ملخص على الرغم من التطور السريع للعلاقات السياسية بين إيران وسوريا منذ ثمانينات القرن الماضي؛ فإنها لا تفسر سمتين بارزتين تتسم بهما العلاقات التجارية بين البلدين؛ السمة الأول هي ضعف حجم التبادل التجاري بشكل عام بين البلدين على الرغم من قوة العلاقات السياسية, وأما السمة الثانية فهي اختلال ميزان التبادل التجاري لصالح إيران؛ إذ هيمنت الصادرات الإيرانية إلى سوريا على التعاملات التجارية بين البلدين، حتى إن استمرت الصادرات السورية إلى إيران في النمو بداية من الألفية الثانية؛ وذلك مع شروع دمشق في تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي. ومن هنا, نتتبع في القسم الأول من هذه الدراسة المسحية الموجزة مظاهر الاختلال التي اتسمت بها العلاقات التجارية بين البلدين حتى قبل الثورة السورية، وأما القسم الثاني من الدراسة فنرصد فيه حالة الاختلال المستمر والمتسارع الذي باتت تتسم به العلاقات التجارية بين طهران والنظام السوري لصالح الأولى بعد اندلاع الثورة السورية. وأخيرًا, نحاول استشراف شكل العلاقات الاقتصادية بين البلدين خلال السنوات القادمة. |
على الرغم من قوة العلاقات السياسية والعسكرية بين الطرفين وتطورها فعليًّا منذ ثمانينات القرن الماضي (حتى لو تعرضت لمنعطفات) بقيت العلاقات التجارية والاقتصادية بين الطرفين -بشكل عام- ضعيفة، ولا ترقى إلى سمة “الاستراتيجية” التي تتصف بها علاقات البلدين منذ عقود، وظل هذا الاتجاه مستمرًّا خلال السنوات الماضية حتى اندلاع الثورة السورية (2011)؛ التي كانت نقطة تحوُّل أصبحت سمتها البارزة السيطرة المتزايدة لإيران على الاقتصاد السوري، التي بدأت في الظهور منذ العام الثاني للثورة.
وتعود أهمية سوريا الاقتصادية لإيران إلى ثلاثة عوامل:
-
العامل الأول: الحاجة إلى إنقاذ الاقتصاد السوري بشكل مباشر وغير مباشر لتلافي انهياره؛ الذي سيؤدي إلى انهيار الدولة.
-
العامل الثاني: تعزيز إيران لوجودها في سوق يمكن له أن يمتصَّ صادراتها غير النفطية.
-
العامل الثالث: ما تمثله الجغرافيا السورية من أهمية لخطط تصدير الغاز الإيراني إلى منطقة شرق المتوسط وأوروبا مستقبلاً.
القسم الأول
أولاً: تاريخ العلاقات التجارية بين إيران وسوريا حتى نهاية القرن العشرين
أثناء الحكم الملكي الإيراني
بدأت العلاقات الاقتصادية بين طهران ودمشق بين نهاية ستينات القرن الماضي والنصف الأول من سبعيناته، ووفقًا للهيئة الاستثمار السورية وُقِّعت أول اتفاقية اقتصادية بين الطرفين في 21 من أغسطس/آب 1969(1)، وكان للمفارقة العام نفسه الذي يُشار فيه إلى حدوث تدهور في العلاقات بين البلدين؛ وذلك عندما كشف الجانب السوري عن نشاط شبكة استخبارية إيرانية في بلاده.
أما مؤسسة تنمية التجارة الإيرانية فتتحدث عن توقيع أول اتفاقية اقتصادية بين الطرفين في يوليو/تموز 1974، ودخولها حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 1975، أثمرت هذه الاتفاقية التي جاءت بعد عدد من الزيارات الوزارية رفيعة المستوى عن إعطاء إيران سوريا قرضًا بقيمة 150 مليون دولار، وتقديم 50 مليون دولار لها لتمويل مشروعات زراعية وصناعية في عام 1974، وفي العام التالي قدمت إيران لسوريا قرضًا بقيمة 300 مليون دولار(2).
