ترتّب على ما يطلق عليه “حرب الناقلات” بين بريطانيا وإيران إعلان بريطانيا نيتها تشكيل بعثة أوروبية لحماية حرية الملاحة في الخليج العربي، وذلك لحماية السفن والناقلات التي تمر عبره. لكن إيران رفضت، وقللت من حاجة السفن الغربية للقيام بدوريات في المياه على طول ساحلها الجنوبي، وتعهدت بدلاً من ذلك تأمين مضيق هرمز نفسه، مع التذكير بأنها تقوم بدور كبير في حفظ أمن وسلامة الملاحة، بل إن الرئيس الإيراني حسن روحاني قال في اجتماع لمجلس الوزراء إن من واجب إيران حماية الخليج ومضيق هرمز، لافتا “أعتقد أن العالم بأسره يجب أن يكون ممتناً لقوات الحرس الثوري الإيراني للحفاظ على الأمن في الخليج”.
وهنا يثار التساؤل حول رفض طهران المشروع البريطاني على الرغم من تأكيد وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت أن المهمة ستركز على حرية الملاحة، ولن تكون جزءا من “سياسة الضغط الأميركية القصوى على إيران”، حيث إن بريطانيا لا تزال ملتزمة بالحفاظ على الصفقة النووية مع طهران.
السبب يرجع إلى أن وجود تلك البعثة، حال تفعيلها، يحمل دلالات سلبية عدة لإيران، أولاها تتعلق بتحسن علاقتها بالدول الأوروبية، ذلك أن إيران حينما دخلت الاتفاق النووي عام 2015 كانت تهدف إلى رفع العزلة الدولية عنها وتسهيل اندماجها في المجتمع الدولي حتى تحصل على شرعية لسلوكها الإقليمي واعتراف القوى الغربية بمصالحها. في حين أن وجود بعثة أوروبية من أكثر من دولة، بما فيها تلك المنخرطة مع إيران في الاتفاق النووي، يعزز صورة إيران المتمادية في زعزعة الاستقرار والأمن في الخليج العربي وتهديد سلامة الملاحة الدولية.
وثمة دلالة أخرى مرتبطة بالتصورات الإيرانية لأمن الخليج، فإيران تريد أن تظهر بصورة الدولة القادرة على حماية أمن الخليج، فضلا عن رفضها الدائم لوجود القوات الأميركية التي تحمي الملاحة وتحفظ المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والخليج وحتى الاقتصاد العالمي المرتبط بالمنطقة. ذلك أن سلوك إيران الاستفزازي في المنطقة والعلاقات العدائية مع الولايات المتحدة دفع إلى استبعادها من أية ترتيبات أمنية في الخليج، كما أن الوجود الأميركي يعكس ضآلة القدرات الإيرانية في مواجهته، وبالتالي لا تستطيع طهران ممارسة دور مؤثر.
في ذات السياق، كثيراً ما أبدت دول الخليج العربي مخاوفها علناً مما تمثله إيران من تهديدات تتمحور بشكل مستمر حول الرغبة الإيرانية في السيطرة على الخليج العربي، وإثارة النزاعات الحدودية والإقليمية مع جيرانها العرب من حين لآخر، كالنزاع الإيراني- الإماراتي على الجزر الثلاث، فضلاً عن محاولاتها التأثير بشكل كبير في مستويات إنتاج النفط والأسعار، كذلك التهديد المستمر بالقدرة على إغلاق مضيق هرمز، الذي يتدفق عبره نحو 20٪ من نفط في العالم.
الأطراف الأوربية ما زالت معنية باحتواء السلوك الإيراني عبر استمرار الاتفاق النووي، وقد أكدت الوساطة الفرنسية المستمرة منذ شهر للتهدئة بين طهران وواشنطن ذلك، فضلا عن تصريح ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، بأن بقية الموقّعين على خطة العمل المشتركة “لن يستجيبوا” في الوقت الحالي لانتهاكات إيران لمخزونات اليورانيوم وحدود معدل التخصيب من خلال تفعيل آلية تسوية النزاعات في خطة العمل الشاملة المشتركة “JCPOA”. أي أن الأطراف الأوروبية ربما تنتظر ما ستتوصل إليه الوساطات التي تقوم بها فرنسا والسويد وسلطنة عمان. لذا ربما تقلّ احتمالات تشكيل البعثة الأوروبية المعنية بحماية سلامة الملاحة في الخليج العربي.
لكن يظل النزاع يهدّد بخنق طريق تجاري حيوي لصادرات النفط الخام، ويمكن أن يتسبب في ارتفاع أسعار النفط، مما يهدّد الاقتصاد العالمي. القوى الغربية قلقة واقترحت حراسة السفن ومراقبة التهديدات.
المشهد الآن تحول بدلا من قيام إيران بالضغط على الأطراف الأوروبية للضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات عنها، وإحداث شقاق في العلاقات الأميركية الأوروبية، إلى تخوف إيران من حدوث شقاق في العلاقات الإيرانية مع الأطراف الأوروبية، لذا ألمح الرئيس الإيراني إلى أن بلاده قد تطلق الناقلة التي ترفع العلم البريطاني إذا تركت السلطات البريطانية ناقلة النفط الإيرانية، التي احتجزتها قبالة ساحل جبل طارق.
اندبندت العربي