تصدرت الأزمات التي تعيشها الحركة التجارية على مستوى العالم مباحثات الزعماء في قمة مجموعة السبع التي استضافتها فرنسا خلال الأيام الثلاثة الماضية.
وفي وقت متأخر من الاثنين، أصدرت الحكومة الفرنسية، وهي الجهة المنظمة لقمة مجموعة السبع هذا العام، وثيقة ختامية نيابة عن قادة الدول السبع في اجتماعاتهم التي تواصلت على مدار 3 أيام.
وركزت الوثيقة بشكل أساسي على 5 قضايا مهمة، وهي: التجارة وإيران وأوكرانيا وليبيا وهونغ كونغ، لكنها تجاهلت أزمات المناخ.
وجاء في الوثيقة “يرغب زعماء مجموعة السبع في التأكيد على وحدتهم العظيمة وروحهم الإيجابية في مناقشاتهم”. وتحدثت الوثيقة عن 5 قضايا رئيسة سيتم التركيز عليها خلال الفترة المقبلة وحتى الاجتماع المقبل للقمة.
زعماء العالم يتفقون على تجارة “مفتوحة وعادلة”
فيما يتعلق بحركة التجارة، أكدت الوثيقة التزام مجموعة الدول السبع التجارة العالمية المفتوحة والعادلة واستقرار الاقتصاد العالمي، كما دعا وزراء المالية إلى مراقبة حالة الاقتصاد.
ومن أجل استقرار الاقتصاد العالمي، كشفت مجموعة السبع عن رغبتها في تغيير منظمة التجارة العالمية بعمق لتكون أكثر فاعلية في حماية الملكية الفكرية، وتسوية النزاعات بسرعة أكبر والقضاء على الممارسات التجارية غير العادلة.
كما أعلنت مجموعة الـ7 التزامها التوصل إلى اتفاق في عام 2020 لتبسيط الحواجز التنظيمية وتحديث الضرائب الدولية في سياق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وعلى هامش قمة مجموعة السبع، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مبدئي مع اليابان بشأن التجارة، كما ذكر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن واشنطن وبكين سيعقدان مباحثات جادة للغاية مع رغبة الصين في العودة إلى طاولة المفاوضات.
وأظهرت بيانات حديثة أن حجم التجارة العالمية تراجع بنسبة 1.8% خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، بعد أن حققت ارتفاعاً بنسبة 2.1% في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.
يأتي هبوط التجارة العالمية مع استمرار حالة عدم اليقين بشأن الوضع التجاري بين الصين والولايات المتحدة وتهديدات واشنطن الأخيرة تجاه أوروبا، إلى جانب مخاوف تباطؤ النمو الاقتصادي التي حذرت منها مؤسسات دولية كبيرة في أوقات سابقة، بعد اتجاه الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى سياسة فرض الرسوم.
وذكرت مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” أن عمليات الصادرات من الأسواق الناشئة كانت وراء التراجع الأخير في حركة التجارة العالمية، إذ تراجع حجمها في الأسواق الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية بنسبة 4% في شهر فبراير (شباط) الماضي.
وكان التراجع الأكبر من نصيب صادرات البضائع الإلكترونية والكهربائية، مشيرة إلى أن هذا التراجع، الذي بدأ منذ نهاية العام، أثّر كثيراً على حجم التجارة العالمية في فبراير (شباط) الماضي، وأشارت إلى أن التراجع في حجم التجارة العالمية أيضا أسهم في تراجع عمليات الشحن الجوي بنسبة 1% في فبراير (شباط) الماضي، وفقا للاتحاد الدولي للطيران.
بوادر حلول لأزمة الاتفاق النووي الإيراني
وفيما يتعلق بالأزمة الإيرانية، أوضحت الوثيقة أن أعضاء مجموعة الدول السبع اتفقوا على هدفين، يتمثل الأول في ضمان عدم قدرة إيران على امتلاك أسلحة نووية بشكل مطلق، فيما يتعلق الهدف الثاني بضرورة تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
وفي تصريحات على هامش اجتماعات القمة، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه من المحتمل عقد اجتماع مع نظيره الإيراني حسن روحاني خلال الأسابيع المقبلة، مع تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إمكانية التوصل لاتفاق بين واشنطن وطهران بعد اتصاله مع روحاني.
وبدأت الأزمة الإيرانية بعدما أعلنت طهران انسحابها من الاتفاق النووي الموقع خلال العام 2015، وردّت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على النظام الإيراني مع اتجاه قوي لمحاصرة العائدات الإيرانية بعد حرص أميركي على “تصفير” صادرات النفط الإيراني.
وتسببت سياسة العقوبات الاقتصادية في ارتباك كبير في الصف الإيراني، الذي ردّ باعتداءات متكررة على ناقلات النفط واختطاف بعضها، ما تسبب في اتجاه دولي قوي لتشكيل تحالف أمني لضمان تأمين حركة الملاحة في مياه الخليج.
