أجرت مجلة “ذا أتلانتيك” مقابلة مع السفير الفرنسي لدى واشنطن جيرار أرنو، تناول فيها بصراحته المعهودة العديد من القضايا، أهمها الخطة الأميركية للسلام التي تروج لها الإدارة الأميركية لحل القضية الفلسطينية، والاتفاق النووي مع إيران، والأزمة السورية والتجارة الحرة وغيرها من المسائل التي تشغل الرأي العام العالمي.
وتزامن نشر المقابلة مع اليوم الذي تقاعد فيه أرنو عن العمل بعد خمس سنوات قضاها سفيرا لبلاده في واشنطن.
وعن عملية السلام في الشرق الأوسط، قال أرنو إن الطرف الأقوى في أي مفاوضات جرت بين طرفين عبر التاريخ البشري هو الذي يملي شروطه على الطرف الأضعف.
وتأسيسا على ذلك، يصف السفير الفرنسي خطة السلام -التي صاغها جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره- بأنها اقتراح أقرب ما يكون لما يريده الإسرائيليون.
ويتساءل أرنو: هل مآل هذه الخطة الفشل؟ ويرد بصراحته التي تصل إلى حد الإزعاج -كما تصفها الصحفية يارا بيومي التي أجرت معه المقابلة- بأنها محكوم عليها بالفشل بنسبة 99%.
أحد رهانات الخطة الأميركية للسلام، حسب السفير الفرنسي، أن كوشنر سيغدق بالأموال على الفلسطينيين وأن العرب يقفون وراء الأميركيين (رويترز)
رهانات
لكنه يستدرك قائلا إن نسبة 1% لا ينبغي لأحد أن يغفلها، ذلك أن “ترامب قادر بمفرده على ممارسة الضغط على الإسرائيليين كونه يحظى بشعبية كبيرة في إسرائيل”.
وقاطعته بيومي بالقول إن ترامب لم يضغط على إسرائيل حتى الآن، وأجاب أرنو بأنه قد يفعل إذا تطلب الأمر ذلك.
واستشهد في هذا الصدد بما قاله الرئيس الأميركي لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في إحدى المناسبات إذ أكد له أنه “أعطى الإسرائيليين كل شيء، وسيتعين عليهم أن يردوا صنيعي لهم بشيء”.
ووصف أرنو الرئيس الأميركي بأنه يتمتع بعقلية تقوم على المقايضة في تعاملاته مع الآخرين، معتبرا إياه محبوبا في إسرائيل أكثر من رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وأن الإسرائيليين يثقون في ترامب.
وذكر الدبلوماسي الفرنسي المتقاعد أن كوشنر -الذي يشرف على ملف العلاقات السياسية مع الشرق الأوسط- كان قد أسَرَّ له ذات مرة بأن صفات ترامب تلك هي رهانه الأول في الضغط على الإسرائيليين. أما الرهان الثاني فيتمثل في أن خطته للسلام هي الفرصة الأخيرة للفلسطينيين للحصول على “سيادة محدودة”.
وثالث الرهانات –بحسب جيرار أرنو- التي تعتمد عليها الخطة الأميركية للسلام فتكمن في أن كوشنر “سيغدق بالأموال على الفلسطينيين”، زاعما أن العرب يقفون وراء الأميركيين.
وكشف أن خطة السلام المقترحة تتألف من 50 صفحة، وقيل لهم إنها “بالغة الدقة والإحكام”. واستدرك قائلا إنه مع ذلك لا يعرف تفاصيل عما تتضمنه الخطة، واصفا كوشنر بأنه “جاف الطباع وحاد الذكاء، لكنه يفتقر إلى الجرأة الكافية وغير ملم بالتاريخ”.
وأفصح السفير الفرنسي في المقابلة عن آرائه بصراحة، معتبرا أن دور الولايات المتحدة كشرطي للعالم قد ولَّى، وأن ترامب رجل “فظ وساذج بعض الشيء، إلا أنه محق إلى حد ما بشأن موضوع التجارة الحرة”.
وقال أرنو إنه يشاطر مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون آراءه، واصفا إياه بأنه “مهني بحق” مع أنه “يمقت المنظمات الدولية”.
إيران وسوريا
وكشف أرنو أن ثمة مفاوضات كانت جارية مع الإدارة الأميركية من أجل تكملة جوانب النقص في الاتفاق النووي مع إيران، وأوشكت على التوصل إلى صيغة توافقية، لكن كل شيء تبدد بين عشية وضحاها بقرار من الرئيس الأميركي.
وأشار في هذا الصدد إلى أن ثمة شخصا واحدا فقط هو الذي كان بإمكانه أن يُلزم الولايات المتحدة بالاتفاق ألا وهو دونالد ترامب.
غير أن السفير الفرنسي يرى أن ترامب يبدو واقعيا في بعض القضايا، ولعل أبرزها موقفه تجاه الصراع في سوريا. وقال إن الرئيس الأميركي اتخذ قرار سحب قوات بلاده من هناك دون أن يستشير أحدا، حتى إن جون بولتون لم يكن يدري أن القرار سيُعلن، فحاول مع آخرين تخفيف التبعات الناجمة عنه.
ونعى جيرار أرنو حرية التجارة العالمية، قائلا إن ترامب يمارسها بالطريقة التي تحلو له. وأضاف أن ما يفعله تجاه الصين كان يتعين عليه القيام به بأسلوب مختلف.
وعن اتفاقية التغير المناخي، أوضح أرنو أنه سعى سرا إلى إبلاغ الأميركيين أن الوثيقة في حد ذاتها لا تفرض أي التزامات، لكنهم مع ذلك نقضوها. على أن الأمر المثير للاشمئزاز –حسب تعبير السفير الفرنسي-هو تصريحات ترامب بأن الاتفاقية تفرض التزامات على الأميركيين.
وحول بروز التيار الشعبوي في فرنسا، قال أرنو إن مسألة الهوية بالنسبة له مجرد عرض وليست مرضا. ولفت إلى أن ثمة تشابها بين أنصار حركة السترات الصفراء التي تقود احتجاجات شعبية في فرنسا، وبين الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في انتخابات الرئاسة الأميركية لصالح ترامب.
ووجه الدبلوماسي الفرنسي تحذيرا لكل من يظن أن الأمور في الولايات المتحدة ستعود إلى سابق عهدها ما إن يترك دونالد ترامب منصبه، مشيرا إلى أن ذلك لا يعدو أن يكون وهما. وقال إن هناك اعتقادا خاطئا سائدا في أميركا وفرنسا على حد سواء مفاده أن ترامب حالة “عرضية” وعندما يترك السلطة فإن كل شيء سيعود كما كان من قبل.
واعترف السفير بصراحة غير معهودة لدى الدبلوماسيين عموما، بأن فرنسا “دولة يهودية مسيحية”، مما يعني أنها معادية للمسلمين في الأساس.
المصدر : الجزيرة,أتلانتك