دائما ما تشهد الفترة السابقة لأي استحقاق انتخابي تركي، حالة من «الهيجان» والتوترات الشعبية حول عدة قضايا، بسبب الشحن الإعلامي والتحريض الممنهج من قبل الإعلام والماكينات التعبوية للأحزاب السياسية الكبرى في البلاد .
وكالعادة كان اللاجئون السوريون مادة خصبة للتحريض والاستثمار من قبل أحزاب المعارضة التركية، التي تبحث عن كل ورقة، يمكن استخدامها بوجه حزب العدالة الحاكم، للإضرار بصورته امام الجمهور الناخب التركي .
«السوريون يدخلون الجامعات بدون امتحانات قبول»، «السوريون يأخذون رواتب من الحكومة»، «السوريون يحصلون على الجنسية من أجل التصويت لحزب أردوغان»، هذه وغيرها الكثير من الأقوال التي تملأ الأجواء بالشحن ضد السوريين قبل كل انتخابات، وكلها عبارة عن إشاعات تتفشى في الوسط الشعبوي من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي .بالطبع، كان لممارسات بعض النازحين السوريين السلبية، أثر في تعزيز هذه الأكاذيب، لكن الموقف السلبي منهم، لدى أحزاب المعارضة التركية، له جذور عرقية وطائفية في بعض الأحيان، فالمناطق التركية ذات الأغلبية العلوية، وكذلك الكردية، تنظر لهم بعيون العلويين والأكراد في سوريا، في امتداد واضح للحساسيات الأهلية من سوريا إلى تركيا. وعندما نتحدث عن الأكراد والعلويين، فنحن نتحدث هنا عن المكونات السكانية التركية التي تشكل الجمهور الأكبر لأحزاب المعارضة التركية، من دون أن ننسى أيضا أن هناك نسبة ليست قليلة من الأتراك القوميين المنتمين للحزب القومي، الشريك الرئيس لحزب العدالة الحاكم ذي الجذور الإسلامية، هذا التيار القومي، تنتشر في أوساطه أيضا مشاعر سلبية تجاه السوريين والعرب عموما، نتيجة تراكمات تاريخية .
وإذا عدنا لتوترات ما قبل الانتخابات التركية، فإن معظم ما يتم تداوله حول النازحين السوريين، ليس سوى إشاعات تلقى رواجا خصوصا في مواسم الانتخابات، ويرددها الكثيرون من أنصار المعارضة بثقة مفرطة، رغم أنها أكاذيب محضة، فالحكومة التركية لا تمنح أي رواتب للاجئين السوريين، والمبالغ المالية التي بات النازحون يستلمونها في الأعوام الثلاثة الاخيرة، ليست سوى منح مالية قدمها الاتحاد الأوروبي، وكذلك الكثير من الخدمات الصحية المقدمة الآن للسوريين هي بدعم أوروبي، ومن يقوم بزيارة هذه المراكز الصحية سيجد شعار الاتحاد الأوروبي موجودا في مداخلها، طبعا هذا لا ينفي أن الخدمات التعليمية والصحية قدمتها الحكومة التركية للنازحين السوريين مجانا منذ بداية الأزمة، أما الحديث عن تجنيس السوريين بأعداد كبيرة للاستفادة منهم انتخابيا، فإن أعدادهم المحدودة التي لا تتجاوز الـ80 ألفا، لا تسمح بدور مؤثر لهم في الانتخابات، فحسب الأرقام الرسمية فإن نحو خمسين ألف سوري سيحق لهم التصويت في الانتخابات، مقابل أكثر من 55 مليون تركي، ما يعني نقطة في بحر .
اللاجئون السوريون مادة خصبة للتحريض والاستثمار من قبل أحزاب المعارضة التركية
«حمى السوريين» إذن، تتفشى مع كل سباق انتخابي، والمراقب لردود أفعال الشارع المعارض التركي، حول كيفية تعامل الحكومة التركية مع السوريين النازحين، يجدها مليئة بالتناقض، فالمعارضون للحكومة التركية، تجدهم من جانب يعيبون تقديم أي مساعدات مالية للنازحين السوريين، ومن جانب آخر، ينتقدون سياسات «الاسلمة» في الحكومة التي أبعدت تركيا عن الاتحاد الأوروبي والقيم الأوروبية، كما فعل أحد الناشطين الذي سجل شريطا يشتم فيه المحجبات التركيات، ويقول إن بلاده باتت تشبه طهران، وهنا يقع جمهور المعارضة التركي في تناقض قيمي كبير، فإذا كانوا يؤيدون انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ومغادرتها نادي الدول الاسلامية، فإن قيم وقواعد الدول المتحضرة في اوروبا منحت النازحين السوريين خدمات صحية وتعليمية مجانية، ومنحتهم أيضا رواتب مالية شهرية، فإذا كانوا ينتقدون حكومة بلادهم لتقديم خدمات ومنح مالية للسوريين، فكيف سيصبح حالهم لو انضمت تركيا للاتحاد الأوروبي كما يرومون، وغادرت العالم الإسلامي، وأصبحت حكومة بلادهم، بحكم انتمائها لأوروبا، ملزمة بدفع رواتب مالية شهرية للنازحين السوريين؟ هذا التناقض وقع فيه، وفي بعض الاحيان، أعضاء وقيادات في حزب العدالة الحاكم أيضا، فبينما كانوا يوجهون خطابا خارجيا يتفاخر بما قدمته تركيا للنازحين السوريين، وهو أمر تستحق تركيا الإشادة لأجله، تراهم في حديثهم لجمهورهم المحلي يبذلون جهدا لإثبات أن حكومتهم لم تقدم شيئا «من جيب ضرائب مواطنيها» وأن الأوروبيين هم من دفعوا، وهذه معلومة ليست صحيحة، في ما يتعلق بالخدمات التعليمية والصحية منذ بداية الأزمة التي تحملتها الحكومة التركية على عاتقها، وطبعا هناك من قيادات الحزب الحاكم من هو اكثر مهنية ورصانة في خطابه، كوزير الداخلية التركي الذي دافع عن جهود بلاده في الوقوف مع السوريين، بل قلل من قيمة الإشاعات التي تتحدث عن تواجد السوريين وأثرهم السلبي على الأتراك، عندما أكد وباحصائيات دقيقة، أن نسبة الجرائم وسط السوريين النازحين، أقل من نسبتها وسط الاتراك .
وقبل ايام تحدث أحد قيادات الحزب الحاكم في ولاية غازي عنتاب الجنوبية التركية، عن تهافت الافكار المتفشية عن تاثير تجنيس السوريين، عندما قال بطريقة طريفة، إن الكثير من جمهور المعارضة في أزمير وغيرها من محافظات ساحلية غربية، كانوا حتى قبل بضعة عقود، لا يحملون الجنسية التركية وانهم وفدوا من اليونان ودول اخرى، وان بعض قادة الاحزاب التركية، ينتمون لأصول غير تركية.
القدس العربي