يتجه العراق نحو مواجهة أزمة سياسية جديدة لا تقل صعوبة عن مشكلة إكمال تشكيل الحكومة؛ ففي الوقت الذي شُلّت فيه حوارات اختيار المرشحين للوزارات الشاغرة، تبدو الكتل متدافعة في ما بينها للفوز بالمناصب التي تُدار بالوكالة، والتي تعدّ المحرّك الرئيس للحكومة، وتُشكّل نسباً كبيرة من عمل مؤسساتها، مثل وكلاء الوزراء، والمديرين العامّين، وغيرهم. ولم يستطع رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي، الإيفاء بوعوده التي قطعها ضمن برنامجه الحكومي، لإنهاء هذا الملف، إذ إنّه أُجبر، بسبب قوة الكتل السياسية، على تعيين وكلاء حتى للوزارات الشاغرة، الأمر الذي يدفع بمعطيات يعدّها مراقبون خطيرة للغاية إن لم تُحسم.
وبحسب مسؤول سياسي مطلع، تحدّث لـ”العربي الجديد”، طالباً عدم ذكر اسمه، فإنّ “أغلب المناصب في الوزارات العراقية تُدار بالوكالة، والوكلاء مرتبطون بأحزاب وكتل متنفذة، ويستمدون قوّتهم منها، ما جعلهم يفرضون قوّتهم على الوزارات وعلى إدارة الدولة بأكملها”، لافتاً إلى أنّه “وفق الموازنة المقررة للعام الحالي، فإنّ شهر يونيو/حزيران المقبل سيكون آخر شهر تُصرف فيه رواتب المناصب التي تدار بالوكالة، ما يعني أنّ الموضوع بحاجة إلى حل خلال هذه الفترة”.
”
تتزاحم الكتل السياسية للفوز بالمناصب التي تدار بالوكالة، وبدأت تستخدم أساليب الضغط في ما بينها
” وأشار إلى أنّ “ذلك دفع الكتل السياسية إلى التزاحم للفوز بتلك المناصب، فبدأت باستخدام أساليب الضغط في ما بينها للاستحواذ على تلك المناصب، وإعداد مرشحين جدد لها”، لافتاً إلى أنّ “من بين الضغوط بين الكتل، ملفات فساد ضد الوزراء وضد المسؤولين، وبدأت الكتل تهدد بعضها البعض بهذه الملفات، للدفع باتجاه الحصول على المناصب الثانوية”.
وأكد المسؤول العراقي أنّ “عبد المهدي نأى بنفسه عن هذا الصراع، وألقى الكرة في ساحة الكتل، على أن تتوافق في ما بينها ثم تعرض عليه أسماء مرشحيها”، مضيفاً أنّ “الكتل أدخلت كل الملفات العالقة من حقائب وزارية شاغرة ومن أزمات سياسية ضمن هذا الملف، وربطتها به، ما يعني أنّ هذا الملف سيكون محور الصراع بين الكتل للمرحلة المقبلة، وسيؤثر على كافة الملفات الأخرى”.
ولفت إلى أنّ “بعض تلك الكتل لا تريد المناصب الوزارية بقدر ما تسعى للحصول على المناصب الثانوية، من وكلاء وزراء ومديرين عامين وغيرهم، إذ إنّها من خلال تلك المناصب ستفرض سيطرتها على أغلب مؤسسات الدولة وتتحكّم في صناعة قرارها وتبسط نفوذها على قرارات الدولة”. وأكد أنّ “هناك ملفات يتم إعدادها من قبل بعض الكتل ضدّ عدد من المسؤولين الحاليين بالوكالة، لأجل إسقاطهم واستبدالهم بآخرين”.
وتُعدّ كتلة “سائرون” التي يتزعمها مقتدى الصدر، من أشد الكتل السياسية التي تدفع باتجاه حسم هذا الملف، خصوصاً أنّها لم تحصل على حقائب وزارية في حكومة عبد المهدي، ولم تطالب بالحقائب أساساً. وقال النائب عن الكتلة، سلام المالكي، في بيان صحافي، السبت، إنّ “ملف الدرجات الخاصة وما فوق سيُعرض على البرلمان أولاً، ولدينا وقت كافٍ لتثبيت من نجد أنه كفؤ ومؤهل للمنصب”، مشدداً على أنّ “تحالف سائرون ملتزم بإنهاء عمل مناصب الدرجات الخاصة في الـ30 من يونيو المقبل، عبر كافة السبل والآليات القانونية والدستورية التي نصّت عليها القوانين النافذة”.
من جهتها، قالت عضوة لجنة النزاهة البرلمانية، عالية نصيّف، إنّ “هناك سباقاً محموماً بين الكتل السياسية للاستحواذ على مناصب المديرين العامين ووكلاء الوزراء”، معتبرة، في تصريح صحافي، ذلك “مؤشراً خطيراً سيحمي الفاسدين”. وأكدت أنّ “الكتل السياسية ترغب في الاتفاق على توزيع المناصب الأساسية في الوزارات فيما بينها، ومن ثم بعد ذلك يتم الاتفاق على الوزراء للحقائب الشاغرة بسلة واحدة”، مضيفة “إذا أرادت الحكومة حقاً مكافحة الفساد فعليها إبعاد الكتل السياسية عن السباق للاستحواذ على مناصب مؤسسات الوزارات التنفيذية”.
ويحذّر مراقبون من خطورة هذا الملف، ومن أنّ الصراع بشأنه قد يجعل من حكومة عبد المهدي حكومة وكالات كحكومة نوري المالكي. وقال الخبير السياسي حازم الدفاعي، لـ”العربي الجديد”، إنّ “إلقاء عبد المهدي الكرة في ملعب الكتل السياسية بشأن المناصب الثانوية، لا يمكن القبول به، إذ إنّ الصراع بشأنها سيشل الدولة بشكل شبه كامل”، موضحاً أنّ “هذا الملف شائك جداً، ولا يمكن إغفاله وتجاوزه”، لافتاً إلى أن “عدداً من الكتل الكبيرة لوّحت بالمطالبة باستحقاقها الانتخابي الذى تنازلت عنه في وقت سابق، في حال لم تحصل على ما تريده من المناصب الثانوية، ما يعني أنّ الملف يهدّد العملية السياسية برمّتها”.
”
تخوّف من أن يؤثر الصراع على هذه المناصب على كافة الملفات ومفاصل الدولة
” ورأى الدفاعي أن “كل الكتل تنبّهت إلى أهمية تلك المناصب، وتخوض اليوم صراعاً احتدم بشأنها”، متوقعاً “أن يؤثر هذا الصراع على كافة الملفات ومفاصل الدولة”. وأشار إلى أنّ “تعطيل هذا الملف وإهماله سيجر البلاد إلى معترك صعب وخطير للغاية، خصوصاً أنّ تلك المناصب تعدّ هي الدولة وهي القرار السياسي بشكل شبه كامل”، داعياً رئيس الحكومة إلى “أخذ دوره وعدم الاتكاء على الكتل السياسية التي قد تُدخله في صراع لا نهاية له”.
يشار إلى أن عدداً كبيراً من المسؤولين الذين يتولون مناصب الدرجات الخاصة بالوكالة (وكلاء الوزراء، المديرون العامون، رؤساء الهيئات والجامعات) يديرون مؤسساتهم منذ سنوات بعيدة، وبعضهم يعود تاريخ تعيينه إلى ولايتي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006 – 2014)، وهو الذي اتُهم من قبل سياسيين عراقيين بمحاولة “تشكيل الدولة العميقة”.
العربي الجديد