المستثمرون الذين راهنوا على الذهب خلال العام الجاري كسبوا الرهان، إذ كسب المعدن النفيس خلال شهر أغسطس/ آب وحده 100 دولار، بسبب الاضطرابات الشديدة التي شهدتها أسواق المال العالمية من حروب تجارية وتوتر في منطقة الخليج وغيرها.
كما ربحت أسعار الذهب نحو 18 بالمائة أو ما يزيد عن 200 دولاراً منذ مايو/ أيار الماضي، وهو الشهر الذي بلغت فيه أسعار المعدن النفيس أدنى مستوى خلال العام الجاري لدى مستوى 1265.85 دولاراً للأوقية “الأونصة”.
ووفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي خلال النصف الثاني من العام الجاري، فإن البنوك المركزية التي تتوسّع في طباعة الأوراق النقدية، كانت أكبر المشترين للذهب والرابحين من الاستثمار فيه. وحسب تقرير المجلس، من بين البنوك التي عززت مشترياتها ورفعت احتياطها من الذهب، تركيا وروسيا وكازاخستان والهند والعراق وبولندا وهنغاريا.
وهذا يعني ببساطة أن البنوك المركزية لم تعد تثق بسياساتها النقدية. وفي ظل ارتفاع أسعار الذهب قفزت قيمة احتياطي روسيا من المعدن النفيس العام الماضي بنسبة 42% إلى 109.5 مليارات دولار، وبات الذهب الآن يشكل أكبر حصة من إجمالي احتياطيات روسيا منذ عام 2000.
وحول مستقبل أسعار الذهب، يرى الملياردير الأميركي مارك موبيوس أنّ أسعار الذهب ستواصل الارتفاع وسط سياسات البنوك المركزية الرامية لخفض أسعار الفائدة وتيسير السياسات النقدية لتلافي وقوع اقتصادات بلدانهم في مستنقع الركود الاقتصادي.
وينصح موبيوس، في لقاء مع قناة “سي أن بي سي” الأميركية، المستثمرين بوضع أموالهم في الذهب، ويقول “يجب على المستثمرين وضع 10% على الأقل من أموالهم في الذهب”.
ويرتبط سعر الذهب بعلاقة عكسية مع الكتلة النقدية، فكلما توسّعت الكتلة النقدية ارتفع سعر الذهب وكلما انكمشت انخفض سعر المعدن الأصفر.
وبالتالي، يرى العديد من خبراء الاستثمار أن أسعار الذهب لن تنخفض في المستقبل القريب، ما لم تحدث تسوية للحرب التجارية بين واشنطن وبكين، وهي حرب معقدة وتواصل الاشتعال وتضرب تداعياتها بورصات الأسهم وأدوات المال الأخرى مثل السندات التي تحول جزء كبير منها للعائد السالب.
وفي لندن، حسب رويترز، ارتفعت أسعار الذهب أمس الأربعاء، في ظل توقعات بأن يقدم البنك المركزي الأوروبي تحفيزاً جديداً ويخفض أسعار الفائدة، إذ ارتفعت في المعاملات الفورية 0.5 بالمائة إلى 1493.50 دولاراً للأوقية (الأونصة).
يذكر أن الاستخدام الكثيف للدولار في الحظر الاقتصادي الأميركي على الدول، والذي أصبح أداة رئيسية من أدوات السياسة الخارجية في عهد الرئيس دونالد ترامب، دفع العديد من الدول إلى تقليص الدولار في احتياطاتها الأجنبية لدى بنوكها المركزية والتعويض عنه بالذهب خوفاً من أن تستهدف بالحظر الأميركي.وهو ما ساهم في ارتفاع ربحية هذه الدول خلال العامين.
في هذا الصدد، ذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية في تقرير أمس أن روسيا من بين الدول التي استفادت من ضغوط الحظر الأميركي، إذ اتجهت لشراء الذهب وكسبت الرهان، مع ارتفاع أسعار المعدن النفيس.
ووفقاً للوكالة الأميركية، فقد ضاعفت روسيا احتياطيات الذهب خلال العقد الماضي بنحو 4 مرات، وذلك في إطار استراتيجية تهدف لتنويع الاحتياطيات الأجنبية والابتعاد عن الدولار. وأشارت إلى أن الخطوة أثبتت صحتها، إذ إن هذا الإجراء بدأ يؤتي ثماره، حيث صعدت أسعار الذهب إلى أعلى مستوى في 6 سنوات، باعتباره ملاذاً آمناً.
وقال الخبير الاستراتيجي فلاديمير ميكلاشيفسكي إن “روسيا حمت استقرار اقتصادها الكلي من خلال أدوات محايدة، لذلك تم استبدال الدولار بالذهب على نطاق واسع، وهي استراتيجية جلبت مليارات الدولارات للمركزي الروسي في غضون عدة أشهر”.
وفي ذات الاتجاه ذكر تقرير لمجلس الذهب العالمي أن كميات الذهب التي اشترتها البنوك المركزية خلال 2018 سجلت مستويات قياسية هي الأعلى على الإطلاق.
وأشار التقرير إلى أن البنوك المركزية اشترت خلال العام الماضي أكبر كمية من المعدن النفيس منذ عام 1967، إذ اشترت 651.5 طناً، بزيادة نسبتها 74% عن عام 2017، إذ اشترت 375 طناً من الذهب.
وعن سبب الإقبال على الذهب قال التقرير: “ساهم الغموض الجيوسياسي والاقتصادي المتزايد على مدار عام 2018 في دفع البنوك المركزية بشكل متزايد إلى تنويع احتياطياتها وتركيز اهتمامها على الهدف الرئيسي المتمثل في الاستثمار بالأصول الآمنة”.
وبناء على أرقام مجلس الذهب العالمي، حول احتياطيات دول العالم من المعدن النفيس، فقد ارتفع متوسط سعر أونصة الذهب من 1323.25 دولاراً التي سجلتها في مارس/ آذار الماضي إلى 1427 دولاراً في يوليو/ تموز الماضي.
وحسب بيانات المجلس، فقد رفعت البنوك المركزية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من مشترياتها من الذهب خلال الآونة الأخيرة بنسبة 10% وتمكنت من حصد أرباح من هذه الزيادة.
ويرى خبراء أن اهتمام البنوك المركزية في منطقة الخليج بزيادة احتياطيات الذهب جاء متأخراً، ومعظم أرقام احتياطات الذهب للدول الخليجية لم تتغير منذ 2010. ويعود السبب في ذلك إلى ربط الدول الخليجية عملاتها بالدولار واستثمارها بكثافة على السندات الأميركية.
وهنالك بيانات غير مؤكدة نشرتها قناة “روسيا اليوم” عن بعض الدول العربية التي حصدت أرباحاً من الاستثمار في الذهب، ومن بينها لبنان الذي حقق أرباحاً قيمتها 957 مليون دولار في ستة أشهر، وذلك بين مارس/ آذار وسبتمبر/ أيلول الجاري. وتبلغ قيمة احتياطي لبنان من الذهب حالياً 13.159 مليار دولار.
فيما حققت الجزائر في نفس الفترة أرباحاً قدرها 579 مليون دولار، وتبلغ قيمة احتياطي الجزائر من الذهب حالياً نحو 7.965 مليارات دولار، كما حققت الكويت أرباحاً قيمتها 263 مليون دولار وليبيا 389 مليون دولار والسعودية 1.078 مليار دولار.