يكشف توقيت اندفاع الولايات المتحدة صوب بريطانيا واستئنافها محادثات اتفاقية التجارة الحرة مع لندن لمرحلة ما بعد بريكست، بعد أن كانت متوقّفة في عهد تيريزا ماي، أن واشنطن التقطت بسرعة إشارات رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون الذي أعلن انضمامه إلى قوة عسكرية أميركية في الخليج لمواجهة تهديدات إيران للملاحة الدولية في مضيق هرمز. ويرى مراقبون أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يفصل الملفات عن بعضها البعض، فتأييد لندن للسياسات الأميركية المتشددة حيال إيران تقابله مساندة أميركية في مرحلة ما بعد بريكست.
لندن- أبلغ مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون المسؤولين البريطانيين الاثنين بأن الرئيس دونالد ترامب يريد خروجا بريطانيا ناجحا من الاتحاد الأوروبي ستسانده واشنطن باتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين، فيما تسعى واشنطن إلى مواءمة سياسة لندن بشأن إيران بصورة أكبر مع سياساتها التي تتخذ نهجا متشدّدا حيال طهران
وبينما تستعد المملكة المتحدة لمغادرة الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر، في أكبر تحوّل سياسي منذ الحرب العالمية الثانية، يتوقّع كثير من الدبلوماسيين أن تصبح لندن أكثر اعتمادا على الولايات المتحدة.
ويسعى بولتون، الذي يزور لندن لمدة يومين لإجراء محادثات مع المسؤولين البريطانيين، لتحسين العلاقات مع رئيس الوزراء بوريس جونسون بعد توتر في بعض الأحيان بين ترامب ورئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي.
والرسالة الرئيسية التي يحملها بولتون هي أن الولايات المتحدة ستساعد في تخفيف آثار خروج بريطانيا من الاتحاد من خلال اتفاقية للتجارة الحرة يجري التفاوض بشأنها بين الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتيزر ونظيرته البريطانية ليز تروس.
وتأتي زيارة بولتون في وقت تشهد بريطانيا أزمة سياسية تتزامن مع تراجع الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوياته منذ سنوات مع قرب موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وتعهّد جونسون بتحقيق بريكست الذي أُرجئ موعده مرّتين، والمقرر أن يدخل حيّز التنفيذ في 31 أكتوبر وإن اقتضى ذلك الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق.
ويتخوّف قيّمون على الاقتصاد البريطاني والصناعات الكبرى من أن يؤدّي خيار “بريكست من دون اتفاق” إلى فوضى على الحدود وخضّات مالية عالمية على المدى القريب.
ويرفض الاتحاد الأوروبي إعادة التفاوض على الاتفاق الذي أبرمته العام الماضي رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي مع بروكسل، والذي يعتبره جونسون ومناصروه مجحفا.
ومن شأن الانفصال التام للمملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي أن يسمح للندن فورا بإطلاق مفاوضات من أجل التوصل لاتفاق حول التجارة الحرة مع الولايات المتحدة. وأعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لطالما انتقد إدارة ماي لملف بريكست، عن دعمه لجونسون وأكد أواخر يوليو أن البلدين قد باشرا بالفعل محادثات تجارية.
ويعتزم بولتون خلال اجتماعاته مع المسؤولين البريطانيين أن يحثّهم على مواءمة السياسة البريطانية بشأن إيران بصورة أكبر مع سياسات واشنطن التي تتخذ نهجا متشددا حيال طهران. وأثار تمسّك بريطانيا وحلفائها الأوروبيين بالاتفاق النووي المُبرم مع إيران في عام 2015 غضب الولايات المتحدة التي انسحبت منه العام الماضي.
وأعلنت الحكومة البريطانية في 5 أغسطس أنها ستشارك في “مهمة أمن الملاحة البحرية” إلى جانب الولايات المتحدة من أجل حماية السفن التجارية في مضيق هرمز في الخليج.
وذللت بريطانيا، بإعلانها الانضمام إلى قوة عسكرية دولية بقيادة الولايات المتحدة في مضيق هرمز لحماية السفن التجارية من التهديدات الإيرانية، الصعوبات التي كانت تعترض واشنطن في تشكيل هذه القوة، ما يفتح الأبواب أمام قوى دولية أخرى مترددة للالتحاق. ويرى مراقبون أن تأييد لندن لسياسات ترامب المتشددة حيال إيران بعد تحفّظها في وقت سابق يضعف السبل الدبلوماسية الأوروبية في إنقاذ الاتفاق النووي مع طهران.
انضمام لندن إلى قوة عسكرية أميركية يقضي على الجهود الأوروبية لإنقاذ ما تبقى من الاتفاق النووي مع إيران
وأطلقت الولايات المتحدة فكرة التحالف في يونيو إثر هجمات تعرّضت لها عدة سفن في منطقة الخليج، بعد أن نسبتها إلى إيران التي تنفي ذلك. وتقضي الفكرة بأن ترافق كل دولة عسكريا سفنها التجارية بدعم من الجيش الأميركي الذي سيتولّى المراقبة الجوية للمنطقة وقيادة العمليات.
ورفض الأوروبيون العرض، لأنهم لا يريدون المشاركة في سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتمثلة في ممارسة “الضغوط القصوى” على إيران، كما أنهم يحاولون الحفاظ على الاتفاق حول النووي الإيراني.
وباختبار رئيس الحكومة البريطانية الجديد بوريس جونسون، المؤيد لسياسة ترامب، الانضمام إلى قوة عسكرية تقودها الولايات المتحدة، عزّز ذلك فرص لندن في إحياء الجهود المتوقفة للتوصل إلى اتفاق تجارة مع الولايات المتحدة لفترة ما بعد بريكست.
ولكن ذلك يمكن أن يخلق خطرا على السفن العسكرية البريطانية، إذ يمكن أن تصبح مضطرة إلى الالتزام بقواعد الاشتباك الأميركية الأكثر عدوانية والتي لا تدعمها لندن. ويرى مراقبون أن انضمام لندن إلى قوة عسكرية أميركية قد يقضي على الجهود البريطانية لإنقاذ ما تبقّى من اتفاق 2015 مع إيران، والذي انسحب منه ترامب العام الماضي.
وتزايد القلق من نشوب حرب في الشرق الأوسط تأتي بتداعيات عالمية منذ أن انسحبت الولايات المتحدة العام الماضي من الاتفاق النووي المُبرم مع إيران عام 2015، وأعادت فرض العقوبات عليها وقفزت قضية أمن الملاحة في الخليج، الذي يمرّ عبر نحو خمسة إمدادات النفط العالمية، إلى صدارة الأجندة العالمية منذ مايو عندما اتهمت واشنطن طهران بالوقوف وراء تفجيرات ألحقت أضرارا بستّ ناقلات على مدى عدة أسابيع.
العرب