأيام تتمثل في إيجاد بنك يرغب في تمرير مدفوعات لسلع أو خدمات يكون المستفيد منها مستهدفا من الولايات المتحدة.. البنوك لن تشارك حينما تذكر كلمة إيران”.
وقال مهدي فارزي، وهو مستشار مستقل بقطاع النفط عمل من قبل لدى شركة النفط الوطنية الإيرانية “في أي قطاع من القطاعات، ستضع الشركات في حسبانها مسألة الانعزال عن النظام المالي الأميركي، عندما تتخذ قرارا بشأن التعامل تجاريا مع إيران من عدمه”.
وأضاف فارزي، الذي يتخذ من بريطانيا مقرا “الكثير من المتعاملين في النفط قلقون جدا بشأن الذهاب إلى إيران بسبب ترامب. وحتى الصينيون يحاولون الالتزام بما يريده الأميركيون”.
لكن مسؤول إيراني كبير قلل من أهمية التهديدات التي تواجهها صادرات بلاده النفطية جراء الضغط على أسطولها.
وقال المسؤول “كثير من الدول سعيدة للتعامل مع إيران.. كما فعلنا في الماضي، هناك الكثير من الوسائل للتغلب على النقص، ومن بينها استخدام ناقلات دول أخرى”.
ووفقا لمتخصصين في الشؤون الملاحية، فإن الأساليب التي كانت تُستخدم لتجنب العقوبات في الماضي كان من بينها تغيير أسماء الناقلات، وإغلاق أنظمة تحديد الهوية التلقائي (إيه.آي.إس) وترددات الموقع وتنفيذ عمليات لتحويل النفط من ناقلة إلى أخرى. ومنذ فرض العقوبات في المرة الماضية، صار تتبع السفن أكثر تعقيدا.
وحذرت إسرائيل في وقت سابق من مارس/آذار الجاري من أن قواتها البحرية قد تتخذ إجراءات ضد إيران، التي قالت إنها تهرب النفط من خلال اللجوء إلى إجراءات سرية مشابهة لتلك التي استخدمتها خلال جولة العقوبات الماضية.
وتوصلت إيران إلى اتفاق مع القوى الدولية في عام 2015 بشأن برنامجها النووي، وهو ما أدى إلى رفع العقوبات في عام 2016. لكن ترامب انسحب من الاتفاق في مايو/أيار من العام الماضي 2018 وأعاد فرض قيود أميركية في نوفمبر/تشرين الثاني.
وقال مسؤولون ملاحيون إن تجدد العقوبات الأميركية كان من شأنه أيضا عدم تمكن إيران من الحصول على خدمات ترخيص مهمة من شركات أجنبية لضمان استمرار صلاحية سفنها للإبحار.
وتُظهر سجلات الشحن أن 16 من الناقلات الإيرانية على الأقل يزيد عمرها على 19 عاما وأن ثلاثا من هذه الناقلات في الخدمة منذ عام 1996.
وغرقت الناقلة الإيرانية سانتشي قبالة السواحل الصينية في عام 2018 بعد الاصطدام بناقلة أخرى، بينما جرى تخريد خمس ناقلات من ثمان اشترتها إيران عبر الشبكة اليونانية في إطار العقوبات السابقة، وهو ما زاد الحاجة لمزيد من الناقلات لتغطية العجز.
ووصف بريان هوك الممثل الأميركي الخاص لإيران في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قطاع الناقلات الإيراني بأنه “مسؤولية عائمة”.
وقال مسؤول إيراني إن مباحثات مع كوريا الجنوبية بشأن إمكانية طلب ما يصل إلى عشر ناقلات عملاقة، تستطيع الواحدة منها حمل ما يصل إلى مليوني برميل من النفط، تأخرت بسبب العقوبات الأميركية. ولم يتم الإفصاح عن هذه المباحثات من قبل. ولم يعلق مسؤول من حكومة كوريا الجنوبية على الموضوع.
وبعد رفع العقوبات الغربية عقب إبرام الاتفاق النووي، بدأت إيران أيضا مباحثات مع دايو الكورية الجنوبية لبناء السفن والهندسة البحرية بشأن تأسيس مشروع مشترك لإنشاء حوض لبناء السفن في إيران.
وقال متحدث باسم دايو إن الشركة وقعت اتفاقا مبدئيا مع إيران في ديسمبر/كانون الأول 2016 للتعاون بشأن تطوير الحوض. لكنه أشار إلى أنه لم يتحقق تقدم منذ ذلك الحين. وقال مسؤول إيراني إن المباحثات ما زالت جارية.
ووفقا لأحد المصادر في قطاع الشحن، فإن إيران تبحث عن المزيد من السفن في فيتنام. وقال مصدران إنها تبحث أيضا عن وسيط في السوق اليونانية، أحد المراكز الرئيسية لصفقات السفن المستعملة.
وردا على سؤال حول جهود إيران لتوفير ناقلات، قال مصدر إيراني إنهم يبحثون جميع الخيارات. ولم يرد مسؤولون فيتناميون على طلبات للتعقيب.
ولدى إيران أكثر من 50 ناقلة، لكنها بحاجة لها لنقل النفط وتخزين الكميات غير المباعة في مياهها الإقليمية، بالنظر إلى طاقتها التخزينية المحدودة على الأرض.
وتظهر بيانات تستند إلى أنظمة تحديد الهوية التلقائي التي تستخدمها منصة مارين ترافيك للمعلومات لتتبع السفن أن 12 ناقلة إيرانية، أو ما يعادل أكثر من خُمس أسطولها، كانت تستخدم كوحدات تخزين عائمة في مارس/آذار.
وبالتزامن مع تزايد الضغوط على صادرات النفط، نقل موقع وزارة النفط الإيرانية على الإنترنت عن وزير النفط بيجن زنغنه قوله، أمس السبت، إن التصريحات الأميركية بشأن أسعار النفط أثارت توترات في السوق.
ودأب ترامب، على نشر تغريدات عن أسعار النفط ومنظمة أوبك. ونسب موقع وزارة النفط إلى الوزير قوله “الأميركيون يتحدثون كثيراً وأنصحهم بالحد من أحاديثهم، أثاروا التوترات في سوق النفط لما يزيد عن عام وحتى الآن وهم المسؤولون عن ذلك (التوتر) وإذا استمر هذا الاتجاه فإن السوق سيصبح أكثر توترا”.
وبلغت أسعار العقود الآجلة للنفط الخام الأميركي أعلى مستوى لها في عام 2019 يوم الجمعة الماضي، لكنها تراجعت لاحقا مع خام القياس العالمي مزيج برنت، بعد أن أدت المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي ونمو الإنتاج الأميركي إلى كبح ارتفاع الأسعار.
واتفقت أوبك وحلفاؤها مثل روسيا العام الماضي على خفض الإنتاج رداً على زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري.
العربي الجديد