على خلفية التصعيد الأمريكي-الإيراني الذي جاء نتيجة فرض واشنطن عقوبات اقتصادية على إيران وتصنيف حرسها الثوري إرهابيا، وإرسال مجموعة سفن حربية بقيادة حاملة الطائرات “أبراهام لينكولن” رفقة قاذفات من طراز “بي 52” إلى منطقة الخليج بسبب “تهديدات إيرانية” للقوات الأمريكية وحلفائها. وما رافق ذلك من أعمال إيرانية عسكرية بواسطة حلفائها في الإقليم
أعلن رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، أنه سيزور قريبا كلا من واشنطن وطهران لبحث أوضاع المنطقة على خلفية التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.وقال عبد المهدي، في مؤتمر صحفي أسبوعي عقده اليوم الثلاثاء: “سأزور واشنطن وطهران قريبا لبحث أوضاع المنطقة”.واعتبر عبد المهدي أن “تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير تصريح تهدئة”، لافتا إلى أن زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لبغداد “حملت موقفا واضحا”.وأضاف رئيس الوزراء العراقي: “تحركنا نحو التهدئة لتجنيب العراق تداعيات العقوبات على طهران”.وأكد: “بينا وجهة نظرنا في مسألة العقوبات، وكان من المفترض رفعها… إذا استمر هذا الأمر قد نصل إلى تصعيد يضر الجميع”.
ويرى المراقبون للشأن العراقي أن جولة عبد المهدي الى واشنطن تحديداً ستحمل ملفات أمنية وسياسية واقتصادية عدة، ويتوقع أنها ستؤسس لعلاقة مستقرة وواضحة مع الأميركيين، خاصة في ما يتعلق بالوجود العسكري الأميركي في العراق. ولفتتوا إلى أن الحديث الأكيد اليوم هو أن العراق سيحصل قريباً على إعفاء من العقوبات الأميركية على إيران لـ90 يوماً أخرى على أقل تقدير قابلة للتجديد.
وأشاروا إلى أن ذهاب عبد المهدي وفريقه الوزاري إلى إيران ثم الولايات المتحدة، سيحمل رسالة واحدة، وهي عبارة عن رجاء بأن يبقى العراق بعيداً عن الصراع الحالي، ومنحه الاستثناء الذي يرتبط بوضعه الأمني والسياسي الهش. وقالوا إن العراق دخل في محور عقلاء أو دعاة سلام في الأزمة الحالية التي تعيشها المنطقة، وهو سيتحرك بهذا الإطار.
ومع تزايد حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة، قررت بغداد عدم الاكتفاء بالحديث عن سياسة النأي بالنفس عن الصراعات، والدخول كوسيط لإنهاء الأزمة بين الطرفين. ويشكل العراق ملتقى استثنائيا للولايات المتحدة وإيران المتعاديتين فيما بينهما والمتحالفتين مع بغداد.فهل ينجح العراق في مسعاه لإبعاد شبح الحرب عن المنطقة؟
تنتهج حكومة عادل عبد المهدي سياسة معلنة وواضحة ترى ضرورة إبعاد العراق عن دائرة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران التي تمثل الساحة العراقية أكثر من غيرها ساحة لتصفية الحسابات بينهما، سواء مباشرة أو عن طريق وكلاء.وتسعى بغداد إلى التوفيق بين علاقاتها مع واشنطن وطهران بنوع من التوازن وعدم الانحياز إلى أي منهما مداراة لمصالحها العليا بتجنيب العراق الدخول في صراعات الدول الأخرى بالوكالة.ويرفض عبد المهدي دخول العراق في سياسة المحاور إلى جانب دولة ضد أخرى، مع حرص بلاده على إقامة علاقات متوازنة مع الجميع بما يخدم مصالح العراق ومصالح الدول الأخرى.