بعد عقد هذه الاتفاقية, تركزت الصادرات الإيرانية إلى سوريا على عربات النقل، وفي المقابل تركزت الصادرات السورية إلى إيران على الفوسفات, والفواكه, وغيرهما من السلع(3).
منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية
شهدت العلاقات الاقتصادية بين الطرفان تطورًا بعد قيام الثورة وتأسيس الجمهورية الإسلامية؛ وذلك في إطار التقارب السياسي بين النظامين الإيراني والسوري على خلفية الحرب الأولى مع العراق، وفي مارس/آذار عام 1982 وصل وفد سوري رفيع المستوى إلى إيران لتطوير مجالات التعاون الاقتصادي والسياسي، وأبرم الطرفان مجموعة من الاتفاقيات التجارية والنفطية لتكون الأولى من نوعها بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية.
كان أهم ما جاء في الاتفاق السابق ذكره, تصدير إيران لسوريا 9 ملايين طن من النفط سنوياً مقابل تصدير سوريا لإيران 300 ألف – 400 ألف طن من الفوسفات لعام واحد ثم تقوم برفع حجم صادراتها إلى مليون طن لاحقاً (للوفاء بكامل احتياجات قطاع البتروكيماويات الإيراني). وصرح مسئولون إيرانيون آنذاك بأن جزءاً من النفط الإيراني المصدر سيكون قائماً على نظام المقايضة (2.7 مليون طن) وأما الجزء الثاني (6.3 مليون طن) فلم يكن خاضعاً لذلك النظام (ثم كشفت مصادر غربية أن سوريا كانت تشتري النفط الإيراني بسعر 28 دولاراً للبرميل في مقابل سعر الأوبك الرسمي الذي البالغ 34 دولاراً في ذلك الوقت) (4).
ثم في العقد التالي, في 24 من سبتمبر/أيلول 1990, اتفق الطرفان على إنشاء شركات مشتركة في مجالات استثمارية مختلفة؛ خاصة في قطاع المقاولات، ثم عقدت اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين جلستها الأولى قرب نهاية النصف الأول من عام 1996(5).
ثانيًا: التبادل التجاري بين البلدين منذ تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي في سوريا
شرعت دمشق بمطلع العقد الماضي في تحرير اقتصادها للانتقال به من نظام مركزية التخطيط والاعتماد على الريع النفطي إلى اقتصاد حر، ومعتمد على مصادر دخل غير ريعية بتنمية صادراته غير النفطية، وفي هذا السياق وضع النظام السوري أسس سياسات التحرير الاقتصادي تلك في الخطة الخمسية التاسعة (2000)، وعلى الرغم من التطور الملحوظ الذي عكسه أداء الاقتصاد السوري بعد الشروع في تطبيق تلك السياسات؛ فإنها لم تحقق النجاح المطلوب بسبب استمرار الدولة السورية في احتكار قطاع عريض من الصادرات الزراعية، واستمرار وجود عوائق جمركية وغير جمركية عديدة، والأهم, لم يتمكن الاقتصاد السوري من تطوير قطاعات اقتصادية قادرة على إنتاج سلع تصدير ذات قيمة مضافة عالية.
نتج عن سياسات التحرير الاقتصادي ارتفاع نصيب التجارة السلعية من 44.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1999 إلى 64.6% في عام 2007، وارتفعت الصادرات غير النفطية من نسبة 5.4% من حجم الناتج المحلي الإجمالي لتستحوذ على نسبة 19.1%، وتطورت الصادرات غير النفطية السورية نوعيًّا؛ بحيث شكلت السلع الوسيطة والاستهلاكية 50% (أو أكثر) من مجموع الصادرات غير النفطية على حساب المواد الخام في عام 2007، وإجمالاً, نما عدد الصادرات السورية إلى دول العالم بمتوسط سنوي بلغ 16.1% بين عامي 2001 و2006(6).
