رغم مرور أكثر من عامٍ على اندلاع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لا تزداد الأمور إلا تصعيداً، ولا تكف جبهات الحرب عن الاتساع، حتى يكاد لا يمر يومٌ إلا وتكون مواجهة جديدة قد بدأت، وحلبة أخرى للصراع تشهد قتالاً لا يتوقف إلا لالتقاط الأنفاس. ويبدو أن الولايات المتحدة تتخوف من تقنيات هواوي على أمنها القومي، وهذا ما يثير حفيظة الرئيس ترامب ويرفع من حدة الإجراءات القاسية، التي نفذها ضد شركة الهواتف الصينية.
ومطلع الشهر الجاري، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عدم التزام الصين بالاتفاقات التي تم التوصل إليها، خلال الجولات السابقة من المفاوضات، وقرر بناءً على ذلك بدء تطبيق تعريفات مضاعفة، وصلت نسبتها إلى 25%، على ما قيمته 200 مليار دولار من المنتجات الصينية.
ثم ما لبث ترامب أن أعلن حالة الطوارئ الاقتصادية، مفوضاً وزير التجارة في منع إتمام صفقات “تمثل خطراً على الأمن القومي الأميركي”، وكان واضحاً استهدافه لشركة هواوي الصينية، وأكثر من 70 شركة أخرى على صلةٍ بها.
وفي الوقت الذي ألغى فيه ترامب التعريفات الجمركية المفروضة على كل من كندا والمكسيك، وأجل لمدة ستة أشهر على الأقل تطبيق التعريفات الجمركية على السيارات الأوروبية واليابانية، استمرت الإدارة الأميركية في التضييق على شركة هواوي، فضمتها إلى “قائمة الكيانات”، الأمر الذي يعني ضرورة حصول الشركات الأميركية على موافقة خاصة قبل بيعها تقنياتها الحديثة للعملاق الصيني.
وتتعامل الولايات المتحدة مع شركة هواوي باعتبارها مصدر قلق للأمن القومي، إلا أنها لا تستطيع تجاهل العلاقات التجارية الوثيقة التي تجمعها بالشركات الأميركية، التي يمكن ترجمتها إلى مليارات الدولارات من المشتريات الصينية من الشركات الأميركية، حيث تستورد الصين من الرقائق الإلكترونية، ما تفوق قيمته إجمالي ما تستورده من النفط الخام كل عام.
وأكثر ما يقلق الأميركيين هو علاقة الشركة، ومؤسسها ورئيسها رجل الأعمال المهندس الذي عمل بجيش التحرير الصيني من قبل، في الحزب الشيوعي الصيني. وهددت واشنطن بوقف التعاون الاستخباراتي مع حلفائها، الذين لا يحظرون أجهزة هواوي من شبكات الجيل الخامس المحمولة.
وفي ضربة قوية لهواوي، تسببت ضغوط الإدارة الأميركية في حجب عملاق التكنولوجيا الأميركي “غوغل” نظام التشغيل الخاص به “أندرويد” عن تلفونات هواوي، الأمر الذي أصاب الشركة في مقتل، إذ كانت تستعد للإعلان عن آخر صيحة من تلفوناتها في احتفال خاص في العاصمة البريطانية لندن، الأسبوع الماضي.
ويقول رو بيخا خبير صناعة الاتصالات، إنه “رغم الظهور المبهر لهواتف هواوي الجديدة، إلا أن عدم التيقن في ما يخص مستقبل علاقتها بـ”غوغل” و”أندرويد”، سيجعلها خارج خطط الكثير من المشترين المحتملين”.
ومن المتوقع أن يؤثر قرار “غوغل” على مبيعات هواتف هواوي الذكية، على الأقل خارج الصين، بصورة كبيرة. وفي 2018، باعت هواوي ما يقرب من نصف مبيعاتها من الهواتف الذكية، البالغة 208 ملايين هاتف، خارج السوق الصينية.
واستبعد اثنان من أكبر مشغلي شبكات الهاتف المحمول البريطانية، هما إي إي EE، وفودافون، شركة هواوي من مقدمي خدمات الجيل الخامس على شبكتيهما، بعد فرض الحظر الأميركي على الشركة، رغم وجود خطط سابقة بإشراكها.
وأعلنت شركتان من أكبر مقدمي خطوط الهاتف المحمول في اليابان، هما سوفتبنك و”كيه دي دي آي ـ KDDI” تأجيل طرح هواتف هواوي الجديدة، كما أوقفت مصممة الرقائق البريطانية “ايه آر أم ـ ARM” شحناتها للشركة، لنفس الأسباب.
ولم تكتف الولايات المتحدة بكل ما سبق، إذ تعد حالياً خططاً جديدة لوضع المزيد من القيود على الصادرات الأميركية ذات التقنية العالية، إلى الصين.
وتتجه وزارة التجارة الأميركية إلى إلغاء التشريعات التي كانت تسهل تصدير منتجات أميركية، مما لها استخدامات عسكرية ومدنية في ذات الوقت. وبدلاً من السماح المسبق بتصدير تلك المنتجات لأغراض غير عسكرية، تنوي الوزارة اشتراط دراسة كل حالة على حدة، قبل السماح بالتصدير، وهو ما سيزيد من صعوبات حصول الصين على التقنيات الأميركية الحديثة.
ويرى البعض أن أهم ورقة تملكها الصين هي سندات الخزانة الأميركية، التي يشبهونها بـ”الخيار النووي”، إذ تعد أكبر حائز لتلك السندات بين دول العالم، وبرصيد يتجاوز 1.120 تريليون دولار، تمثل ما يقرب من 17% مما تملكه كافة دول العالم مجتمعة من سندات الخزانة الأميركية.
في حالة قيام الصين ببيع تلك السندات، وهو ما يعتبر من أصعب المهام، ولا يمكن إتمامه إلا على فترة طويلة تمتد لشهور، سيتسبب ذلك في ارتفاع كبير في معدلات الفائدة الأميركية بصورة كبيرة، وهو ما سيسبب مشاكل جمة للاقتصاد الأميركي.
لكن التحليلات الأخيرة تشير إلى صعوبة إقدام الصين على بيع ما بحوزتها من سندات، كخطوة انتقامية ضمن الحرب التجارية، وإلا لأصبحت كمن يطلق النار على قدميه. فمن ناحية سيتسبب ارتفاع معدلات الفائدة في مشاكل كبيرة للاقتصاد الصيني، الذي لم يتعاف بعد من أزمة الصيف الماضي ومن تبعات الحرب التجارية، كما أن الصين لن تعثر على أصول أخرى تسمح لها باستثمار دولاراتها الناتجة عن عملية البيع.
ويقول نيراج سيت، مسؤول الائتمان ببنك الاستثمار العملاق بلاك روك، إن “احتمالات لجوء الصين إلى هذا البديل ضعيفة جداً، ولا توجد بدائل كافية من الأصول المنعدمة المخاطر، وسندات الخزانة الأميركية تمنح أعلى عائد بين الدول المتقدمة”.