“على بعد خطوة من المجاعة”، هكذا وصف المبعوث الدولي الحالة اليمنية، إذ يدخل اليمنيون الشهر الرابع منذ بدء حرب مزدوجة على مستويين، محلي وإقليمي، ولا تبدو نهايتها وشيكة. يعود الجنوب، الذي يشكل ساحة تتقاطع فيها طموحات ومشاريع مختلفة، إلى واجهة الصراع لافتة مختلفة لهذه المرحلة التي دشنت بتركيز أطراف الصراع على أن الحسم العسكري، وحتى السياسي، لأي طرف لن يكون إلا من بوابة الجنوب اليمني، وتحديداً من عدن التي ستقرر، حسب منطق الأطراف المتصارعة وقسمتها، نهاية الحرب اليمنية، وربما مستقبل اليمن.
طوال الأشهر السابقة، لم تكن استراتيجية الرئيس عبد ربه منصور هادي، واضحة في إدارة الحرب في اليمن، ولا في تنامي انقسامات الشارع الجنوبي، وكانت تخضع لتقديرات قوات التحالف، من جهة، ولجهود المقاومة الشعبية وإمكاناتها من جهة أخرى، غير أن إعلان الحكومة اليمنية عن خطة عسكرية لاستعادة المناطق المحتلة من مليشات الحوثي وقوات الجيش الموالية لعلي عبدالله صالح، وعن تشكيل ثلاثة محاور رئيسة، حضرموت وعدن وتعز، يعد تطوراً لافتاً في سياق الحرب، بالإضافة إلى تكليف هاشم الأحمر، أحد القيادات القبلية المنتمية لقبيلة حاشد الموالية للسعودية، بقيادة محور حضرموت، وتمكنه من بسط سيطرته على منفذ “الوديعة”، المطل على مدينة شرورة السعودية، وحشد مقاتلين في تلك المنطقة، تمهيداً لتحرير الجنوب، غير أن تكليف قيادة جبهة حضرموت لقيادة غير ميدانية، وإنما لشيخ من قبيلة حاشد، أثار غضب الجنوبيين الذين لا يحتفظون لهذه القبيلة بذاكرة طيبة، لمشاركتها في حرب صيف 1994.
كانت استراتيجية تحالف الحوثيين وصالح واضحةً في عدن: إخضاعها لسلطتهم، أو جعلها أرضاً محروقة، ما أدى إلى تنامي نقمة الجنوبيين على الرئيس هادي، وزعزعة شرعيته، باعتباره من جلب لهم الدمار. لكن مليشيات الحوثي وقوات صالح لم تستطع تحقيق تقدم في عدن، وبدأت تدرك خطر تطويقها من جهة حضرموت، وانتهاءً بعزلها في عدن. لذا، عمدت إلى تكثيف قصفها المدينة، بما فيها قصفها، أخيراً، لمصافي البريقة، واستهداف التجمعات السكانية وقتل عدد كبير من المواطنين، أغلبهم مدنيون. ويدرك تحالف الحوثي وصالح، اليوم، أنهم لن ينجحوا في تقويض شرعية هادي بالعمل العسكري وحده، والحاجة إلى تقويض هذه الشرعية، عبر البحث عن تمثيلات سلطوية للشارع الجنوبي عدا هادي. وبالفعل، خاضت مفاوضات سرية في مسقط مع قيادات جنوبية، أبرزها الرئيس السابق علي ناصر محمد، للتباحث في انسحابهم من عدن، وتسليمها إلى قيادات في الحراك الجنوبي، وفق اشتراطاتٍ، أهمها عدم اعتراف الطرف الجنوبي بشرعية الرئيس هادي، والحيلولة دون عودته إلى إليها.
لا يعكس خوض تحالف الحوثي وصالح هذه المفاوضات جديتهما بالانسحاب من عدن التي لا يمتلكون سلطة فعليه فيها، يمكنهم من التفاوض حول مصيرها، والمفاوضات الجارية مناورة سياسية، ترتكز على مغازلة الحراك بمطلب “استقلال الجنوب”، وخطر شرعية هادي عليه. ويسعى الحوثيون وصالح، من خلالها، إلى تحقيق هدفين: الأول، الترتيب لنتائج أي عملية عسكرية تقوم بها الأطراف المؤيدة لهادي، في حال زحفت على عدن. والثاني، عرقلة عودة هادي إلى عدن، في حال لم يتمكنوا من البقاء فيها، وتركها بيد فصيل من الحراك الجنوبي، قادر على تقويض شرعية الرئيس هادي.