التبادل التجاري بين البلدين خلال فترة الخطة الخمسية التاسعة في سوريا
كانت معظم الصادرات السورية موجهة إلى الاتحاد الأوروبي؛ ولكن تشير الإحصاءات إلى حدوث تغيير بعد تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي، وبين عامي 2000 و2006 تراجعت حصة الاتحاد الأوروبي من الصادرات السورية من 68.3% إلى 40.2%، وفي المقابل نمت حصة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الصادرات السورية في الفترة نفسها من 7.8% إلى 23.1%، وتعزو دراسة أجراها باحثان بالبنك الدولي ذلك التغير إلى العاملين التاليين: 1- إذا كانت معظم الصادرات السورية لدول الاتحاد الأوروبي قد تركزت على المشتقات النفطية, فيمكن توقُّع ذلك التراجع في سياق انكماش حصة صادرات النفط السورية من مجمل الصادرات بمرور الوقت بعد تطبيق سياسات التحرير والبدء في تنويع الصادرات بعيدًا عن النفط. 2- انضمام سوريا إلى مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في عام 2005(7).
الشكل رقم (1)
تراجع الواردات الأوروبية وتزايد واردات دول الشرق الأوسط من سوريا (2000 – 2008)
المصدر: البنك الدولي |
من الممكن توقُّع تنامي العلاقات التجارية بين دمشق وطهران آنذاك في سياق التحولات السابق ذكرها؛ إذا افترضنا -أيضًا- أن سقوط النظام العراقي في أعقاب الغزو الأميركي قد فتح ممرات نقل بري بين إيران وبين سوريا، ووفَّر المزيد من الخيارات للطرفين في السنوات التالية؛ وذلك على الرغم من اضطراب الحالة الأمنية بالعراق.
تُظهر إحصاءات إدارة الجمارك الإيرانية (تقوم إحصاءاتها على أساس السنة الفارسية التي تبدأ من نهاية شهر مارس/آذار من كل عام) تضاعُف قيمة الصادرات السورية إلى إيران في السنة الأخيرة من الخطة الخمسية التاسعة (2000-2005) مقارنة بالسنة الأولى 4.6 مرة تقريبًا (أي بنسبة 362% تقريبًا).
في المقابل, تُظهر إحصاءات هيئة الجمارك الإيرانية تضاعف قيمة الصادرات الإيرانية إلى سوريا في السنة الأخيرة من الخطة مقارنة بالسنة الأولى 4.8 مرة تقريبًا (أي بنسبة 383.1% تقريبًا).
على الرغم من تقارب نسب نمو صادرات البلدين, فقد كان عجز الميزان التجاري لصالح طهران خلال سنوات الخطة الخمسية التاسعة ضخمًا (بلغ 384% تقريبًا) كما هو واضح من الجدول رقم (1).