في ملف أوكرانيا، أشار أعضاء مجموعة الدول السبع في الوثيقة الختامية إلى أن فرنسا وألمانيا ستعقدان قمة في “نورماندي” الفرنسية خلال الأسابيع المقبلة من أجل تحقيق نتائج ملموسة فيما يتعلق بالتوترات بين روسيا وأوكرانيا.
وشهدت الساحة الدينية في أوكرانيا توتراً خلال العام الماضي، عندما أعلنت الكنيسة الأرثوذكسية في البلاد استقلالها، وقامت بإنشاء كنيسة وطنية، بعد أن كانت تابعة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية لعدة قرون.
ومن جهتها، تعارض روسيا استقلال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، وقالت إن هذه الخطوة لها دوافع سياسية أكثر منها دينية.
وانحاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقتها للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، واتّهم الحكومة الأوكرانية بالتدخل السافر في الشؤون الدينية في أوكرانيا. وبين روسيا وأوكرانيا عداء قائم منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا خلال استفتاء شعبي في الإقليم في منتصف مارس (آذار) من العام 2014، ورفضت كييف الاعتداد بشرعيته، وكذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ومنذ ذلك الحين، تتبع القرم السيادة الروسية، وتتهم كييف موسكو باحتلال جزء من أراضيها، في حين تقول روسيا إنها استعادت جزءاً تاريخياً لها في القرم من أوكرانيا.
تأييد هدنة في ليبيا ووقف العمليات المسلحة
القضية الرابعة التي تطرقت لها وثيقة مجموعة الدول السبع ركزت على الأزمة الليبية، حيث أيّد أعضاء مجموعة الدول السبع عقد هدنة في ليبيا يمكن أن تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، مشيرين إلى أن الحل السياسي هو وحده الذي يضمن استقرار ليبيا.
كما أعرب الأعضاء عن تطلعهم إلى مؤتمر دولي مُعد جيداً يضم جميع أصحاب المصلحة والجهات الفاعلة الإقليمية المشاركة في هذا الصراع. وفي هذا الصدد، دعمت مجموعة السبع عمل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في عقد مؤتمر بين الليبيين.
وتشهد الساحة الليبية توترات عنيفة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في إطار ثورات الربيع العربي، وبخاصة بين قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وبين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج.
وتسببت الصراعات المسلحة في تكبد ليبيا خسائر مادية وبشرية ضخمة، فيما تتواصل المعارك في الوقت الحالي بين قوات تابعة لحكومة الوفاق وبين الجيش الوطني الليبي للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس.
الإعلان الصيني- البريطاني لعام 1984
وجاءت احتجاجات هونغ كونغ كخامس قضية ركزت عليها الوثيقة، حيث أكد زعماء الدول السبع على ضرورة إعادة تأكيد وجود وأهمية الإعلان الصيني- البريطاني لعام 1984 بشأن هونغ كونغ، والدعوة إلى تجنب العنف.
وتزايدت الاحتجاجات العنيفة في هونغ كونغ في الفترة الأخيرة مع مطالبات بالحرية والديمقراطية وإطاحة المدير التنفيذي للبلاد، وسط اتهام الصين للدول الغربية والولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون المحلية ودعم المظاهرات.
وتسببت الشابة بون هيو وينج (19 عاما) في احتجاجات ضخمة تشهدها هونغ كونغ، حيث قتلها صديقها التايواني. وتعود أحداث القصة إلى العام 2017، عندما التقيا في يوليو (تموز) من العام نفسه للمرة الأولى في المتجر الذي كانا يعملان فيه. واعترفت الشابة لصديقها الجديد في أواخر عام 2017 بأنها حامل في شهرها الثاني من صديقها السابق. وصادف ذلك انتهاء الشاب من حجز الفندق وبطاقتي سفرهما من هونغ كونغ إلى تايوان قبل حلول عيد الحب في 2018. وسافرا معا، ثم عاد بمفرده، بينما ظل مصير الفتاة مجهولاً، إلى أن أُلقي القبض عليه واعترف بقتل صديقته هناك.
ومن أجل محاكمة الجاني كان لا بدّ من إصدار تشريع قانوني لترحيله إلى تايوان ومحاكمته هناك، لذا اقترحت حاكمة هونغ كونغ، قانون تسليم المطلوبين الذي سيسمح بتسليم المتهمين الجنائيين للدولة الأم “الصين”.
وتسبب هذا القانون في مظاهرات ضخمة عمّت الشوارع في هونغ كونغ، منذ يونيو (حزيران) الماضي. وتعدّ هذه الحركة الاحتجاجية أخطر أزمة سياسية تشهدها البلاد منذ العام 1997، حيث نزل آلاف المحتجين إلى الشوارع وفرقتهم شرطة مكافحة الشغب، رافضين مشروع القانون المثير للجدل والذي يسمح بترحيل مطلوبين إلى الصين، لكن الحراك وسّع بشكل ملحوظ مطالباته التي طالت كذلك الحكم المركزي في الصين.
اندبندت العربي