الباحثة شذى خليل*
يعاني الاقتصاد العراقي من مشاكل كثيرة وكبيرة ، ابتداء من البطالة ، والفساد الإداري والمالي ، وانعدام الصناعة ، وانهيار البنية التحتية ، وضعف أداء القطاع الزراعي والتجاري ، وضعف القانون وتفاقم المشكلات الأمنية ، بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 ، وما خلفه من تبعات ، إذ وجد آلاف العراقيين الفقراء في معسكرات الجيش العراقي السابقة والمقار الحكومية ملاذاً آمناً لهم ، فاستقروا في تلك المنشآت وإن كان في ذلك تجاوز على أملاك الدولة.
حيث بدأت وبشكل واضح ظاهرة الفقر وأصبحت من المشكلات الرئيسة التي تواجه عملية التنمية الاقتصادية ، بعد أن وصلت نسبتها إلى أكثر من 40% من السكان ، ويعود ارتفاع هذه النسبة إلى ارتفاع معدلات البطالة واستمرار التحدي الأمني وركود النشاط الاقتصادي ، وعدم حصول تحسن واضح في مستويات دخل الفرد ، كما أدى الارتفاع في معدلات التضخم وبخاصة الارتفاع في الأسعار ، إلى تخفيض مستوى الدخول الحقيقية على الرغم من الزيادات المستمرة في الدخول النقدية ، ووفر هذا الوضع مجالاً رحبًا لتجنيد كثير من سكان الأحياء الفقيرة في الأعمال الإجرامية أو دفعهم إلى الانضمام للميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون ، بالإضافة إلى التسبب بارتفاع معدلات جرائم السرقة والاختطاف والمظاهر الأخرى التي شوهت صورة المشهد الاجتماعي في العراق.
وتشكو نسبة كبيرة من أهالي العراق من الفقر الذي تحوّل إلى خطر يهدّد تماسك المجتمع واستقراره ، في ظل غياب واضح للسياسات الاقتصادية الوطنية التي من شأنها أن تقلل من تبعات ذلك الفقر الذي يطارد أسرا لا تتوفر لديها فرصة عيش كريم في بلاد النفط والرافدين.
أصدرت وزارة التخطيط العراقية خلال عام 2018 ، تقريراً بيّنت فيه أنّ نسب الفقر ارتفعت في المدن التي احتلها تنظيم “داعش” لتصل إلى 41% ، بعدما لم تكن قبل ذلك تتجاوز 20% ، وأوضحت أنّ نسبة الفقر في محافظات جنوبي العراق بلغت 31.5% ، وفي محافظات الوسط 17% ، وفي بغداد 13% ، في حين ارتفعت في إقليم كردستان العراق لتصل إلى 12.5% ، بعدما كانت 3% فقط قبل عام 2014.
وفي فبراير- شباط 2017 ، أطلقت اللجنة العليا للتخفيف من الفقر في العراق استراتيجيتها للحدّ من الفقر ، وبينت وزارة التخطيط إن لديها قاعدة بيانات قائمة على أساس المسح الاجتماعي للأسر المحتاجة.
وكان البنك الدولي قد حذّر في مايو- أيار الماضي من هشاشة الوضع الاقتصادي في العراق لعام 2018، موضحاً أنّ خط الفقر الوطني وصل إلى 22.5% ، وأنّ إحصاءات سوق العمل تبيّن مزيداً من التدهور ، و سجّلت مساهمة الشباب بين 15 و 24 عاماً ، تراجعاً ملحوظاً في دعم الاقتصاد ، فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة بمعدّل الضعفَين في المحافظات التي تضررت من عنف تنظيم “داعش”، لا سيّما محافظات شمالي العراق وغربه مثل نينوى وصلاح الدين والأنبار التي شهدت موجات نزوح واسعة بعد عام 2014.
لا يتركّز الفقر في مكان معين ، بل إنّ مظاهره تنتشر في كل أنحاء بغداد والمحافظات العراقية ، فنلاحظ الكثير من أطفال المدارس اضطروا إلى ترك مقاعد الدراسة والتوجّه نحو الأرصفة والساحات بحثاً عن لقمة العيش ، حيث يتجمّع عشرات الصغار ويتسابقون لمسح السيارات المتوقفة عند إشارات المرور ، في مقابل 500 دينار (أقل من نصف دولار).