كانت استراتيجية تحالف الحوثيين وصالح واضحةً في عدن: إخضاعها لسلطتهم، أو جعلها أرضاً محروقة، ما أدى إلى تنامي نقمة الجنوبيين على الرئيس هادي، وزعزعة شرعيته، باعتباره من جلب لهم الدمار. لكن مليشيات الحوثي وقوات صالح لم تستطع تحقيق تقدم في عدن، وبدأت تدرك خطر تطويقها من جهة حضرموت، وانتهاءً بعزلها في عدن. لذا، عمدت إلى تكثيف قصفها المدينة، بما فيها قصفها، أخيراً، لمصافي البريقة، واستهداف التجمعات السكانية وقتل عدد كبير من المواطنين، أغلبهم مدنيون. ويدرك تحالف الحوثي وصالح، اليوم، أنهم لن ينجحوا في تقويض شرعية هادي بالعمل العسكري وحده، والحاجة إلى تقويض هذه الشرعية، عبر البحث عن تمثيلات سلطوية للشارع الجنوبي عدا هادي. وبالفعل، خاضت مفاوضات سرية في مسقط مع قيادات جنوبية، أبرزها الرئيس السابق علي ناصر محمد، للتباحث في انسحابهم من عدن، وتسليمها إلى قيادات في الحراك الجنوبي، وفق اشتراطاتٍ، أهمها عدم اعتراف الطرف الجنوبي بشرعية الرئيس هادي، والحيلولة دون عودته إلى إليها.
لا يعكس خوض تحالف الحوثي وصالح هذه المفاوضات جديتهما بالانسحاب من عدن التي لا يمتلكون سلطة فعليه فيها، يمكنهم من التفاوض حول مصيرها، والمفاوضات الجارية مناورة سياسية، ترتكز على مغازلة الحراك بمطلب “استقلال الجنوب”، وخطر شرعية هادي عليه. ويسعى الحوثيون وصالح، من خلالها، إلى تحقيق هدفين: الأول، الترتيب لنتائج أي عملية عسكرية تقوم بها الأطراف المؤيدة لهادي، في حال زحفت على عدن. والثاني، عرقلة عودة هادي إلى عدن، في حال لم يتمكنوا من البقاء فيها، وتركها بيد فصيل من الحراك الجنوبي، قادر على تقويض شرعية الرئيس هادي.
ويبدو أن التسريبات الحوثية بشأن التفاوض مع القيادات الجنوبية أتت أكلها، وبشكل غير متوقع، إذ عادت المنافسة بين فصائل الحراك الجنوبي على مصير الجنوب، لتطغى على أخبار الحرب، وبرز حراك سياسي للقيادات الجنوبية، كان آخرها “مؤتمر مستقبل الجنوب” في بروكسل، بحضور عبدالرحمن الجفري، رئيس حزب “رابطة أبناء الجنوب العربي”، الذي أكد على النضال من أجل استقلال الجنوب، كما عُقد في القاهرة اجتماع لقيادات جنوبية، منهم رئيس الوزراء الأسبق حيدر العطاس، والرئيس الأسبق علي ناصر محمد، وأمين سر المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير واستقلال الجنوب فؤاد راشد، وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني أنيس حسن يحيى، وأكد المجتمعون على ضرورة “توحيد الصف الجنوبي عبر تشكيل قيادة جنوبية موحدة”، و”التوجه إلى الغايات والآمال المشروعة والعادلة” لشعب الجنوب.
غير أن الآمال المشروعة للشعب اليمني وشعب الجنوب لا تقف حول قسمة القرود مصيره، وإنما وقف فظاعات القتل اليومي على يد مليشيات الحوثي وقوات صالح، ووضع حد للكارثة الإنسانية والمجاعة المتحققة؛ ويبدو، للأسف، أن هذه المعاناة ليست حاضرة في ذهنية المتحاربين، ولا في ذهنية من ينتظر القسمة، وأن المقاومة الجنوبية لا تختلف كثيراً عن شتات قياداتها، في بحثها عن خيارات آمنة لمستقبل غير واضح، لا للجنوب وحده، وإنما لليمن ككل؛ فحتى الآن لا مقاومة جنوبية واحدة، بل هناك مقاومات متعددة، بعضها تحت مظلة الرئيس هادي، ومدافعة عن شرعيته وخياراته في أقاليم يمنية، وبعضها الآخر يرى في هادي خطراً حقيقياً على مشروع الاستقلال، وليس فقط الخطر المترتب على اتخاذ الحوثيين وصالح الرئيس هادي ذريعة للحرب على الجنوب.