الجدول رقم (1): صادرات إيران إلى سوريا ووارداتها منها خلال الخطة الخمسية التاسعة (2000 – 2005)
سنة فارسية – ميلادية |
الصادرات |
وزن الصادرات |
الواردات |
وزن الواردات |
الميزان التجاري(8) |
1379 (2000-2001) |
38,523,721 |
23039 |
1,396,054 |
678 |
37,1 ملايين |
1380 (2001-2002) |
52,475,423 |
28322 |
1,709,427 |
643 |
50,7 ملايين |
1381 (2002-2003) |
62,937,962 |
40085 |
34,716,807 |
435 |
28.2 ملايين |
1382 (2003-2004) |
70,791,615 |
35120 |
3,356,260 |
906 |
67.4 ملايين |
1383 (2004-2005) |
115,673,746 |
44399 |
4,450,361 |
2254 |
111.2 ملايين |
1384 (2005-2006) |
186,127,907 |
56689 |
6,451,796 |
3249 |
179.6 ملايين |
المصدر: إدارة الجمارك الإيرانية + حسابات الباحث. القيمة: دولار أميركي – الوزن: طن متري
الشكل رقم (2)
[المصدر: الكاتب (استنادًا إلى بيانات إدارة الجمارك الإيرانية)[ القيمة: مليون دولار أميركي |
الشكل رقم (3)(9)
[المصدر: الكاتب (استنادًا إلى بيانات إدارة الجمارك الإيرانية)[ الوزن: طن متري |
التبادل التجاري بين البلدين خلال فترة الخطة الخمسية العاشرة في سوريا
امتدادًا للخطة الخمسية التاسعة, استكملت دمشق في الخطة الخمسية العاشرة تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي وتنمية الصادرات غير النفطية، استهدفت الخطة تقليص عجز ميزان المدفوعات إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي, وزيادة الصادرات غير النفطية بمعدل نمو 13% سنويًّا, وزيادة نمو صادرات القطاع الخاص بنسبة 15% سنويًّا(10).
وفقًا لإحصاءات إدارة الجمارك الإيرانية, تضاعفت قيمة الصادرات السورية إلى إيران في السنة الأخيرة من الخطة الخمسية العاشرة مقارنة بالسنة الأولى 2.8 مرة تقريبًا (أي بنسبة 182% تقريبًا)، أما بالنسبة إلى الصادرات الإيرانية إلى دمشق في السنة الأخيرة من الخطة مقارنة بالأولى, فقد تضاعفت 1.6 مرة تقريبًا (أي بنسبة 58% تقريبًا).
وبذلك, يكون العجز التجاري قد زاد بالنسبة إلى الجانب السوري بنسبة 52% تقريبًا في السنة الأخيرة مقارنة بالسنة الأولى من الخطة الخمسية العاشرة لصالح إيران؛ وبذلك يكون معدل نمو عجز الميزان التجاري بين البلدين في تلك الفترة قد تراجع مقارنة بمعدل نمو العجز في فترة الخطة الخمسية التاسعة، وكما هو واضح من الجدول رقم (2), تشير الأرقام إلى تراجع في معدل نمو التعاملات التجارية بين إيران وسوريا في تلك الفترة مقارنة بفترة الخطة الخمسية التاسعة التي سبقتها.
الجدول رقم (2): صادرات إيران إلى سوريا ووارداتها منها خلال الخطة الخمسية العاشرة (2006-2011)
سنة فارسية – ميلادية |
قيمة الصادرات |
وزن الصادرات |
قيمة الواردات |
وزن الواردات |
الميزان التجاري(11) |
1385 (2006-2007) |
236,499,013 |
48872 |
9,311,848 |
6278 |
227.1 ملايين |
1386 (2007-2008) |
330,219,307 |
64504 |
14,986,609 |
8934 |
315.2 ملايين |
1387 (2008-2009) |
316,319,740 |
53602 |
15,972,383 |
7533 |
300.3 ملايين |
1388 (2009-2010) |
378,980,420 |
56584 |
19,941,095 |
12761 |
359 مليونًا |
1389 (2010-2011) |
524,487,651 |
59193 |
29,361,513 |
24011 |
361.6 ملايين |
1390 (2011-2012) |
372,982,770 |
113998 |
26,226,218 |
16456 |
346.7 ملايين |
المصدر: إدارة الجمارك الإيرانية + حسابات الكاتب. القيمة: دولار أميركي – الوزن: طن متري
الشكل رقم (4)
المصدر: الكاتب (استنادًا إلى بيانات إدارة الجمارك الإيرانية)] القيمة: مليون دولار أميركي |
الشكل رقم (5)(12)
[المصدر: الكاتب (استنادًا إلى بيانات إدارة الجمارك الإيرانية)[ الوزن: طن متري |
ثالثًا: حجم الاستثمارات الإيرانية في سوريا إلى ما قبل اندلاع الثورة السورية
وفقًا للتقرير السنوي الخامس (2010) لهيئة الاستثمار السورية, منذ عام 1991 إلى عام 2005, كان لإيران أربعة مشروعات في سوريا بتكلفة استثمارية بلغت أكثر من خمسة مليارات ليرة سوريا؛ وأما خلال الفترة الممتدة من عام 2006 وحتى عام 2010 فاستثمرت إيران في سويا في سبعة مشروعات بتكلفة استثمارية بلغت أكثر من 20 مليار ليرة سوريا(13).