وانطلاقا من هذه التوجهات جاء العرض بتوسط بغداد بين واشنطن وطهران، إلا أن توجهاتها تصطدم بواقع وجود جهات متنفذة في مراكز القرار ومؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والتشريعية تصطف إلى جانب السياسات الإيرانية ضد الولايات المتحدة.ونقلت وسائل إعلام محلية عن نائب الأمين العام لحركة النجباء قوله إن ما سماها “فصائل المقاومة العراقية” جاهزة لاستهداف المصالح الأميركية في الوقت المناسب.وفي السياق نفسه، تحدث أحد أبرز قيادات حركة عصائب أهل الحق الحليفة لإيران عن أن القوات الأميركية المنتشرة في المحافظات العراقية سوف لن تكون في مأمن إذا تعرض محور المقاومة لضربات أميركية إسرائيلية.ووفقا لتصريحات عبد المهدي خلال الأيام الأخيرة، فإنه يبذل جهودا كبيرة للتهدئة، مع مؤشرات من كلا الطرفين على أن الأمور ستنتهي إلى خير.
وفي حال وقع الصراع بين طهران وواشنطن يميل معظم المراقبين إلى أن العراق سيكون أول ساحة قتال محتملة.وحذرت واشنطن مؤخرا من الرد على إيران مباشرة إذا هوجمت قواتها ومصالحها في العراق أو في المنطقة، في مقابل تحذيرات إيرانية من ردود قاسية على الولايات المتحدة والدول الحليفة لها.وتحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري لأكثر من 5200 جندي يتوزعون على ثماني قواعد عسكرية في العراق، من بينها قواعد في إقليم كردستان من المحتمل ألا تعترض حكومة الإقليم على استخدامها من قبل الأميركيين ضد إيران.
وتتحسب إيران من استخدام الولايات المتحدة كردستان قاعدة حرير العسكرية في أربيل، لشن هجمات على منشآت أو مدن إيرانية أو استهداف القوات الحليفة لها في العراق.وحذر قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي في تصريحات أدلى بها من أن أراضي كردستان العراق ستكون تحت رحمة الصواريخ الإيرانية حال استخدام أراضي الإقليم منطلقا لضرب إيران.
وسبق لنائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط خلال زيارته لأربيل مؤخرا أن طلب بشكل صريح من حكومة الإقليم والقيادات السياسية في الحزبين الكرديين وقف التعامل مع إيران، كجزء من الحملة التي تقودها واشنطن ضد طهران.وفي السياق، أعلن التحالف الدولي للحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في 14 من الشهر الجاري حالة تأهب قصوى بسبب تهديد وشيك للقوات الأميركية بالعراق رغم إعلانه في وقت سابق أن الحرب على إيران ليست من مهامه.
السياسات الأميركية الجديدة تتضمن تحميل إيران المسؤولية المباشرة عن أي هجمات تشنها جماعات أو منظمات حليفة لطهران ضد مصالح الولايات المتحدة، وهو ما يثير قلق العراق ولبنان وسوريا، وهي دول تنشط فيها مجموعات مسلحة حليفة لإيران.وتصاعدت حدة التوترات الأميركية الإيرانية بعد تلقي الإدارة الأميركية معلومات استخبارية إسرائيلية عن مخطط إيراني لاستهداف جنود أميركيين في العراق أو في قاعدة التنف العسكرية في سوريا بواسطة مجموعات مسلحة عراقية.
وتنتشر وحدات عسكرية تابعة للحشد الشعبي في محافظة الأنبار وتسيطر على مسافات طويلة من الحدود العراقية السورية. وتتخوف الولايات المتحدة من تزويد إيران بعض المجموعات العراقية بصواريخ متوسطة أو بعيدة المدى لاستهداف القوات الأميركية ومصالحها في العراق، وفي سوريا أيضا.ووفقا لتقارير إعلامية وتصريحات لمسؤولين أميركيين، فإن إيران سبق أن زودت فصائل مثل عصائب أهل الحق وحركة النجباء وحزب الله العراق بصواريخ يصل مداها إلى 300 كلم وأخرى بمديات 150 و210 كلم يمكن أن تصل إلى الأهداف الأميركية في العراق وسوريا.
لكن ماذا لو فشلت الوساطة العراقية؟ يقول الأكاديمي والكاتب السياسي، الدكتور “دياري الفيلي”، أن: “هناك قوى وشخصيات راديكالية موجودة في الولايات المتحدة وإيران، وما يخشى منه أن تكون لهذه الشخصيات الراديكالية الكلمة النافذة، وبالتالي يمكن أن تخرج الأمور عن سياقها الطبيعي وتفشل كل محاولات الوساطة التي يقوم بها الجانب العراقي، من أجل نزع فتيل الأزمة بين طهران وواشنطن”.
