تتصاعد حدة التوتر بين إسرائيل وإيران في عدة ساحات في الشرق الأوسط، الرابض على قلق ينذر بتفجر الوضع في كل ساعة، فقد باتت الضربات التي توجهها إسرائيل أمرا مستفزا ومتكررا، وقد طال مختلف بلدان المنطقة التي يصفها الموقف الرسمي الإسرائيلي بمناطق تواجد أو تمدد النفوذ الإيراني المهدد لدولة اسرائيل.
بدءًا بضربات الطائرات المسيرة التي استهدفت مخازن ومعسكرات الحشد الشعبي في العراق، مرورا بالضربات الصاروخية وطلعات الطيران الحربي في ريف دمشق في سوريا، وصولا إلى الضربات بالطائرات المسيرة التي استهدفت مباني تابعة لحزب الله اللبناني في الضاحية الجنوبية في بيروت، كل ذلك تم في غضون الاسابيع القليلة الماضية. فما الذي تريده إسرائيل من هذه الضربات؟ وما الذي يمكن تحقيقه عبر ضربات محدودة توجه لحلفاء إيران على الارض؟ وهل هي مجرد رسائل قوة تبعثها إسرائيل لخصمها الإقليمي إيران؟ وهل هناك احتمالية لتصاعد العمليات ضد إسرائيل والوصول بها إلى حرب شاملة، ربما يتسبب بها الرد على الاستفزاز الإسرائيلي عبر ضربات صاروخية قد يوجهها حزب الله لشمال إسرائيل؟
لقد شنت طائرات حربية إسرائيلية الأحد 25 أغسطس غارات في سوريا استهدفت مواقع في جنوب دمشق، ووفقا لما أعلنه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس، الذي قال «تمكن جيش الدفاع الإسرائيلي بواسطة مقاتلاته من إحباط محاولة إيرانية قادها فيلق القدس انطلاقا من سوريا، لشن هجوم على أهداف إسرائيلية في شمال إسرائيل، باستخدام طائرات مسيرة قاتلة»، وأضاف كونريكوس أن الهجوم الاسرائيلي استهدف «عددا من الأهداف الإرهابية ومنشآت عسكرية لفيلق القدس وميليشيات شيعية» في منطقة عقربا في جنوب شرق دمشق. لكن التصريح الرسمي السوري جاء مختلفا عبر تصريح لوكالة الأنباء الرسمية «سانا» الذي جاء فيه «إن الدفاعات الجوية السورية تصدت مساء السبت 24 أغسطس لأهداف معادية في سماء دمشق»، مؤكدا أنّه «تم تدمير غالبية الصواريخ الإسرائيلية المعادية قبل الوصول إلى أهدافها، إذ تم على الفور التعامل مع العدوان بكل كفاءة».
من جهة ثانية، أعلن حزب الله اللبناني عن سقوط طائرة بدون طيار، وانفجار أخرى مفخخة في ضاحية بيروت الجنوبية يوم الأحد 25 أغسطس، ما تسبب بـ»أضرارا جسيمة» بمبنى المركز الإعلامي التابع له. وقال الجيش اللبناني إن الطائرتين إسرائيليتان، وقد استنكر رئيس الجمهورية اللبنانية ميشيل عون العدوان الجديد، كما اعتبر رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري سقوط طائرتي استطلاع فوق الضاحية الجنوبية لبيروت بمثابة «عدوان» على سيادة لبنان، وعمل يشكل «تهديدا للاستقرار» في المنطقة. وقال في بيان رسمي إن «العدوان الجديد يشكل تهديدا للاستقرار الإقليمي، ومحاولة لدفع الأوضاع نحو مزيد من التوتر»، مؤكدا أنه «اعتداء مكشوف على السيادة اللبنانية وخرق صريح للقرار 1701» الذي أرسى وقفا للأعمال الحربية بين لبنان وإسرائيل إثر حرب يوليو 2006.
تتصاعد حدة التوتر بين إسرائيل وإيران في عدة ساحات في الشرق الأوسط، الرابض على قلق ينذر بتفجر الوضع في كل ساعة
تأتي كل هذه التوترات، بعد موجة تصعيد طالت الساحة العراقية الأسابيع الماضية، فقد تصاعد الموقف بشكل كبير، إثر تصريح نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي السيد ابو مهدي المهندس يوم 21 اغسطس تعليقا على تفجيرات مخازن الحشد الشعبي، إذ قال في بيان رسمي «إن بحوزته معلومات دقيقة ومؤكدة تفيد بأن الأمريكيين قاموا خلال العام الجاري بإدخال أربع طائرات مسيرة إسرائيلية عن طريق أذربيجان، لتعمل ضمن أسطول القوات الأمريكية على تنفيذ طلعات جوية تستهدف مقرات عسكرية عراقية»، وأضاف» نعلن أن المسؤول الأول والأخير عما حدث هو القوات الأمريكية، وسنحمّلها مسؤولية ما يحدث اعتبارا من هذا اليوم». كما هدد المهندس بأنه أمام هذه التطورات ليس لديه «أي خيار سوى الدفاع عن النفس، وعن مقراتنا بأسلحتنا الموجودة حاليا واستخدام أسلحة أكثر تطورا»، مؤكدا أنه انتظر فترة «لحين إكمال جميع تحقيقاتنا بدقة حول الموضوع».
