صادق مجلس النواب المغربي يوم أمس على مشروع القانون المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، بأغلبية 241 نائباً ومعارضة 4 نواب وامتناع 21، وذلك بعد جدل مستفيض تركز بصفة خاصة على المادتين 2 و31 اللتين تجيزان تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية بدل العربية، الأمر الذي يشكل قطيعة عن ثلاثة عقود من تعريب التعليم في المغرب.
وتجلى الانقسام بصورته الأوضح في تصويت نواب حزب «العدالة والتنمية» لصالح المشروع في مجمل بنوده، والامتناع في المقابل عن التصويت على المادتين الإشكاليتين من منطلق تمسك الحزب باللغتين العربية والأمازيغية الرسميتين كما ينصّ الدستور المغربي. وقبل أشهر كان عبدالإله بنكيران، الأمين العام السابق لـ«العدالة والتنمية» ورئيس الحكومة من 2012 حتى 2016، وجّه رسالة بالفيديو اعتبر فيها أن مشروع القانون «مؤامرة» و«إجرام بحق الشعب المغربي» و«ضرب لمبدأ تكافؤ الفرص»، ملوحاً بمغادرة الحزب نهائياً.
وتلك حالة قصوى لمقدار الانقسام الذي يواجهه هذا القانون في الأوساط السياسية والتشريعية والشعبية على نطاق المغرب بأسره، بين فريق يؤيده من منطلقات تبدو منطقية وعصرية وضرورية، وفريق يرفضه من منطلقات لا تخلو بدورها من منطق وطني وعلمي وتربوي. ولا يقتصر الخلاف على انقسامات داخل صفوف الحزب الواحد، بل يشمل الهيئات التعليمية والثقافية والاقتصادية أيضاً، فضلاً عن تماسّه مع ملف حساس يخص صلة الاستقلال الوطني باللغة العربية من جهة أولى، وبلغة المستعمر الفرنسي السابق والمستثمر الأبرز راهناً من جهة ثانية.
المدافعون عن القانون يساجلون بأن الطالب المغربي لا يحصّل خلال المرحلتين الإعدادية والثانوية مستوى كافياً من إتقان اللغة الفرنسية يؤهله لملاقاة مواد العلوم والرياضيات والتكنولوجيا التي تُدرّس في الجامعة باللغة الفرنسية حصرياً، فتكون النتيجة أن اثنين من كل ثلاثة طلاب لا يلتحقون بالجامعة في هذه الفروع بسبب ضعفهم في اللغة الفرنسية. كذلك يتجلى انعدام التكافؤ في قدرة الطلاب من أبناء الطبقات الميسورة على إتمام التعليم الإعدادي والثانوي في مدارس البعثات الفرنسية، مما يسهل انتسابهم إلى الفروع العلمية في الجامعة، على نقيض غالبية من الطلاب خريجي المدارس الرسمية.
وأما المناهضون للقانون فإنهم يبدأون من افتراض وطني صحيح مفاده أن الأمم يمكن أن تنجز تنميتها وتقدمها الحضاري والعلمي عن طريق اللغة الوطنية الأمّ، وأن اللغة العربية أثبتت حيوية ملموسة في استقبال العلوم والتكنولوجيا المعاصرة، وحالها في ذلك حال الكثير من اللغات الوطنية على امتداد الدول النامية. ثم لماذا تكون اللغة العربية هي المسؤولة عن أشكال القصور في التعليم، وليس التكوين المهني للكوادر التعليمية، أو المناهج الدراسية ذاتها التي لا تحث على البحث والتطوير بقدر ما تكرس التلقين والحفظ الجامد؟ كذلك يتساءل الرافضون عن السبب في تفضيل لغة المستعمر الفرنسي بما تنطوي عليه من حساسيات وطنية وتاريخية، وليس اللغة الإنكليزية التي باتت اليوم هي الأوسع انتشاراً واستخداماً في شتى الميادين والعلوم والتطبيقات، وعلى نحو لا يُقارن بلغة موليير؟
ويبقى في الخلاصة أن عدالة التعليم وانتماءه إلى العصر ووفاءه للهوية الوطنية والإنسانية معاً هي بعض الأهداف الكبرى التي يتوجب ان تحرك نقاش اللغة في المغرب، بعيداً عن التعصب والانعزال والنسبوية الثقافية على طرفي النقاش.
القدس العربي