وفقًا لتقارير صحافية, قدَّرت الحكومة السورية الاستثمارات الإيرانية خلال عام 2006 فقط بما يزيد على 400 مليون دولار؛ الأمر الذي جعل طهران ثالث أكبر مستثمر في سوريا بعد السعودية وتركيا، وفي سبتمبر/أيلول 2006 كان مسؤولون من الدولتين قد أعلنوا آنذاك عن خطط لتوسيع مشاريع إيرانية في سوريا بقيمة 10 مليارات دولار على مدى السنوات الست التالية(14).
وقد صرَّح مسؤولون إيرانيون بوصول قيمة الخدمات الفنية والهندسية الإيرانية في عام 2010 (سنة 1389 الفارسية) إلى 2.2 مليار دولار أميركي(15)، وهو العام أيضًا الذي اتفق فيه الجانبان على تأسيس بنك إيراني سوري للصادرات برأس مال مبدئي يصل إلى 30 مليون دولار على أن يستحوذ الجانب الإيراني على 60% منه(16).
القسم الثاني
رابعًا: التبادل التجاري بين البلدين بعد اندلاع الثورة السورية
شكَّلت الثورة السورية نقطة تحولاً في العلاقات التجارية والاقتصادية بين طهران ودمشق؛ وذلك من حيث زيادة اعتماد الثانية على الأولى بصورة دراماتيكية، وبشكل فاقم من عجز الميزان التجاري بين الطرفين، ويمكن فهم حجم هذا التحول بالعودة إلى حجم التبادل التجاري في سنوات ما قبل الثورة؛ فتشير غرفة تجارة دمشق (تابعة للنظام السوري) مثلاً في تقرير قصير لها إلى مسألة ضعف العلاقات التجارية بين البلدين كالتالي:
“بلغت الصادرات السورية إلى إيران ما قيمته 706 ملايين ليرة سورية؛ أي ما نسبته 0.12% من إجمالي الصادرات السورية في عام 2010؛ وهي نسبة ضئيلة جدًّا بالمقارنة مع تطور العلاقات السورية الإيرانية، والاتفاقيات الموقعة بين البلدين”. وفيما يخص الواردات من إيران: “بلغت المستوردات السورية من إيران عام 2010 ما قيمته 14,018.3 مليار ليرة سوريا أي ما نسبته 1.73% من إجمالي المستوردات السورية”(17).
وكانت الثورة السورية دافعًا جيوسياسيًّا قويًّا لطهران لكي تسير في طريق تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية بدمشق؛ التي كانت جزءًا من مشروع إيراني يطمح إلى إنشاء كتلة اقتصادية إيرانية-شرق متوسطية (تضم إلى جانب إيران وسوريا كلاًّ من: العراق, الأردن, ولبنان) في عام 2010(18).
بعد اندلاع الثورة, في إبريل/نيسان عام 2012 عقد الجانبان الإيراني والسوري اتفاقية التجارة الحرة؛ التي نصَّت على خفض الحواجز الجمركية تدريجيًّا؛ وذلك بحيث لا تزيد عن حدود 4% مستقبلاً، وهو ما استُهدف من خلالها آنذاك رفع حجم التبادل التجاري إلى ملياري دولار في الأعوام التالية بحسب ما صرَّح به مسؤولون إيرانيون(19).
في العام التالي, تلقَّت دمشق قرضًا من إيران بلغت قيمته مليار دولار أميركي في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2013 بعد انخفاض إيرادات الحكومة السورية بشكل كبير وبنحو 50% مقارنة بعام 2010، وأدَّى النزاع المسلح والعقوبات الاقتصادية إلى تخفيض العوائد النفطية بنسبة 90%، فضلاً عن تراجع الإيرادات الضريبية من القطاع الخاص؛ انطلاقًا من ذلك، خصصت الحكومة السورية القرض الأول لاستيراد السلع الغذائية، ولدعم الاحتياطي النقدي الرسمي؛ الذي كان يتآكل منذ اندلاع الاحتجاجات بسبب تزايد الإنفاق العسكري(20).
وفي شهر أغسطس/آب 2013 تلقَّت دمشق من طهران قرضًا ثانيًا بلغت قيمته 3.6 مليارات دولار؛ وقد خصصه النظام السوري بشكل أساسي لاستيراد المشتقات النفطية، كما ساعد القرض الثاني في كبح حدة انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار لتجنب انهيار العملة المحلية(21).
ويبدو في العام التالي -أي عام 2014- أن عملية تقليص الحواجز الجمركية (بالإضافة إلى إعفاء واردات القطاع العام من إيران من الرسوم الجمركية والضرائب منذ يناير/كانون الثاني 2014 إلى 2015)(22)؛ مع الدعم النقدي الذي تلقته دمشق، قد انعكس على حجم التبادل التجاري بينها وبين طهران؛ إذ تشير مؤسسة تنمية التجارة الإيرانية إلى صعود حجم التبادل التجاري بين البلدين من 430 مليون دولار في عام 2010 إلى 869 مليون دولار في عام 2014، ولكن وفقًا للملحق التجاري بالسفارة الإيرانية بدمشق علي کاظميني, وصل حجم التبادل التجاري إلى مليار دولار في العام الماضي.
وهناك ما يشير إلى احتمال استيراد سوريا من إيران آنذاك سلعًا تتجاوز قيمتها المليار دولار؛ إذ صرح معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري عبد السلام علي في العام الماضي ببلوغ قيمة واردات سوريا من إيران 422 مليار ليرة سوريا (2.6 مليار دولار)، مُشَكِّلة نسبة 34% من الحجم الكلي للواردات السورية(23).
الشكل رقم (6)
]المصدر: الكاتب (استنادًا إلى بيانات مؤسسة تنمية التجارة الإيرانية)[ القيمة: مليون دولار أميركي |
خامسًا: مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين
بشكل واضح, اكتسبت طهران نفوذًا اقتصاديًّا أوسع في سوريا؛ وذلك بفضل العزلة الاقتصادية التي فُرضت على دمشق دوليًّا في السنوات القليلة الماضية بتضخم قيمة صادراتها إلى سوريا، وتتجاوز المصالح الإيرانية في سوريا -كون الأخيرة سوقًا لصادراتها النفطية وغير النفطية- إلى استحواذها فيها على عدد متزايد من العقارات؛ التي باتت عمليًّا تمثل امتدادًا لسيادة الدولة الإيرانية. تجاريًّا, من المتوقع أن تنعكس خطوة تدشين خطين بحريين مباشرين مع سوريا على حجم التبادل التجاري. واستثماريًّا, مع التوصل إلى اتفاق نووي نهائي ستتوافر لدى إيران تدريجيًّا سيولة دولارية ضخمة ستمكنها من التوسع أكثر.
أما بالنسبة إلى ملف الطاقة, فمنذ سنوات وتتمتع سوريا بأهمية جيو-اقتصادية كبيرة لدى طهران؛ التي خططت لتصدير الغاز الطبيعي الإيراني إلى شرق منطقة البحر المتوسط، ثم إلى جنوب شرق أوروبا مستقبلاً(24)؛ ولكن مع اشتداد الحرب في سوريا, تراجعت فرص مد أنبوب الغاز إلى سوريا؛ ولكن من جهة أخرى, استمر مشروع مدِّ خط الغاز إلى الأراضي العراقية؛ الذي كان مخططًا انتهاؤه وبدء تصدير إيران لغازها من خلاله، بين مايو/أيار ويوليو/تموز 2015.
