يكرر ساسة الولايات المتحدة الأميركية التزامهم بأمن دول مجلس التعاون بدءاً بالرئيس مروراً بقادة الكونجرس وانتهاءً بوزراء الخارجية والدفاع من خلال وعود وتطمينات يطلقونها بهذا الشأن بين فترة وأخرى. وفي تلك الوعود لا يوجد شيء مغاير أو مختلف في المضمون أو الفحوى لسياسة الإدارة الأميركية القائمة كما صدرت على لسان الرئيس أوباما في قمة كامب ديفيد الخليجية لعام 2015.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن تصريحات الرئيس أوباما في نهاية القمة تبقى مفتوحة على مصراعيها لشتى التفسيرات، ولكنها في جوهرها تعني بأنه في الوقت الذي يمكن فيه للولايات المتحدة أن تفي بالتزاماتها القائمة، وبأنها راغبة في توفير مظلة أمنية ونووية ودرع صاروخي واقٍ في حالة وجود أخطار خارجية مهددة لأمن دول المجلس آتية من أية قوى خارجية عدائية، إلا أنه يجب على دول المجلس ذاتها أن تكون صاحب المسؤولية الأولى للدفاع عن نفسها.
التصريحات التي خرجت على لسان أوباما تعطي انطباعاً بأن دور الولايات المتحدة المستقبلي في الخليج العربي سيكون متركزاً بشكل أكبر على حماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة أكثر من كونه أمنياً وعسكرياً لحماية دول المجلس ذاتها ومصالحها الحيوية في مواجهة الآخرين.
ستبقى مصالح واهتمامات الولايات المتحدة ستبقى قائمة طالما أن النفط موجود والتجارة قائمة، ولكن مظاهر تلك المصالح وتجلياتها والتعبير عنها ستكون أكثر هدوءاً عما كان عليه الوضع في الماضي. إن ذلك سيكون متماشياً ليس مع مزاج الأمة الأميركية فقط التي تخلصت من تداعيات غزو بلادها للعراق، والتي تنحو حالياً إلى أن تكون قلقة جداً من الأوضاع الاقتصادية السيئة والمشاكل الداخلية الأخرى، ولكن أيضاً مع وجهات نظر الخليجيين التي تعبر عنها قياداتهم بأن المظلة الأمنية الأميركية في مواجهة الخارج مطلوبة وتوجد حاجة إليها.
لكن ذلك ليس على حساب مصالحهم الحقيقية في مواجهة التسلح النووي الإيراني أو تطلعات إيران التوسعية ورغبتها في الهيمنة على المنطقة، وميل الولايات المتحدة نحو وجود إيران نووية يريد ساسة واشنطن عقد صفقة معها بهذا الشأن وبصيغ مبهمة من وجهة النظر الخليجية.
وضمن تنفيذ الولايات المتحدة لسياستها الجديدة في الخليج العربي هل ستحث دول المجلس على لعب أدوار أكبر في سياساته؟ وإذا كان الأمر كذلك هل ستكون تلك الأدوار اقتصادية خالصة أم عسكرية وأمنية أيضاً؟ وعند الرغبة في الإجابة على مثل هذه التساؤلات من الضروري التمعن في ما سيكون عليه رد فعل دول المجلس على قيام الولايات المتحدة بدفعها قدماً في هذا الاتجاه.
وفي هذا السياق يلاحظ الآن كيف أن قيادات وشعوب دول المجلس يساورها القلق العميق من سياسات إيران وممارساتها وتطلعاتها التوسعية وطموحاتها في المنطقة.
إن وجهة النظر التي تتواجد في الخليج العربي حالياً هي أنه على ضوء سعي الولايات المتحدة نحو عقد صفقة مع إيران بشأن ملفها النووي بأي ثمن وكيف ما كان، وعودة العلاقات الطبيعية بين الطرفين ورفع الحظر عن إيران والإفراج عن جميع الأموال التي يقع عليها الحظر وعودتها القوية إلى سوق إنتاج النفط وتصديره بكميات ضخمة، يعني انتهاء فترة صورتها الإقليمية المتواضعة وولوجها كدولة لها وُجود في الخليج العربي وهي ذات دور يضاهي الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة فيه منذ عام 1979.
وهذا يعني تقوية إيران لنفوذها بشدة على حساب كافة دول المنطقة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ويتيح لها تحقيق جوانب مهمة من تطلعاتها التوسعية وتطلعات الهيمنة وتصدير الثورة والتدخل في شؤون دول المجلس الداخلية.. وبالتأكيد أن أية محاولة من قبل الولايات المتحدة للدفع بإيران نحو الهيمنة على الخليج العربي لكي تحقق مصالحها من خلالها لن يكون مرحباً بها وستلقي معارضة شديدة، وتعرض مصالح الولايات المتحدة ذاتها للخطر الشديد.
د. عبدالله جمعة الحاج
صحيفة الإتحاد الإماراتية