من يقوم بتفجير السفن في الخليج؟ تساءلت مجلة “إيكونوميست” قائلة إن لعبة غامضة وعنيفة قد تقود إلى الحرب. وبدات مقالتها بالقول إن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي جاء إلى طهران حاملا معه أمل الدبلوماسية. وكانت زيارته هذا الأسبوع إلى طهران التي تعد الأولى لرئيس وزراء ياباني منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 محاولة لتخفيف التوتر بين أمريكا وإيران.
وبعد لقائه مع الرئيس حسن روحاني، حذر آبي من إمكانية انزلاق المنطقة “مصادفة” إلى الحرب. وعلى بعد أميال من الساحل الجنوبي لإيران كان هناك تلخيص لما يمكن ان يحدث. ففي 13 حزيران (يونيو) أرسلت ناقلتي نفط كانتا تبحران فب خليج عمان رسائل استغاثة بعد تفجير كبير. وتحمل “فرونت ألتير” علم مارسال أيلاندز وتملكها شركة شحن نرويجية “فرونت لاين” وكانت محملة بمادة نفثا المستخلصة من النفط وحملتها من ابو ظبي. أما “كوكوكا كريجس” فهي مسجلة في بنما وتعمل لصالح شركة كوكوكا سانغيو فقد كانت محملة بمادة ميثانول، وكانت الناقلاتان في طريقهما إلى موانئ آسيوية. وكشفت الصور من وكالات الانباء الإيرانية عن النيران المندلعة في الجانب الايمن من ناقلة “فرونت ألتير” وكان الدخان المتصاعد فوق السفينة كثيفا بدرجة ظهر في الصور الفضائية. وتقول المجلة إن خمس الإمدادات النفطية العالمية تمر عبر مضيق هرمز الذي يعد من أهم مناطق التجارة الدولية. وهذه هي المرة الثانية في شهر يتم فيها تدمير حاملات نقل في الخليج. ففي 12 أيار (مايو) دمرت أربع ناقلات نفط كانت راسية في ميناء الفجيرة بالإمارات العربية المتحدة محدثا دمارا في هيكل السفينة. واقترح تحقيق أولي أن الدمار حدثت من خلال ألغام. لكن التفجيرين الأخيرين تسببا بأضرار أكبر من الأولى بشكل أجبر طاقم الناقلتين على الجلاء منهما. وتعلق المجلة أن عملية التحقيق في الحادثين وسط تقارير عن استخدام طوربيدات في العملية. ولا يوجد ما يشير إلى أن الهجومين كانا “مصادفة”. وقال مدير شركة كوكوكا سانغيو إن ناقلة “كوكوكا كريجس” تعرضت لهجمات متعددة استمرت ثلاث ساعات. ولم يكن الهجومين الذي يفصل بينهما أسابيع قليلة مجرد “تزامنا”. مع أن التحقيق الإماراتي لم يحمل مسؤولية هجمات الشهر الماضي لجهة بعينها. واكتفى بالقول أن “لاعبا مرتبطا بدولة” هو الذي قام بها. ونفت إيران المنافس الإقليمي للسعودية والإمارات العربية المتحدة، حليفتا الولايات المتحدة أي دور لها وألمحت إلى أن العمليات الاخيرة مدبرة و “تثير الشبهة ولا تصف ما رشح هذا الصباح” حسبما ما جاء في تغريدة لوزير الخارجية محمد جواد ظريف. وتعلق المجلة إلى أن إيران هددت في الماضي بإغلاق مضيق هرمز لو تعرضت للهجوم. ويرى البعض في الهجمات تحذير مبطن بأنها قادرة على تحقيق وعيدها. ويفهم السيدين ظريف وحسن روحاني أن الهجوم على الملاحة الإقليمية هو بمثابة لعب بالنار، ولكنها لا يتحكمان بكل الخيوط في إيران. فهو عالقان في معركة داخلية مع النخبة الدينية الحاكمة التي تعبر عن شكها من الغرب. وكذا الحرس الثوري الإسلامي الذي يدعم قوات محلية