بشكل موجز, يمكن التنبؤ بمستقبل المصالح الاقتصادية الإيرانية في سوريا من خلال السيناريوهات التالية:
-
السيناريو الأول (سقوط النظام السوري): في حال سقوط النظام السوري على يد المعارضة السورية المسلحة في سياق الصراع الصفري الذي تشهده سوريا حاليًّا؛ فإن إيران ستفقد كليًّا مصالحها الاقتصادية في سوريا لصالح المعارضة والأطراف الإقليمية الداعمة لها.
-
السيناريو الثاني (التوافق السياسي): وفقًا لهذا السيناريو, ستتمكن إيران من الحفاظ على جزء معتبر من مصالحها الاقتصادية في سوريا؛ سواء كسوق تصدير لسلعها، أو استحواذها بقدر ما ستمتلكه من أوراق مساومة على طاولة المفاوضات؛ وعلى هذا الأساس, ربما تشارك طهران في عملية إعادة الإعمار؛ وذلك إلى جانب بقية الأطراف الإقليمية المناوئة بعد الخروج بتسوية سياسية بين جميع الأطراف، أما فيما يخص ملف الطاقة؛ فالاضطراب الأمني الذي من المتوقع أن يستمر طويلاً (مع تفكك تنظيم الدولة وتحوله إلى مجموعات عنقودية) قد يقلل من فرص نجاح مشروع خط الغاز؛ حتى لو تم إنشاؤه (وذلك إذا افتُرض أيضًا غياب معارضة مؤثرة من قبل القوى الإقليمية المنخرطة في الصراع حاليًّا).
-
السيناريو الثالث (التفكك والتقسيم): تبعًا لسيناريو تقسيم سوريا عرقيًّا/مذهبيًّا إلى دويلات, ستتمكن إيران من تعزيز تمددها الاقتصادي في الشريط الساحلي العلوي (وبذلك يكون اقتصاد الدويلة العلوية تحت احتكار ثنائي من قبل إيران وروسيا)؛ وربما الكيان الكردي بالشمال الشرقي؛ إلا أنها لن تتمكن من مد أنبوب الغاز من العراق إلى الكيان العلوي وفقًا لخطتها القديمة.
____________________________________
الهوامش والمصادر
1- هيئة الاستثمار السورية, التقرير السنوي السادس للاستثمار, تقرير سنوي, إصدار عام: 2011, (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2015), ص 115، الرابط:
http://goo.gl/2JOms9
2- Goodarzi, Jubin. Syria and Iran: Diplomatic Alliance and Power Politics in the Middle East, (Tauris Academic Studies, 2006), p.16
3- سازمان توسعه تجارت إيران, راهنماي تجارت با كشور سوريه, إصدار عام: 2009, (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2015), ص107، الرابط:
http://goo.gl/09rlQe
4- Goodarzi, Syria and Iran,pp.54 – 55.
5- راهنماي تجارت با كشور سوريه, ص107.
6- Jerome Lim, Jamus and Saborowski, Christian. Export Diversication in a Transitioning Economy: The Case of Syria, World Bank, September 2011, (Retrieval date: June 11, 2015), pp. 6-7
URL: http://goo.gl/snssYj
7- Lim and Saborowski, Export Diversication in a Transitioning Economy, p.8
8- لصالح إيران.
9- يُظهر معامل ارتباط بيرسون وجود علاقة قوية بين نمو قيمة الصادرات الإيرانية ونمو وزنها (0.9398r=) وهو ما قد يعني بشكل محتمل غلبة صادرات المواد الخام على حساب السلع ذات القيمة المضافة، أو غلبة سلع ذات قيمة مضافة منخفضة في أكثر سنوات الخطة التاسعة.
10- Lim and Saborowski, p.6
11- لصالح إيران.
12- يُظهر معامل ارتباط بيرسون وجود علاقة ضعيفة فعليًّا بين نمو قيمة الصادرات الإيرانية ونمو وزنها (0.1765=r) في تلك الفترة، وهو ما قد يعني بشكل محتمل تطور الصادرات الإيرانية نوعيًّا في أكثر سنوات الخطة العاشرة مقارنة بالخطة التاسعة التي سبقتها.
13- هيئة الاستثمار السورية, التقرير السنوي الخامس للاستثمار, تقرير سنوي, إصدار عام:2010, (تاريخ الدخول: 14 من يونيو/حزيران 2015), ص65، الرابط:
http://goo.gl/krWSnY
14- نيلور, هيو,”الاستثمارات الإيرانية تتدفق على سوريا.. وأهدافها اقتصادية وسياسية”, الشرق الأوسط, العدد 10538, 5 من أكتوبر/تشرين الأول 2007 (تاريخ الدخول: 14 من يونيو/حزيران 2015)، الرابط:
http://goo.gl/8FWz8M
15- امضاي موافقتنامه تجارتآزاد کليد خورد/ تجارت 5 ميليارد دلاري إيران وسوريه, برگزاري مهر, ?? مارس/آذر ???? (18 من ديسمبر/كانون الأول 2011), (تاريخ الدخول: 14 من يونيو/حزيران 2015)، الرابط:
http://goo.gl/JdvX2W
16- Fulton, Will and Frasco, Robert and Farrar-Wellman, Ariel, Syria-Iran Foreign Relations, Iran Tracker, August 15, 2011, (Retrieval date: June 14, 2015)
URL: http://goo.gl/BuJ3vn
17- غرفة تجارة دمشق, دراسة عن العلاقات الاقتصادية بيــن الجمهورية العربية السورية وجمهورية إيران الإسلامية, (د. ت), (تاريخ الدخول 14 من يونيو/حزيران 2015)، الرابط:
http://goo.gl/nFZSCT
18- المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, آثار العقوبات في الاقتصاد الكليِّ السوريِّ خلال عام 2012, تحليل سياسات, 17 من يناير/كانون الثاني 2012, (تاريخ الدخول: 15 من يونيو/حزيران 2015), ص13، الرابط:
http://goo.gl/uchp8y
19- نگاهي به روابط تجاري سوريه وإيران, تابناک, ?? ارديبهشت ???? (29 من إبريل/نيسان 2012), (تاريخ الدخول: 15 من يونيو/حزيران 2015)، الرابط:
http://goo.gl/mfWWEh
20- السعدي, سلام, مصالح إيران الاقتصادية تترسخ في سوريا, صدى (مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي), 2 من يونيو/حزيران 2015, (تاريخ الدخول: 19 من يونيو/حزيران 2015)، الرابط:
http://goo.gl/qfn2Vo
21- المصدر السابق.
22- تمديد العمل بإعفاء مستوردات القطاع العام من إيران لبداية 2015, عالم المال والأعمال السوري, 17 من يوليو/تموز 2014, (تاريخ الدخول: 19 من يونيو/حزيران 2015)، الرابط:
http://goo.gl/uffxfL
23- السعدي, سلام, مستوردات سوريا ترتفع… وإيران تهيمن, المدن, 14 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014, (تاريخ الدخول: 19 من يونيو/حزيران 2015)، الرابط:
http://goo.gl/oIWCVA
24– Iraq, Iran, Syria Sign $10 Billion Gas-Pipeline Deal, The Wall Street Journal, July 24, 2011, (Retrieval date: June 21, 2015)
URL: http://goo.gl/0H1o5K
تامر بدوي
مركز الجزيرة للدراسات