لكن بيانا آخر أردف ببيان المهندس، قرأ على انه محاولة تهدئة من رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، الذي بين في بيانه أن اتهامات نائب رئيس الهيئة أبو مهدي المهندس للقوات الأمريكية في العراق بتوفير دعم لوجستي لطائرات أمريكية وأخرى إسرائيلية لمهاجمة العديد من مقار الحشد في الأسابيع الماضية، لا يمثل الموقف الرسمي للهيئة، انما هو رأيه الشخصي. واختتم الفياض بيانه بصيغة غائمة وغير مفهومة بالقول «إن التحقيقات الأولية بشأن الهجمات التي طالت مقار الحشد، أثبتت أنها كانت بفعل خارجي مدبر، وإن التحقيقات مستمرة للوقوف بشكل دقيق على الجهات المسؤولة، من أجل اتخاذ المواقف المناسبة بحقها». وربما كان العامل الذي أشعل الموقف العراقي وزاده توترا هو تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أطلقه في مقابلة مع القناة التاسعة الإسرائيلية يوم 22 أغسطس، إذ سئل نتنياهو عما إذا كانت إسرائيل ستضرب أهدافا إيرانية في العراق، إذا لزم الأمر، فأجاب »نحن نعمل، ليس فقط إذا لزم الأمر، وإنما نعمل في مناطق كثيرة ضد دولة تريد إبادتنا. بالطبع أطلقت يد قواتنا المسلحة وأصدرت توجيهاتي لها بفعل أي شيء ضروري لإحباط خطط إيران».
في المقابل ماذا كان الرد الايراني على كل هذا التصعيد؟ إذ بدا واضحا من المشهد العام، أن الصراع بين القوتين الإقليميتين يحاول أن يبتعد عن المباشرة، ويسعى للجوء إلى صراعات متفرقة في ساحات بديلة، وهنا يمكن أن يكون التحرك الاول بالنسبة للاستراتيجية الايرانية عراقيا، عبر ضغط حلفاء إيران في العراق على الوجود الامريكي، ما قد يدفع واشنطن للضغط بدورها على تل أبيب لتحجيم اعتداءاتها السافرة على إيران وحلفائها، لأن الوجود العسكري والدبلوماسي الامريكي في العراق هو من سيدفع الفاتورة، وسيمثل الهدف الاقرب والاسهل للضربات المحتملة التي قد توجهها ميليشيات ناشطة في الداخل العراقي وتتلقى أوامرها من طهران.
وقد تصاعدت حدة التوتر في الساحة العراقية بشكل لافت، بعد إصدار المرجع الشيعي العراقي كاظم الحائري المقيم في مدينة قم الايرانية فتوى دينية تطالب المقاتلين، الذين يقلدونه دينيا بتنفيذ أحكام الجهاد ضد الوجود الامريكي في العراق. وجاءت الاستجابة سريعة على لسان أحد نواب البرلمان العراقي من كتلة «صادقون» التي تمتلك 15 مقعدا في البرلمان، وهي الجناح السياسي لميليشيا «عصائب أهل الحق» التي يقودها رجل الدين قيس الخزعلي، إذ صرح النائب حسن سالم يوم 24 أغسطس، في بيان رسمي قال فيه «بعد بيان المرجع السيد كاظم الحائري، صار لزاما علينا العمل على إخراج القوات الامريكية من أرض الوطن»، مبينا أن «على الحكومة العراقية إنذار القوات الامريكية بوقت زمني قصير لإجلاء معداتهم وإخراج جنودهم»، وهدد قائلا «وإلا فسيكونون في مرمى سلاح أبناء المقاومة الإسلامية، ابتداء من السفارة وقنصلياتهم ووصولا إلى كل مقراتهم».
من قراءة المشهد العام، يبدو أن ضربات إسرائيل في الداخل السوري ستمر كما مرت عشرات الضربات السابقة، لانشغال الجيش السوري وحلفائه الايرانيين والروس بقتال بقايا المعارضة المسلحة والجماعات التكفيرية في إدلب ومحيطها شمال سوريا، وكذلك حال الميليشيات العراقية التي ارتفع صوتها مطالبة بالرد على الضربات الاسرائيلية المدعومة امريكيا، اذ سرعان ما سيتم الالتفاف على الازمة، عبر محاولة الحكومة خلق توازنات جديدة بين النفوذ الامريكي والايراني في العراق، في محاولة للتمسك بحالة التهدئة الواهنة، أما بالنسبة لضربة حزب الله اللبناني، فالمرجح أن الحزب سيمررها نتيجة إنشغاله في الساحة السورية، التي استحوذت على كل طاقاته، ولم يعد، على الاقل في الوقت الحالي، قادرا على فتح حتى مناورة صغيرة على جبهة شمال إسرائيل، رغم التصريح الناري الذي اطلقه السيد حسن نصر الله في يوم الازمة بقوله في خطاب متلفز «إن الزمن الذي تقصف فيه الطائرات الاسرائيلية في اراضي لبنان انتهى، ولن تبقى أراضي الكيان آمنة»، مشددا على أنه «سيتم منع هذا الأمر مهما كلف الأمر». لكن يبدو أن سياسة اللعب على حافة الهاوية مازالت تستهوي إدارة نتنياهو، وأن طرفي الصراع الاقليمي ما زالا بعيدين عن السقوط في هاوية قرار الحرب الشاملة.
القدس العربي