خلال مؤتمر صحافي الخميس الماضي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مخصص لعرض إجراءاته التي اتخذها لحل أزمة الاحتجاجات التي تعرفها فرنسا منذ ما يقرب من ستة أشهر تحت مسمى «السترات الصفر» تطرّق الرئيس إلى قضيتي العلمانية والهجرة، وكلتاهما، كما هو معلوم، تخصّان العرب والمسلمين والأفارقة.
ورغم محاولات التسوية التي قدّمها ماكرون مع مطالب المحتجين الفرنسيين فإنه أكّد المضيّ في «إصلاحاته» وهو ما خيّب آمال المتظاهرين ووعدوا بالعودة إلى الشوارع للاحتجاج بداية من اليوم السبت، أما في موضوع الهجرة فطالب بإعادة النظر في سياستها و«تشجيع التعاون مع افريقيا للحد منها».
الجديد في الخطاب كان حديث ماكرون عن «قيم الجمهورية الفرنسية» وتنديده بانتشار «الطائفية» ووعده بعدم التهاون في مواجهة الذين يريدون فرض «إسلام سياسي يسعى الى الانفصال» عن المجتمع الفرنسي، مقترحا خطوات تتضمن «إغلاق المدارس عندما لا تحترم قوانين الجمهورية» فيما يتعلّق بالنظام العام أو «محاربة الإرهاب».
تصريح ماكرون في مؤتمره الصحافي الأخير والذي قال فيه إنه «لا حاجة لقناع عندما نتحدث عن العلمانية» يستغني عن القناع فعلاً باقترابه من سرديّة اليمين المتطرّف الفرنسي الذي لا يضع بدوره قناعا عندما يريد إعلان كراهيته للعرب والمسلمين والأفارقة والمهاجرين عموما (لكنه يضع القناع عندما يخفي كراهيته لليهود طبعا)، وكذلك بجمعه بين ما يسميه «محاربة الإرهاب» بـ»احترام النظام العام»، وهو، في الحقيقة، الرابط بين خطابه حول كيفية مواجهة الأزمة الناشئة عن احتجاجات «السترات الصفر»، وحديثه المبطّن حول «الإسلام السياسي»، فالمسلمون والعرب والأفارقة هم بالضرورة في صلب حركة «السترات الصفر»، وهم من أكثر المتضررين من «إصلاحات» ماكرون، وبالتالي فإن التصويب على العرب والمسلمين هو طريقة خبيثة لحرف الراكز الاجتماعي الذي تقوم عليه احتجاجات الفرنسيين.
لا عجب طبعاً أن سرديّة ماكرون المتجهة نحو اليمين المتطرّف هي نفسها سرديّة حلفائه العرب في السعودية والإمارات الذين يرفعون شعار مكافحة الإرهاب و«الإسلام السياسي» لدعم الثورات المضادة والجنرالات المتعطشين للقتل والبطش بمن يعترضون على استبدادهم، بغض النظر عن اتجاهاتهم السياسية، وهو أمر يفضح زيف الحديث عن مكافحة «الإسلام السياسي» ويكشف أن المقصود هو إخضاع الشعوب العربيّة بالنار والحديد باعتبار ذلك حلا لمسائل «الهجرة» ونقاء «العلمانية» الفرنسية!
يفسّر هذا، إلى حدّ كبير، التورّط الفرنسي المباشر في دعم الجنرال الليبي خليفة حفتر، ويبرّر، على ما يبدو، لماكرون والإدارة الفرنسية، استهداف المدنيين الليبيين في طرابلس وضواحيها (وقبلها في بنغازي ودرنة) ونزوح عشرات الآلاف منهم، فهؤلاء هم أيضاً «إسلام سياسي» و«إرهابيون» مفترضون يجب القضاء عليهم. لكن كيف يبرر ماكرون مساهمته في إنهاء عملية التسوية السياسية التي يدّعي دعمها وتقويض الحكومة الشرعيّة التي يزعم الاعتراف بها؟
القدس العربي