أربعة أيام كاملة قضاها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد في تركيا، في زيارة استثنائية وتاريخية، كشفت عن توجه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تعزيز العلاقات مع ماليزيا في كافة المجالات، وصولا إلى تشكيل حلف بين ثلاث من كبرى الدول الإسلامية في العالم (تركيا وماليزيا وباكستان).
وبينما شدد أردوغان على “أهمية وحدة العالم الإسلامي بالنسبة لبلاده”، أكد مهاتير محمد أنه بالتعاون مع تركيا وباكستان، “يمكن النهوض بالحضارة الإسلامية مجددا”، مطلقين دعوات لتعاون ثلاثي يضم باكستان، التي هاتف أردوغان رئيس وزرائها عمران خان تزامنا مع وجود مهاتير محمد في أنقرة.
استقبال حافل عند وصول مهاتير محمد إلى أنقرة بدعوة من أردوغان، الذي استقبله في مطار العاصمة، قبل أن يجري تنظيم مراسم استقبال رسمية كبرى في القصر الرئاسي واستعراض ضخم لحرس الشرف، حيث عقد لقاء ثنائي بين الزعيمين ولقاءات أخرى على مستوى الوفود.
وبينما منح أردوغان مهاتير محمد “وسام الجمهورية”، أعلى وسام تركي، منحته جامعة تركية لقب الدكتوراه الفخرية بحضور رسمي، وأقام أردوغان على شرف الضيف مآدب على الإفطار والعشاء في القصر الرئاسي في أنقرة والقصور العثمانية التاريخية على مضيق البوسفور بإسطنبول.
كما اصطحب أردوغان ضيفه الماليزي في جولة بالمروحية الرئاسية فوق إسطنبول، مستعرضا أمامه المشاريع الكبرى بالمدينة، لا سيما مطار إسطنبول الجديد ومسجد تشاملغا والجسور الكبرى على مضيق البوسفور، في فعاليات تظهر حجم الاهتمام التركي بهذه الزيارة.
الصناعات الدفاعية
بعد أردوغان، كان اسم إسماعيل ديمير، رئيس شؤون الصناعات الدفاعية في الرئاسة التركية، الأبرز في كافة مراحل هذه الزيارة التي ركزت على بحث التعاون في الصناعات الدفاعية بين البلدين، إذ رافق الضيف الماليزي في جولات إلى أبرز مصانع الأسلحة التركية.
وزار مهاتير محمد برفقة أردوغان مقر شركة “بيكار” التركية المتخصصة في تقنيات الطائرات المسيرة، إذ تفوقت الشركة التركية في صناعة الطائرات المسيرة الاستطلاعية والهجومية وبدأت بتصديرها إلى عدد من الدول حول العالم، وقالت مصادر تركية إن ماليزيا تفكر باقتناء الطائرة التركية.
كما زار شركة الصناعات الجوية والفضائية “توساش”، واطّلع على معلومات حول منتجات الصناعات التركية، ونظم له استعراض خاص لعدد من الطائرات التركية أبرزها مروحية “أتاك”، وطائرتي “حرقوش” و”العنقاء”، وترغب أنقرة في أن تحصد تركيا مبيعات أكبر لطائرتها الهجومية “أتاك”.
وقال مهاتير محمد للصحافيين إن “هناك العديد من المجالات التي يمكن لماليزيا وتركيا التعاون فيها، وإن هناك فرصا مهمة في الصناعات الدفاعية، وفرصا كبيرة في الصناعات الأخرى”، فيما أعرب رئيس شؤون الصناعات الدفاعية التركية عن أمله أن يخطو البلدان خطوات ملموسة أكثر خلال الفترة المقبلة، على ضوء مذكرة التفاهم الموقعة بينهما في مجال الصناعات الدفاعية، التي لم تكشف تفاصيل أكثر عنها.
وبينما أشار أردوغان إلى أن مهاتير محمد أطلع على قدرات شركات الصناعات الدفاعية التركية، أكد وجود “إمكانات تجارية كبيرة لدى الطرفين تنتظر الاستثمار، وبحثنا سبل زيادة الاستثمارات والتبادلات التجارية والتعاون في مجال الصناعات الدفاعية، وهدفنا الوصول إلى 5 مليارات دولار في تبادلاتنا التجارية”.
تعاون ثلاثي
في مؤتمر صحافي مع أردوغان، قال مهاتير محمد: “عبر توحيد عقولنا وقدراتنا، يمكننا النهوض بالحضارة الإسلامية العظيمة التي كانت موجودة يوما ما، وذلك بالعمل المشترك بين ماليزيا وتركيا، وبالتعاون مع باكستان في الوقت ذاته”، لافتا إلى التحديات المشتركة التي تواجه البلدان الثلاثة، وتقاسم تركيا وماليزيا “المنظور نفسه” حيال العديد من القضايا.
وأضاف: “على هذه البلدان الإسلامية أن تكون جميعها متطورة، وينبغي على دولة ما أن تحقق هذا الهدف، ونرى أن تركيا بلد مرشح في هذا الشأن”، وبينما شدد على ضرورة “استقلال البلدان الإسلامية”، أعرب عن ثقته بأن التعاون بين ماليزيا وتركيا سينقد الأمة الإسلامية من الضغوط التي تتعرض لها.
من جهته، أكد أردوغان أن بلاده ستواصل دعمها للآلية الثلاثية التركية الباكستانية الماليزية، المشكلة بتوجيهات رئيس الوزراء الماليزي، معتبرا أن الآلية الثلاثية تعتبر “من دواعي الحفاظ على وحدة الأمة”، لافتا إلى أن تركيا وماليزيا أهم دولتين في مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D-8) .
وقال أردوغان: “في إطار شراكتنا الحوارية مع رابطة دول جنوب شرق آسيا، نولي أهمية كبيرة لماليزيا، لأننا نتبنى مواقف مشتركة حيال العديد من القضايا، أهمها القضية الفلسطينية ومعاناة مسلمي الروهينجا في ميانمار، وسنعزز تعاوننا مع ماليزيا لإيجاد حلول لتلك الأزمات”.
باكستان ترحب
بالتزامن مع وجود مهاتير محمد في أنقرة، أعلنت الرئاسة التركية أن أردوغان بحث مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، هاتفيا، العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية، من دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
وبعد ذلك، رحبت الخارجية الباكستانية بدعوة مهاتير محمد إلى التعاون بين تركيا وماليزيا وباكستان، “من أجل تحقيق نهضة إسلامية”.
وقال وزير الخارجية، شاه محمود قريشي، في تغريدة عبر “تويتر”: “أرحب ترحيبا حارا بالمبادرة التي تدعو ماليزيا وتركيا وباكستان إلى التعاون، من أجل النهضة الإسلامية وتوحيد العالم الإسلامي”، وأضاف: “هذه المبادرة الثلاثية المهمة، سوف تقطع شوطا طويلا في تعزيز الوحدة والتعاون والتنمية في جميع أنحاء العالم الإسلامي”.
القدس العربي