في سوريا واليمن تواجه جماعات تحظى بدعم سعودي وإماراتي. ولدى إيران تاريخ في الحروب غير النظامية وعادة ما لا تعترف بالهجمات. وفي الثمانينات من القرن الماضي خاضت إيران حرب السفن مع العراق، النزاع الذي أثر على الملاحة الدولية. وتقول المجلة إن التوتر في المنطقة يتزايد منذ الربيع الماضي عندما قرر دونالد ترامب الخروج من الإتفاقية النووية الموقعة عام 2015 والتي خففت من العقوبات مقابل الحد من نشاطات إيران النووية. وأعاد ترامب فرض العقوبات على إيران وأضاف عليها أخرى بشكل عزلها عن الإقتصاد العالمي. وبعد عام من الإلتزام بالإتفاقية النووية من أجل الحصول على تعاطف أوروبي قالت طهران إنها قد تبدأ بتخصيب اليورانيوم أكبر من الحجم المحدد. وهدد روحاني بأنه قد يتخلى عن بنود أخرى إلا في حالة قام بقية الموقعين على الإتفاقية- بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين إلا حالة قامت هذه الدول بمساعدة بلاده على تجاوز العقوبات. وطالما حذر نقاد ترامب من أن المصاعب الإقتصادية المتسببة من نهج ترامب قد تدفع إيران للرد. وتناسب الهجمات الأخيرة التطورات المقلقة مثل الهجوم على خط النفط السعودي وقصف مطار في مدينة أبها مما أدى لجرح 26 شخصا بالإضافة لضرب ناقلات نفط في الفجيرة. ونفذت الهجمات ضد السعودية الجماعة الحوثية التي تدعمها طهران وتسيطر على مناطق واسعة في اليمن. وبحسب لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة فقد زودت إيران الحوثيين والصواريخ مع أن هذه الجماعة لا تقوم بالتصرف نيابة عن إيران. وحاولت السعودية وحلفاءها عدم التصعيد بشكل لا يهدد تصديرها للنفط. وكانت الإمارات حذرة في تصريحاتها العامة بشأن هجمات الشهر الماضي مع أنها في الأحاديث الخاصة لا تشك في ضلوع إيران بها. وترى المجلة إن الرد على الهجمات الأخيرة إن حدث شيء فسيأتي من أمريكا، فلطالما دعم مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون تغيير النظام في طهران بل وعمل عسكري. لكن الرئيس كالعادة متقلب ويغير كلامه من الخطاب الناري إلى دعوات الحوار. ويقال إنه حمل آبي رسالة للمرشد الأعلى للجمهورية، آية الله خامنئي والذي رفض الرد “لا نعتقد أن أمريكا تريد حوارا حقيقيا مع إيران لأن المفاوضات الحقيقية لن تأتي من شخص مثل ترامب”. وزاد ترامب من الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة. وأعلن الشهر الماضي عن إرسال حاملة طائرات ومقاتلة خاصة إلى الخليج. ولم تعبر هذه البوارج مضيق هرمز في محاولة لتجنب التوتر. وسنتشر البنتاغون 1.500 جنديا إضافيا في القواعد العسكرية الأمريكية بقطر والبحرين والعراق. وبرر ترامب الطوارئ لكي يتجاوز الكونغرس وصادق على صفقات سلاح للسعودية والإمارات والأردن. ويؤكد كل طرف أنه لا يسعى للحرب لكن النوايا الحسنة لا تمنع أحيانا المواجهة. فدول الخليج وحاميتها الأمريكية لا تتسامح مع التهديدات على الملاحة في الخليج. كان آبي محقا للدفع باتجاه الدبلوماسية بين أمريكا وإيران ولكن زيارته طغت عليها الأحداث الأخيرة وتؤكد صعوبة المهمة.
القدس العربي