المنطقة أمام خطر “ربيع عربي” جديد

المنطقة أمام خطر “ربيع عربي” جديد

بعد أن أودت جائحة كورونا باقتصاديات الدول العربية المتعثرة، ها هي الحرب في أوكرانيا تلقي بظلالها على المشهد لتزيد الأعباء على القدرة الشرائية المنهارة أساسا في معظم البلدان العربية، إضافة إلى تأثر الأمن الغذائي للدول التي تعتمد على قمح أوكرانيا وروسيا في صورة تعيد إلى الأذهان انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008 والتي كانت واحدا من عدة أسباب مباشرة حركت ثورات ما سمي بالربيع العربي. الشعوب العربية لم تنتفض من أجل الحرية والديمقراطية كما يسوق الإعلام الغربي، بل دفعت بها الظروف الاقتصادية الخانقة إلى الانسياق نحو المطالبة برحيل الأنظمة الفاسدة التي لم يعد بإمكانها توفير حصة من الفساد لشعوبها. ولكن سرعان ما اتضح للجميع أن الأنظمة، وبالرغم من فسادها، كانت أرحم من التغيير الذي لم يزد الأوضاع إلا تدهورا.

كان الربيع العربي مجرد ثورة بطون خاوية اختبأت في ثوب شعارات الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية. ويؤسفني القول إن الهبة الشعبية في الدول التي حصلت فيها ثورات الربيع العربي حركتها الأزمة الاقتصادية، ولم تكن الديمقراطية في قائمة أولويات البسطاء والفقراء الذين يمثلون الغالبية التي خرجت إلى الشارع.

الظروف الراهنة والأزمة الاقتصادية العالمية التي يمر بها العالم جراء مخلفات الجائحة تخلقان اليوم نفس الظروف والأسباب التي حركت الشارع العربي في العام 2011، حيث تعاني اقتصاديات غالبية الدول العربية من ركود في التنمية مرفق بتضخم عال يعكس مدى التأثر بالإغلاق الذي دام عامين بسبب الحالة الوبائية. وما زاد الطين بلة هو دخول القوى العظمى في صراع اقتصادي نجم عنه مزيد من المتاعب طالت المنطقة العربية، وذلك نظرا لارتباطها بالأسواق العالمية وغياب الاكتفاء الذاتي في معظم دولها.

ويكفي هذا سببا لتتخوف الحكومات من تكرار كابوس عام 2011، لأن الجوع بإمكانه التغلب على الخوف.

لا يمكن للحكومات العربية أن تحلم بالاستقرار السياسي ما دام أمنها الغذائي مرتبطا بأجندات ومصالح القوى الغربية، لهذا فإن أية أزمة اقتصادية عالمية جديدة قد تمهد لربيع عربي جديد، سيكون أعنف مما سبقه، سينجم عنه ابتزاز تمارسه القوى الغربية التي تريد قطع الطريق أمام روسيا الراغبة في ضم العالم العربي إلى قطبها الجديد، وهذا ما يعني أن المنطقة العربية قد تتحول إلى ساحة صراع نفوذ، يستعمل فيها الأمن الغذائي كسلاح.

مخطئ من يظن أن العالم العربي في منأى عما يحدث من صراع غربي – روسي؛ القوى الغربية لن تترك الفرصة لروسيا لتشكيل حلف مع العرب، وستعمل على استغلال انعدام الأمن الغذائي والظروف الاقتصادية التي تمر بها دول صديقة لروسيا لزيادة الضغط، وكف يد هذه الأخيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا، ولن يتوانى الغرب عن دعم الفوضى في الدول العربية المقربة من روسيا تحت مسمى الديمقراطية والحرية.

العرب