تصدير قضية مستقبل الجنوب، في هذا الوقت، لا يخدم الجنوبيين، بل يخدم جبهة الحوثي وصالح، وهي من أشكال الضغط على الرئيس هادي. ومن ناحية أخرى، ليس مستقبل الجنوب في يد القيادات الجنوبية وحدها، ولا في يد المقاومة الجنوبية المتعددة، وإنما تتدخل أطراف محلية وإقليمية، بكل ثقلها، في حسم ملف الجنوب. وفي حالة لم يستطع هادي إعادة سلطته وبسطها، ستسعى السعودية إلى أن يكون الجنوب على الأقل في يد حراك جنوبي موال لها؛ في حين تريد إيران أن يكون الجنوب بيد حراك جنوبي يخدم مصالحها؛ أما الولايات المتحدة الأميركية، ففي حال لم تستطع منع “صوملة” اليمن وتحوله إلى أقاليم متحاربة، تريد ضمان عدم تمدد تنظيم القاعدة في الجنوب.
شهر جديد يدخل في روزنامة معاناة اليمنيين، ولم تضع الحرب أوزارها، ولم يتوقف صوت الرصاص والقذائف ودوي الغارات الجوية، ولم تبدأ الحياة دورتها الاعتيادية، إلا في تعاقب الموت، في حين يقسم أطراف الصراع اليمني “غنيمة اليمن الكبرى”، وفقاً لقسمة “ضيزى”، قسمة القرود الصغار، القرود المسجونة بتهويمات الماضي وأحقاده، والتي لا تدرك أن العالم يتغير، وأن الحروب لن تغسل أحقادها، وستورث الجميع أحقاداً إضافية.
غير أن الآمال المشروعة للشعب اليمني وشعب الجنوب لا تقف حول قسمة القرود مصيره، وإنما وقف فظاعات القتل اليومي على يد مليشيات الحوثي وقوات صالح، ووضع حد للكارثة الإنسانية والمجاعة المتحققة؛ ويبدو، للأسف، أن هذه المعاناة ليست حاضرة في ذهنية المتحاربين، ولا في ذهنية من ينتظر القسمة، وأن المقاومة الجنوبية لا تختلف كثيراً عن شتات قياداتها، في بحثها عن خيارات آمنة لمستقبل غير واضح، لا للجنوب وحده، وإنما لليمن ككل؛ فحتى الآن لا مقاومة جنوبية واحدة، بل هناك مقاومات متعددة، بعضها تحت مظلة الرئيس هادي، ومدافعة عن شرعيته وخياراته في أقاليم يمنية، وبعضها الآخر يرى في هادي خطراً حقيقياً على مشروع الاستقلال، وليس فقط الخطر المترتب على اتخاذ الحوثيين وصالح الرئيس هادي ذريعة للحرب على الجنوب.
تصدير قضية مستقبل الجنوب، في هذا الوقت، لا يخدم الجنوبيين، بل يخدم جبهة الحوثي وصالح، وهي من أشكال الضغط على الرئيس هادي. ومن ناحية أخرى، ليس مستقبل الجنوب في يد القيادات الجنوبية وحدها، ولا في يد المقاومة الجنوبية المتعددة، وإنما تتدخل أطراف محلية وإقليمية، بكل ثقلها، في حسم ملف الجنوب. وفي حالة لم يستطع هادي إعادة سلطته وبسطها، ستسعى السعودية إلى أن يكون الجنوب على الأقل في يد حراك جنوبي موال لها؛ في حين تريد إيران أن يكون الجنوب بيد حراك جنوبي يخدم مصالحها؛ أما الولايات المتحدة الأميركية، ففي حال لم تستطع منع “صوملة” اليمن وتحوله إلى أقاليم متحاربة، تريد ضمان عدم تمدد تنظيم القاعدة في الجنوب.
شهر جديد يدخل في روزنامة معاناة اليمنيين، ولم تضع الحرب أوزارها، ولم يتوقف صوت الرصاص والقذائف ودوي الغارات الجوية، ولم تبدأ الحياة دورتها الاعتيادية، إلا في تعاقب الموت، في حين يقسم أطراف الصراع اليمني “غنيمة اليمن الكبرى”، وفقاً لقسمة “ضيزى”، قسمة القرود الصغار، القرود المسجونة بتهويمات الماضي وأحقاده، والتي لا تدرك أن العالم يتغير، وأن الحروب لن تغسل أحقادها، وستورث الجميع أحقاداً إضافية.
بشرى المقطري
صحيفة العربي الجديد