مضيفًا: “إن السيد عادل عبدالمهدي؛ بدأ يدرك حقيقة هذا التصور، وصار يتحرك في مسارين متوازيين، الأول يبدأ من نقطة التعويل على فكرة إمكانية أن يطرح العراق مشروعًا للتقريب بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، والمسار الآخر يكمن في الاستعداد لإمكانية زيادة التوتر بين واشنطن وطهران، على اعتبار أن العراق سيكون الساحة الأكثر تأثرًا جراء حدة الإشتباك بين الطرفين، خاصة إذا ما علمنا أن رئيس الوزراء العراقي بدأ يرسل رسائل واضحة المعالم مفادها أن هناك قوى على الأرض العراقية، تعمل لمصلحة إيران، وقد تقوم بخطوات غير مدروسة وإنفعالية، تساهم في تأجيج المشكلة وتدفع بالجانب الأميركي في إتخاذ خطوات عسكرية”.
وحول إمكانية نجاح زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى “طهران” و”واشنطن” من أجل التهدئة، يقول “الفيلي”، أن: “العراق لا يملك خيارات كثيرة، ولابد له من القيام بخطوة سياسية تلعب الدور الكبير في إضفاء نوع من المسؤولية تجاه ما يحدث، كون من مصلحة العراق التحرك وبخطوات متسارعة، وعليه تفعيل مبادرات دبلوماسية، لا أن يتحول إلى ساعي بريد بين الولايات المتحدة وإيران، ونقطة الإشكال الحقيقية تكمن في الدور الذي يتوجب على العراق أن يقوم به، فهل هناك فعلًا إستراتيجية واضحة المعالم ومتفق عليها بين القوى السياسية العراقية ؟.. هل عندنا مشروع يشكل رؤية إنطلاق لإجماع وطني يستطيع من خلاله رئيس الوزراء العراقي وحكومته ممارسة دور الوساطة بين هاتين القوتين المؤثرتين على المشهد السياسي العراقي ؟”.معتقدًا “الفيلي”: “أنه لا يوجد لدى العراق خيار آخر غير ممارسة هذا الدور، وإذا ما فشل العراق في لعب دور الوسيط؛ فإن النتائج ستكون كارثية على العراق على المدى القريب”.
في الوقت ذاته؛ حذر تقرير نشره معهد “بروكنغز” الأميركي للأبحاث؛ من أن التوترات بين “الولايات المتحدة” و”إيران” يمكن أن تؤدي إلى “تدمير السلام الهش في العراق”. ويقول التقرير، الصادر عن فرع المعهد في “قطر”، إن على “الولايات المتحدة” أن تدرك حجم الأزمة التي يمكن أن يواجهها “العراق” إذا وقعت صدامات مع عملاء إيرانيين في هذا البلد.
ووفقًا للتقرير، فقد يؤدي ذلك إلى سلسلة من العواقب غير المقصودة التي قد ينجم عنها إراقة الكثير من الدماء داخل “العراق” وإحياء الصراع الطائفي وعودة تنظيم (داعش)، حيث أنه من شأن الصراع بين “الولايات المتحدة” و”إيران”، على الأراضي العراقية، أن يدمر التوازن السياسي الصعب الذي نشأ بعد انتخابات العام الماضي؛ والهزيمة الإقليمية لتنظيم داعش الإرهابي.ويشير كاتب التقرير إلى أن إجماع تقاسم السلطة في “العراق” لا يزال هشًا وضعيفًا إلى حد أن أي إختلال كبير يمكن أن يؤدي إلى انفجار سياسي في “بغداد”.
وسيؤدي، عدم الاستقرار في “العراق”، إلى إزدهار بيئة تفضلها الميليشيات المسلحة المدعومة من “إيران”.ومن شبه المؤكد أن يفضي هذا الإنهيار إلى اشتباكات فتاكة قد تقود في النهاية إلى حرب أهلية.ويرى التقرير أن مجموعات الميليشيات الشيعية في “العراق”، مثل كتائب “حزب الله” و”حركة النجباء” و”عصائب أهل الحق”، أثبتت نفسها كجهات فاعلة عابرة للحدود الوطنية تمتد طموحاتها وقدراتها القتالية إلى ما وراء الحدود الإقليمية. فهل يوقف العراق طبول الحرب بين واشنطن وطهران؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية