أصبح انتشار ظاهرة زواج المتعة في العراق أمرا لافتا بحسب المتابعين للشأن الداخلي لاسيما بعد احتلال البلاد حيث شاع هذا النوع من الزواج في المدن العراقية المقدسة لدى الشيعة كالنجف وكربلاء، وهو ما اعتبره مراقبون دليلا واضحا على الدور الإيراني في العراق مع استقبال الأماكن والمدن المقدسة للآلاف من الزوار سنويا ويربط البعض هذه الزيارات الدينية بالترويج لزواج المتعة. ويثير انتشار زواج المتعة في الجامعات وفي الدوائر الحكومية في العراق قلق العديد من الخبراء والمواطنين العراقيين لاسيما بالنظر إلى النتائج الوخيمة المترتبة عن عقد زواج من هذا النوع ومن ذلك وجود ولادات مجهولة تسفر عن أطفال دون نسب أو هوية إلى جانب تسجيل حالات انتحار وقتل مرتبطة بزواج المتعة. ورغم كل هذه العواقب الكارثية يبرر البعض لجوءهم إلى زواج المتعة بأنه الحل الأمثل للبعض من مشكلاتهم وشكل الزواج الوحيد الذي يناسب ظروفهم الاجتماعية أو العائلية.
اتسعت ظاهرة زواج المتعة في المجتمع الإيراني، بنحو لافت، بعد رحيل شاه إيران محمد رضا بهلوي ومجيء الخميني وسيادة حكم المعممين. وبعد احتلال العراق بدأ هذا النوع من الزواج يصبح أكثر انتشارا في المدن العراقية المقدسة كالنجف وكربلاء، التي تستضيف عشرات الآلاف من الزوار الشيعة كل عام.
وما يؤكد الدور الإيراني في انتشار زواج المتعة في العراق تصريح صحافي أدلى به، قبل سنوات، مدير الأمن الوطني لحوض الفرات الأوسط إبراهيم العباسي كشف فيه عن أن “الترويج لزواج المتعة يتم من قبل أناس وافدين من إيران وهم بذلك يقومون بمهمة الوسيط والمروّج”.
جرائم بشعة
يصف الدكتور عبدالستار الراوي أستاذ الفلسفة في جامعة بغداد سابقا، والذي عمل سفيرا للعراق في طهران، في حديث لـ”العرب”، الولادات المجهولة -التي امتلأت بها البطون ومستشفيات الأطفال ومراكز الأيتام، والناتجة عن زواج المتعة- بأنها واحدة من بين أكثر الجرائم الاجتماعية قبحا وبشاعة، وذلك ما ينذر بأن المدن العراقية ستكون، في المستقبل القريب، نسخة من المدن الإيرانية، التي تعج بالأطفال اللقطاء، ثمرة هذا الزواج.
وبيّن أن طهران وحدها تحوي أكثر من 25 ألف طفل في الشوارع، ضحايا البعض من رجال الدين، فمع كل توقيع لوثيقة زواج متعة -على الطريقة الإيرانية- هناك توقيع لوثيقة تدمير إنسان أو إنسانة، مقابل مبلغ يكون مقدمة لتحطيم حياة إنسان أو طفل بريء.
إن الأمر الأخطر، كما يرى الراوي، يكمن في أن زواج المتعة هذا قد يتحول أو يصبح بديلا عن الزواج الدائم، ويقول إن ذلك من النتائج المحتملة إذا استمرت ظاهرة هذا الزواج، التي ستنتج أطفالا بلا هوية أو نسب وتُنهي مفهوم الأسرة، وهذا ما تعمل عليه وتسعى إليه الأحزاب الدينية.
ويؤكد باحثون ومفكرون عراقيون أن المجتمع العراقي بتركيبته الخاصة وشخصيته المتميزة لم يسمح بانتشار هذه الظاهرة، بل كان يقف دائما موقفا متشنجا أمامها، بصفتها تخل بنسيجه الاجتماعي وما له من تأثير عرفي على سمعة الأشخاص، لكن ذلك لم يمنع تداولها، على مستوى ضيق لا يمكن عدّه ظاهرة اجتماعية.
ويقول الباحث ثامر العامري إن ثمة أسبابا دعت إلى شيوع هذه الظاهرة وانتشارها في العراق، مؤخرا، وتتمثل بالعاملين؛ الاقتصادي والسياسي، وضعف الدولة بصفة عامة.
وأشار إلى أن ما سببته الحروب والكوارث أحدث خللا في التوازن بين الجنسين، كما أن انخفاض مستوى المعيشة وما عانته العائلة العراقية من ركود اقتصادي وحرمان أدى إلى انفلات العرف الاجتماعي الضاغط والضابط لإيقاع الحياة الكريمة.
يمكن أن نضيف إلى ذلك كله أن المشاريع السياسية المستقدمة إلى العراق، بعد احتلاله عام 2003، مبنية في مجملها أساسا على هدف تقويض الأسرة العراقية وتمزيق العلاقات الاجتماعية لتسهل تمرير هذه المشاريع، مما أسهم، بنحو كبير، في تشجيع الظاهرة وانتشارها وتنشيطها في مجتمع عانى الحرمان والكبت.
ولا ترى النائب العراقية السابقة الدكتورة ندی الجبوري، التي تعمل حاليا في الغرفة القانونية لمنظمة المرأة والمستقبل العراقية، في المتعة زواجا لعدم ورود ذكر له في الدستور أو قانون الأحوال الشخصية، كما لا توجد في الشرع نصوص واضحة وصريحة تعترف به زواجا شرعيا، مستبعدة أن يكون هذا الزواج علاجا للعنوسة، فعلاج العنوسة، في رأيها، يكمن في تغيير الشكل النمطي للزواج التقليدي والتمكين الاقتصادي للمرأة، بمعنى ألا يُثقل كاهل الأهل بتكاليف الزواج والمهر، وأن يشترك الاثنان بتحمل بناء حياتهما الزوجية بالتكافل، إذ ربما تكون إمكانية المرأة أكبر إمكانية فتسهم في تحمل التكاليف، بنحو أكبر.
وتقول الجبوري، في تصريح لـ”العرب”، إن “قانون الأحوال الشخصية يحرم الزواج خارج المحكمة، الذي تصل عقوبته إلى السجن، فمثل هذا النوع من الزواج يخلف مشكلات اجتماعية كبيرة، متمثلة بالملايين من المطلقات وأطفال مشردين لا معيل لهم، أو أطفال مجهولي النسب، وهذا لا يشبه اليتم، وإنما هو أقسى منه”.
الحل بيد الدولة
تقترح الجبوري أن تشجع الدولة المتزوجين بالقروض من دون فوائد وأن تضمن فرصة عمل لأحد الزوجين، وأن تتوجه جديا إلى حل أزمة السكن لتشجيع الشباب على الزواج والحد من زيجات مثل المتعة وللقضاء على العنوسة.
لكن استشاري الطب النفسي، الشاعر والأديب العراقي الدكتور ريكان إبراهيم، لا يتفق مع رأي الجبوري، فهو يرى أن زواج المتعة يتبع الكلمة الحقيقية لكلمة “زواج”، إذا توفر فيه عنصر الإشهار، “فكل زواج متعة، طال أمدها أم قصر”. ويضيف “فآباؤنا وأمهاتنا الذين أنجبونا قد تزوجوا بحكم الاشتهاء والرغبة، التي استمرت بالمعاشرة فلم ينته زواجهم إلى طلاق”. ويتساءل “ما الفرق بين زواج وزواج استنادا إلى هذا الفهم؟”.
ويقول إبراهيم، في حديثه مع “العرب”، إن “علم النفس لا يرى في مثل هذه الأمور أي دلالة على الفساد، فهناك تسميات أخرى لزواج يشبه المتعة معنى ومبنى كالمسيار مثلا”.
وتعتبر طالبة في كلية الإعلام بجامعة بغداد -لم تشأ ذكر اسمها- أنه “كما حلل الدين للرجل أن يتزوج بأربع نساء، فقد حلل لنا نحن المطلقات والأرامل هذا الزواج، وخصوصا من لا تستطيع إعالة نفسها في هذا الوقت الصعب، فضلا عن أن يكون للمرأة المطلقة طفل تخاف أن تفقده إذا تزوجت زواجا عاديا”.
وهي لا تخفي أنها تطلب مهرا، وتختار شخصا ملتزما يستطيع تحمل تبعات هذا الزواج وأحكامه، مؤكدة أن مثل هذا الزواج ساعدها على إعالة نفسها وطفلها.
وتخالفها في هذا الموقف إحدى طالبات الدراسات العليا (شريعة إسلامية) التي ترى أن الزواج السري أو زواج المتعة المنتشر، حاليا، في الجامعات والكليات الأهلية والحكومية، “هو مجرد فساد مقنع”.
وتقول إن معظم هذه الزيجات لا تتوفر فيها شروط زواج المتعة وأحكامه، مثل المدة أو المهر المقدم للبنت، لاسيما وأن البعض من الشباب يستغلون الفتيات والطالبات، معتبرة أن مثل هذا الزواج يذلّ المرأة ويحرمها من حقوقها ويعرضها لنظرة قاسية برفض المجتمع لها، “ليزيد الأمر سوءا عندما تحمل من هذا الزواج، وبعد ذلك ستلجأ إلى طرق كثيرة للتخلص من الجنين، وهنا الكارثة”.
جزء من الكوميديا السوداء في العراق أن بعض هذه الزيجات يتم عن طريق المراهنات بين الشباب، كأن يراهن شاب أصحابه على أنه سيتزوج زميلته الفلانية اليوم زواج متعة، وما إن يصطحب الطالب الفتاة حتى تعرف الكلية بأجمعها بأمر الرهان. وهذا الأمر لا يقتصر على طلبة الجامعات بل يتعدى ذلك إلى الدوائر الحكومية، وأغلب المتزوجات على هذا النحو من المطلقات والأرامل.
يتم زواج المتعة، غالبا، في مكاتب النسخ والطباعة قرب المحاكم الشرعية، أو قرب المراقد في كربلاء والنجف والكاظمية، وبسرية تامة، مما دعا أحد مؤيدي هذا الزواج، وهو موظف حكومي في الثلاثينات من عمره إلى القول “إني أؤمن بمشروعية زواج المتعة لكن أظل أتساءل عن سبب كونه سريا، كيف يمكن لعلاقة سرية أن تكون حلالا ومقبولة دينيا؟”.
رصدت باحثة اجتماعية ظاهرة هذا الزواج فوجدت أن نسبة “نساء المتعة” في العراق تتراوح بين 2 و4 بالمئة، فيما رصدت منظمات المجتمع المدني أن “نتيجة زواج المتعة ظهرت في حالات من الانتحار والقتل، (غسلا للعار) وما إلى ذلك، بصفة لافتة للنظر”.
ويقول أنصار زواج المتعة إنه يحمي المرأة الضعيفة من الاستغلال عن طريق حصولها على عقد زواج مدعوم من سلطة دينية، فيما يقول المعارضون إن المرأة في زواج المتعة لا تحصل على حقوق الزوجة العادية، ويتم في البعض من الحالات وصم النساء في زواج المتعة بأنهن لسن أكثر من بغايا يعملن تحت “غطاء قانوني”.
وعلى الرغم من عدم وجود أرقام ثابتة، فهناك أدلة غير مؤكدة تشير إلى أن شعبية زواج المتعة نمت بصفة كبيرة في السنوات الأخيرة بعد احتلال القوات الأميركية للعراق وصعود الأحزاب الطائفية المدعومة من إيران للحكم.
العرب