لم تفلح إجراءات الحكومة السودانية في كبح أزمة السيولة التي تفاقمت بشكل ملحوظ خلال الأيام الأخيرة، إذ خلت أجهزة الصراف الآلي والمصارف من النقد “الكاش”، ما أثار موجة من استياء المواطنين في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية.
وطبع البنك المركزي فئات جديدة بقيمة (100 و200 و500) جنيه، في إطار خطوات لحل مشكلة توفير السيولة بصورة نهائية بحلول شهر أبريل/ نيسان المقبل، حسب تأكيدات حكومية، لكن أزمة نقص السيولة لا تزال متواصلة في البنوك.
وكانت جهات رسمية كشفت عن وصول شحنة جديدة من النقود التي تمت طباعتها بالخارج وتبلغ قيمتها 1.2 مليار جنيه من فئة المائة جنيه (الدولار = 47.5 جنيها في السوق الرسمية)، وتوقعت مصادر حكومية في تصريحات صحافية منذ يومين، وصول شحنة أخرى تبلغ 2.5 مليار جنيه لاحقاً، عبر مطار الخرطوم بعد الانتهاء من طباعتها، ما يسهم في توفير السيولة النقدية وتلبية احتياجات المواطنين.
وبرزت أزمة السيولة في البنوك السودانية منذ فبراير/ شباط من العام الماضي، وكانت سبباً رئيسياً في اندلاع الاحتجاجات الشعبية الساخطة في البلاد.
وأكد مصدر مطلع في البنك المركزي مفضلا حجب اسمه لـ”العربي الجديد” توقف البنك المركزي عن تغذية المصارف وأجهزة الصرافة الآلية بالنقود لمدة عشرة أيام، على أن يتم توجيه الأموال إلى عمليات حصاد القمح ليشتري المخزون الاستراتيجي منه، ثم يعود إلى ضخ النقود حسب الدورة العادية.
وقال مصدر مصرفي بأحد البنوك السودانية لـ”العربي الجديد” إن تغذية البنوك توقفت تماما من البنك المركزي مع توقف إيداع الجمهور، ما تسبب في أزمة متفاقمة أكثر من السابقة، واضطر الكثيرون إلى التواجد داخل المصارف خلال الدوام الرسمي في انتظار السحب دون جدوى. وتحفظ الناطق الرسمي باسم آلية صناع السوق عبد الحميد سراج عن التعليق على الأمر.
وكشفت جولة لـ”العربي الجديد” في مواقع متفرقة في العاصمة الخرطوم عن خلو آليات الصرافة من الجمهور لعدم وجود أموال بها وسط انتظار عدد من العملاء داخل المصارف على أمل الحصول على مبالغ دون جدوى.
ومع تفاقم أزمة السيولة، أصدر الرئيس السوداني، عمر البشير، يوم 6 مارس/ آذار الجاري، قراراً قضى بإقالة محمد خير الزبير من منصبه كمحافظ لبنك السودان المركزي، ثم لحقه قرار آخر بتعيين حسين يحيى جنقول خلفاً له في المنصب.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي محمد الناير لـ”العربي الجديد”: لم تستقر سياسات البنك المركزي حتى الآن وأصبحت تؤثر سلبا على الأداء الاقتصادي، ومنذ بدء ضخ الفئات الجديدة فإن كل الحلول التي قدمت لم تجدي لأنها جزئية، مضيفاً: “نحن نريد تطبيق منظومة الدفع الإلكتروني بالتزامن مع الفئات الجديدة لتخفيف الضغط على “الكاش”، ولكن سياسة الضخ دون التحول إلى الدفع الإلكتروني لا تعالج المشكلة.”
ومن جانبه، يقول الخبير الاقتصادي أحمد الشيخ لـ”العربي الجديد” إن طرح شهادات “شهامة” للجمهور خارج نطاق البنك المركزي أفقده خاصية مهمة كانت تشجع البنوك والعملاء على الإيداع في الجهاز المصرفي. ويطالب الشيخ بإعادة الثقة في الجهاز المصرفي عبر تشجيع التمويل العقاري او تمويل السيارات بطرق ميسرة.
وتصدر وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي شهادات شهامة التي تمثل مساهمة الحكومة في عدد من الشركات الناجحة وذات الجدوى الاقتصادية التي تمكنها من تحقيق أرباح وعوائد مجزية، علماً بأنها تقوم على صيغة المشاركة، وبلغ إجمالي قيمة شهادات شهامة 23 مليار جنيه.
ورغم إعلان البنك المركزي انفراج أزمة الأوراق النقدية خلال مارس/ آذار الجاري، بعد طرح فئات “100 و200” جنيه، تتبعها لاحقاً فئة “500” جنيه، إلا أن الأزمة ما تزال تراوح مكانها منذ أكثر من عام.
وأكد المصرفي طه حسين لـ”العربي الجديد” أن قرار البنك المركزي بتغذية ماكينات الصراف الآلي بالنقود الجديدة أحدث أثرا سالبا، وجعل أغلب المواطنين يستفيدون منه في تجارة العملة الأجنبية وأدخل ثقافة شراء الدولار بالكاش والشيك.
وانتقد حسين الطريقة التي تدار بها حسابات العملاء رغم وجود رمز ائتماني ولكن تتعدد البطاقات لشخص واحد ويتم استخدامها دون رقابة في سحب النقد ما يدل على تفاقم ظاهرة تجارة الدولار.
ويقلل الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي من جدوى ضخ وطباعة الفئات الكبيرة في حال كان هدف البنك المركزي حل مشكلة شح السيولة.
ويقول الرمادي لـ”العربي الجديد” إن “قرار حجب السيولة عن المودعين، كان لأسباب “واهية” لا علاقة لها بالاقتصاد، موضحا أن الحكومة لا تستطع حل الأزمة إذا نظرت إليها بمعزل عن مجمل المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وعلى رأسها ارتفاع التضخم وتراجع قيمة الجنيه، والترهل في الإنفاق الحكومي”، مشيرا إلى أن المعالجة ينبغي أن تركز علي الداء وليس على الأعراض المصاحبة له.
ومن جانبه، يرى القانوني نبيل أديب في حديثه لـ”العربي الجديد” أن أزمة السيولة تعتبر مسالة سياسية، لأن الحكومة تمارس نظام الاستدانة من الجمهور ولا تملك مالا كافياً للتغطية.