بعد الأحداث التي عصفت بالخليج بين بريطانيا وإيران إثر عمليات الاحتجاز المتبادلة لسفن النفط، وتهديد طهران بضرب أي وجود بحري بريطاني في الخليج ولو كان تحت عنوان حماية السفن التجارية، تتجه المنطقة إلى تصعيد كبير مترافق مع انتشار بحري مكثف يُعزز مخاطر المواجهة الشاملة، خصوصاً إذا قررت طهران خوض مغامرة ضد بريطانيا و/أو أميركا.
ورفعت قيادة “الحرس الثوري الإيراني” سقف احتمال وقوع مواجهة بعيد إعلانها عن إمكانية إجراء مناورات بحرية مشتركة مع سفن روسية، فالاستعانة بالأساطيل القادمة من موسكو يؤشر عملياً إلى محاولة وضع جدار يقي القطع البحرية الإيرانية غير القادرة بمفردها على مواجهة القوة البحرية الأميركية.
من ناحية ثانية، قدمت واشنطن طلباً رسمياً إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا لإرسال قطع بحرية حربية إلى الخليج من أجل حماية ناقلات النفط والسفن التجارية الخاصة بتلك الدول. وأصرّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب على ضرورة مشاركة الدول الحليفة في توطيد الأمن البحري في أكثر المناطق حساسية في العالم حالياً.
وفي ظل هذه المعطيات، فإن منطقة الخليج ستشهد أكبر وجود بحري حربي منذ حرب الخليج الثانية، ما يطرح تساؤلاً كبيراً حول شكل المعادلات البحرية الجديدة وتوزع القوى ومستواها.
الإيرانيون وضعوا من جهتهم، كل ثقلهم في الاستثمار بالزوارق الصغيرة لتكون رأس حربة القوة البحرية لـ “الحرس الثوري”، وتملك هذه الزوارق قدرات صاروخية محدودة، لكنها تتسم بسرعة التحرك إذ يمكنها الانقضاض على السفن التجارية وناقلات النفط، والاستفراد بقطع بحرية عربية أو غربية ترسو بعيدة من قواعدها، والاستيلاء عليها. وباختصار، فإن قوة إيران البحرية تستند إلى هذه الزوارق وصواريخ تنصبها على سواحلها بإمكانها استهداف قطع التحالف الدولي البحرية.
طهران: الحوار ممكن لكن واشنطن لا تسعى إليه
في المقابل، تشرف قيادة سلاح البحرية الأميركية من البحرين على التحالف الأميركي-العربي، وتسهم في نشر عدد كبير من السفن وحاملة الطائرات أبراهام لنكولن. القوة البحرية الأميركية قادرة بمفردها – في حال صدور قرار في واشنطن – على تدمير بحرية طهران والسيطرة على مياه الخليج بالكامل، من دون إغفال الدعم الذي قد تتلقاه من الدول العربية الحليفة كالسعودية والإمارات والبحرين. هذا المعطى يؤكد عدم حاجة أميركا إلى دعم أوروبي، لكن الوجود الأوروبي في هذا الصراع أهميته سياسية أكثر منها أمنية وعسكرية، كي يعطي واشنطن مشروعية في مواجهة الإيرانيين في حال حدوث تصادم.
وقررت بريطانيا إرسال وحدات لحماية سفنها فقط، ما يعني عدم رغبتها في الارتباط بالقيادة الأميركية كونها لا تزال ضمن الاتفاق النووي الإيراني، وأي ترابط مع الأميركيين الذين انسحبوا من الاتفاق للضغط على إيران، سيدفع بلندن تلقائياً إلى الانسحاب من الاتفاق، فمن غير الممكن أن تكون بريطانيا على شفى مواجهة عسكرية مع طهران وترتبط في الوقت ذاته معها باتفاقيات مالية واقتصادية.
أما الفرنسيون، فسيلتحقون بالبريطانيين لحماية خطوطهم البحرية ومصالح شركاتهم وسيعملون على تجنب الاصطدام مع طهران، ولكن السؤال الكبير الذي يُطرح هنا هو، هل ستقف أوروبا مكتوفة الأيدي إذا هاجمت إيران أهدافاً أميركية؟ وماذا سيكون موقف واشنطن في حال تعرضت السفن الأوروبية لنيران إيرانية؟ الاعتقاد السائد في واشنطن يشير إلى أنه ليس أمام الأوروبيين سوى الوقوف إلى جانب أميركا في حال تعرضت قطعها لعدوان إيراني، وأن واشنطن ستأمر قواتها بالتحرك إذا تعرضت قطع بحرية تابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) لهجوم إيراني، فمبادئ الحلف واضحة وتُلزم كل الدول الأعضاء بالوقوف إلى جانب أي دولة حليفة تتعرض لهجوم. ويُعتبر الانتشار الأوروبي عملياً، انتشاراً غير مباشر للناتو مع وجود تمايز سياسي لمنح إيران فرصة الإحجام عن أي مغامرة، ولكن ما قد يغير المشهد بالكامل، سيكون إقدام روسيا على إرسال قطع بحرية إلى هرمز لإجراء مناورات مع الإيرانيين، فهذا الفعل سيدخل منطقة الخليج وسط معادلة خطيرة، قد تدفع بالناتو إلى اتخاذ إجراءات في ثلاث مساحات مائية وهي المتوسط والبلطيق، وشمال المحيط الهادئ. وأي قرار روسي بتحويل القطع البحرية إلى جدار لحماية إيران، سيدفع الغرب إلى نشر أساطيله على مقربة من الشواطئ الروسية. في خضم هذه المعادلات، يبدو أن التأخر الأميركي والأوروبي في معالجة التمدد الإيراني، بات يشكل واقعاً أكثر خطورة، وكل يوم يمر من دون احتواء الخطر الإيراني لن يكون مبشراً لدول الغرب والخطط المرسومة، والبعض يقول إنه على الرغم من امتلاك أميركا القوة الكافية لحسم الصراع المائي في الخليج، إلا أن القرار السياسي في واشنطن لم يُحسَم بعد. وبالتالي، فإن المواجهة بين واشنطن وطهران ما زالت في سباق مع الوقت.