الربيع لا يزال في سورية داميا، بينما هو “يختال ضاحكا” في الجزائر والسودان، بعد حراكٍ شعبيٍّ أطاح سلطتين شموليتين، وفتح الأبواب لهواء الحرية والتغيير. الأخبار من سورية لا تزال تدور من حول المجازر التي تلاحق الشعب السوري، وليس في الأفق مؤشراتُ تسويةٍ سياسيةٍ فعلية، في حين أن أخبار السودان والجزائر تحمل توافقاتٍ حول الانتقال السلمي، وتشيع أجواءً من الأمل والتفاؤل في عموم المنطقة. والإنجاز الكبير الذي تحقق يتمثل في الاتفاق الذي توصل إليه المجلس العسكري السوداني وقوى إعلان الحرية والتغيير يوم الثلاثاء الماضي، من أجل فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، وعلى أساس برنامج عمل يقوم على تشكيل مجلس سيادة سيتم بالتوافق بينهما، على أن يترك لقوى إعلان الحرية والتغيير تشكيل مجلس وزراء ومجلس تشريعي من ثلاثمائة عضو من هذه القوى وأحزاب وقوى أخرى.
ويشكل هذا الاتفاق نقلة نوعية في مسار الحدث الذي لعبت قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة دورا أساسيا في توجيهه، منذ 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ونجحت بعد انحياز الجيش لها في 11 إبريل/ نيسان الماضي، في إطاحة نظام الرئيس عمر البشير. ويمكن القول إن الثورة السودانية تنفست الصعداء، بعد أن تمكّنت من تخطي العقبة الرئيسية على الطريق، وذلك بفضل عاملين رئيسين: موقف الجيش الذي قرّر الانحياز للشارع، بدءا من الرتب الصغيرة والمتوسطة، وعبّر عن موقفه على نحو صريح، حين أعفى البشير من مهامه. وإصرار قوى الحرية والتغيير على سلمية الحراك، ورفض كل محاولات جرّ الشارع إلى مربع العنف الذي كان نظام البشير يعد العدة له. ولوح البشير مراتٍ باستخدام العنف، ووضع على لسانه المسألة السورية، واستخدمها فزّاعة.
وكانت حصيلة تفاعل هذين العنصرين أن الطرفين قبلا بمبدأ تقاسم السلطة، وقدّما تنازلاتٍ متبادلة. ولذلك سارا باتجاه مرحلة انتقالية تمهد لحياة سياسيةٍ تعددية، تقطع مع حكم الحزب الواحد والنظام العسكري البوليسي الذي شيده البشير على مدى ثلاثين عاما.
كانت الثورة السورية في خلفية الحراكين، الجزائري والسوداني، منذ بدايتهما، وفي حين حاولت قوى الماضي تقديمها بوصفها أم المحاذير، فإن الشارع رفع أعلام الثورة السورية في التظاهرات السودانية والجزائرية. وكان ذلك ردا عفويا ذا دلالات رمزية عالية، فحواها أن الناس لم تنخدع بالدعاية التي سوّقها النظام السوري وحلفاؤه، ولم يُرهبها التلويح بالقوة، بل كان الشارع، في الجزائر والسودان، مستعدا للتضحية، وهذا ما حصل في السودان، حيث سقط عشرات المتظاهرين في صداماتٍ مع أجهزة الأمن. وليس بالأمر الغريب حين يتطلّع الشعب السوري إلى هاتين الثورتين، بوصفهما ولادة فعلية من خاصرة الثورة السورية التي حوّلها النظام وحلفاؤه، الروس والإيرانيون، وإسرائيل، وقوى الثورة المضادة الإماراتية السعودية المصرية، إلى مذبحة.
يقودنا انتصار ثورة السودان، واستمرار الحراك الجزائري السلمي إلى عدة معطيات أساسية. منها أن سورية هي مختبر الربيع العربي الذي يتواصل موجةً وراء أخرى، وكل موجة، هي بالضرورة، أقوى من سابقاتها، وأكثر عمقا وتأثيرا. وهذا هو سبب فرحنا ومصدر تفاؤلنا، نحن السوريين، بأن مستقبل الثورة السورية سوف يكون مشرقا، على الرغم من كل التضحيات والآلام. والمعطى الثاني أن على كل من يريد أن يغلق الملف السوري أن يأخذ العبرة من ثورتي السودان والجزائر، ولا بد أن يضع في حسابه أن المستقبل للسوريين الذين ثاروا وليس للنظام، ومن يسنده من قوى الاحتلال. والمعطى الثالث أن انتصار ثورة السودان ضربة كبيرة لقوى الثورة المضادة التي تعمل من أجل دفن الربيع.
العربي الجديد