أما أزمة البطالة فقد تفاقمت نتيجة لاستمرار تدهور الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي وعدم اتخاذ الإجراءات الاقتصادية الصحيحة ، وتأهيل الصناعات الرئيسية ، وخاصة منها طاقات إنتاج الكهرباء ومياه الشرب ، وتقديم الخدمات العامة ، وبفعل تراكم تلك الأخطاء والإخفاقات ، أصبح أكثر من نصف شباب المدن العراقية عاطلين عن العمل ، في حين لا تتجاوز مشاركة المرأة في القوة العاملة 19% ، وهذه البطالة في معظمها بطالة هيكلية ناجمة عن توقف قطاعات الإنتاج الرئيسة وبخاصة قطاعات الزراعة والصناعة التحويلية ومعظم الأنشطة الخدمية ، وبحسب إحصائية الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية ، فإن نسبة البطالة بين الشباب للفئة العمرية بين 15 إلى 29 سنة بلغت 22.6% بارتفاع عن المعدل الوطني بلغ 74% ، ما يعني أن البطالة لدى الذكور لهذه لفئة بلغت 18.1%، في حين بلغت البطالة لدى الإناث نسبة 56.3%، وتبلغ نسبة معدلات مشاركة الشباب في القوى العاملة36.1%، وتشكل نسبة الذكور من القوى الفعلية العاملة 61.6% مقابل 8.8% للإناث الشابات ، ويأتي ذلك تعزيزاً لإعلان صندوق النقد الدولي في أيار 2018 أن معدل بطالة الشباب في العراق تبلغ أكثر من 40%.
تعد البطالة أحد أسباب ارتفاع نسبة الفقر في العراق ، فاحتكار المؤسسات الحكومية من قبل مدراءها ومعارفهم ممن ينتمي للأحزاب السياسية البرلمانية ، هو رفض توفير فرص عمل للأيادي العاملة والراغبة والقادرة على العمل ، وفقا للتقارير ، ارتفعت نسب الفقر الى 10 ملايين مواطن ، ونزوح 3.5 مليون مواطن ، وان سوء تنظيم الحكومة ، وعدم احترافيتها ، وتبذير افرادها للمال العام ، سرقة مخصصات فئات الشعب العراقي ، هذا يعني ان نظام اقتصاد العراق سيبقى متعثر ، حتى مع ارتفاع اسعار النفط ، ما لم تضع استراتيجية حقيقية للنهوض بالواقع الاقتصادي المتردي بالقضاء على الفساد أولا .
الاستثمار في العراق يواجه تحديات كبيرة ، إذ يحتل مرتبة متأخرة في جذب الاستثمارات بدرجة 168 من أصل 190 على مؤشر البنك الدولي للبلدان التي توفر بيئة مواتية للاستثمار.
وقانون حماية العمالة في القطاع الخاص لا يزال ينتظر المراجعة ، ومنها أخيرا أن القطاع المصرفي يخشى التعامل مع رواد الأعمال الشباب.
وأعلن عضو مجلس النواب “حسن فدعم” ارتفاع نسبة البطالة إلى 70% في محافظة بابل ، لافتًا إلى أن الحكومات الاتحادية السابقة والحالية لم تُحرك ساكنًا في معالجة البطالة وتشغيل العاطلين عن العمل .
إن محافظة بابل تعتبر محافظة سياحية وصناعية بامتياز ، إلا أنه لا يوجد اهتمام حكومي لتفعيل تلك القطاعات وتطويرها من خلال الاستثمار.
ودعا رئيس مجلس الوزراء “عادل عبد المهدي”، إلى تنويع موارد الاقتصاد الوطني عن طريق تفعيل القطاع الخاص من الزراعة والصناعة والسياحة لتشغيل العاطلين عن العمل ، واعتماد استراتيجيات ملائمة وفعالة لحالة الاقتصاد العراقي وقطاعاته الأساسية ، مع توفير البيئة المناسبة ، لذلك يتطلب اعتماد مهام وأهداف صحيحة وسليمة للسياسة الاقتصادية العراقية ، وفي مقدمتها وضع أولوليات استثمارية وبنى تحتية لازمة وفق معطيات واقعية ، إضافة إلى تحديد موقف آلية السوق وعملية التمويل والنظرة بواقعية دقيقة نحو دور ومهام القطاعات الخاصة ، بالإضافة إلى تنويع الاقتصاد العراقي من أجل تخفيف أحادية القطاع النفطي ، وزيادة مساهمة قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة واستراتيجية القناة الجافة لتنشيط التجارة والترانزيت عبر الأراضي العراقية ، بالإضافة إلى استثمار الموارد البشرية بالشكل الصحيح من خلال وضع الخطط ورسم السياسة الاقتصادية الرصينة.
ولتحقيق تلك الأهداف ، لا بد من وضع الآليات والسبل الكفيلة بتصحيح المسار الحالي من خلال تبني استراتيجية تنموية تضمن الوصول إلى تحقيق الكفاءة في استخدام الإيرادات النفطية ، وكيفية الانتفاع منها ، بتوجيهها نحو تمويل الاستثمار في رأس المال الإنتاجي المباشر ، والاستثمار في رأس المال الاجتماعي ، للوصول إلى تحقيق هدف التنويع الإنتاجي من جانب ، وتهيئة المناخ الاستثماري الملائم والكفيل بجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتعزيز حالة التنافس بين القطاعين العام والخاص وعلى أساس اعتبارات الكفاءة الإنتاجية والخضوع لقوى السوق من جانبٍ آخر.
ويؤكد الاقتصاديون على أن من أهم التحديات الاقتصادية التي يواجهها العراق طوال تلك الفترة ما يلي:
الاعتماد الكلي على النفط ، الذي من غير المؤكد أنه سيستمر في توفير الإيرادات التي عهدناها في السنوات الماضية ، وأن مستقبل النفط غير مستقر والتطورات التكنولوجية والجيولوجية والدراسات الاستراتيجية الاقتصادية تشير إلى أن النفط سوف يتراجع كمصدر للطاقة ، خصوصاً إذا ما علمنا أن الطاقة البديلة في السيارات والنقل بدأت تتصاعد لتتحول نحو الطاقة الكهربائية ، وأن مصادر الطاقة المتجددة بدأت بالظهور بشكل كبير جداً ، حيث إن أسعار النفط قد تتراجع خلال الخمس سنوات القادمة إلى مستويات منخفضة جداً دون 30 دولارًا للبرميل ، وهذا ما يشكل كارثة أمام الاقتصاد العراقي لأنها لا تسد في الأساس حتى تكاليف إنتاجها.
وبما أن الاقتصاد العراقي يعتمد بحوالي 95% في تمويل الموازنة العامة على النفط ، ولأن 50% من الناتج المحلي الإجمالي يتأثر بقطاع النفط بشكل مباشر وغير مباشر ، فإن انهيار أسعار النفط سوف يشكل الكارثة الكبرى للاقتصاد العراقي ، وتأثير ذلك الخطر على الدخل الفردي والقومي.
ریعیة الاقتصاد وانكـشافه للعالم الخارجي وبدرجة عالیة كنتیجة طبیعیة لتدني مـساهمة القطاعات السلعیة (باستثناء النفط) في تولید الناتج المحلي الإجمالي ، والتي وصلت لمستويات متدنية للغاية ، والتي تفسر حاجة العراق للاستيرادات لسد الطلب المحلي المتزاید على إثر تزاید حجم النفقات التشغیلیة في الموازنة العامة ، وأبلغ دلالة على هـذه الحقیقة هي ارتفاع المحتوى الاستیرادي لمكون العرض الـسلعي في السوق العراقیة مقارنة بالمحتوى المحلي ، أما الدور المحدد للقطاع الخاص فيكون في العملیة التنمویة بدلالة انخفاض نسبة مساهمته في النشاط الاقتصادي ، وتولید فرص العمل ، وتغطیة الزيادة في الطلب المحلي وتمویل الاستثمارات ، مما يجعل استجابته بطيئة للتغیرات المستهدفة في خططة الاقتصادیة ، مالم یتم تهیئة بیئة أعمال مناسـبة وجاذبة تمكنه من أن یكون قطاعًا تنافـسیًا وتفاعلیًا.
وهنا ، نصل الى نتيجة ان الفقر والبطالة لا يمكن ان نقضي عليهما مالم تتكاتف الأفكار والقوى الفاعلة بالبلد لتحسين جميع القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية ، وعدم الاعتماد على النفط ، لأن أسعار النفط متذبذبة ولا يمكن بناء اقتصاديات لدولة رصينة ، على متغيرات الأسعار ، اذ ان أسعار النفط ليست بيد الحكومة العراقية ، وإنما تحددها الأسواق العالمية التي لا تخضع الى عوامل محددة فتارة سياسية وتارة استراتيجية وأخرى اقتصادية ، ففي حالة التنمية الاقتصادية يجب الاعتماد على بدائل أخرى تستطيع الحكومة أن تسيطر عليها ، وتزداد من هذه الإيرادات لسد عجز الموازنة العامة .
وأن البدائل للنهوض بالواقع الاقتصادي واضحة وموجودة ، ولكن يجب أن تكون هناك أرضية ملائمة لكي تستطيع الحكومة أن تنهض بهذه البدائل التي تمتلكها ولم تستثمرها حتى الآن لتكون بديلاً لإيرادات النفط.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية