يعتقد غالبية أصحاب الصحف الورقية في العراق، أن الإعلان الحكومي، الذي يمثل المصدر الوحيد تقريبا لتمويل الصحف الورقية، لا يوزع بطريقة عادلة بين الجميع، إلى جانب الفساد التي يطال عملية التوزيع تلك، وتاليا، فإن عمل هذه الصحف واستمرارها بات على المحك، خاصة في ظل أزمة تراجع المطبوع الورقي في العراق والعالم.
وغالبا ما يثير ويحتج رؤساء الصحف وملاكها منذ سنوات، على قضية التمويل المتعلقة بالإعلان الحكومي نتيجة اعتمادهم عليه في تسيير شؤونهم المالية، إذ إن القطاع الخاص في العراق، لا يؤمن تقريبا بسياق وثقافة الإعلان والترويج لبضائعه ومنتجاته عبر وسائل الإعلام المختلفة، إلا باستثناءات قليلة جداً، تمثلها ربما شبكات الاتصال الثلاث (زين، كورك، آسياسيل) الكبيرة العاملة في العراق، لذلك لم يبق أمام الصحف الورقية إلا الاعتماد على الإعلان الحكومي الرسمي لتدبير جزء من متطلباتها المالية من أجل ضمان استمرارها في العمل والصدور.
وحيال ما تعد معاناة شبه يومية بالنسبة لقضية تمويل الصحف والسعي لبقائها على قيد الصدور وتلافي إغلاقها، تحرك مطلع الشهر الجاري، رؤساء نحو 20 صحيفة تصدر يومياً في العراق، عدا إقليم كردستان، وبتعاون ودعم نقابة الصحافيين العراقيين ورئيسها مؤيد اللامي إلى وضع ميثاق شرف يضمن عدالة التوزيع للإعلان الحكومي، ومنع التلاعب به من قبل ما بات يطلق عليها «مافيات الفساد الإعلاني» الموجودة على مستوى مكاتب الإعلام في مؤسسات ووزارات الدولة المختلفة، أو على مستوى بعض الصحف النافذة.
«ميثاق الشرف» المؤلف من 15 بنداً، وقّع من قبل رؤساء تحرير الصحف اليومية، خلال اجتماع تداولي، عقد في 5 سبتمبر (أيلول) الجاري، بمقر نقابة الصحافيين العراقيين، وبحضور النقيب مؤيد اللامي.
ونص الميثاق على تجاوز المشكلات المتعلقة بـ«توزيع حصص الإعلان الحكومي وأسعاره ودخول الوسطاء والطفيليين على خط الإعلان، مما يتسبب في ضياع الأموال وحرمان الصحف من كامل الواردات المخصصة للإعلان».
وبحسب الموقعين، فإن الميثاق الذي تضمن 15 بندا، يستهدف «الارتقاء بمستوى الإعلان الرسمي وتحقيق الغايات المرجوة منه وإعادة الإمساك بزمام الأمور ووضع ضوابط نشر الإعلانات الرسمية وشبه الرسمية بما يحقق المنافع المتبادلة لطرفي العقد، وتوفير مبالغ مهمة للصحف تذهب حاليا إلى جيوب الوسطاء بغير حق».
ونصت المادة الأولى من الميثاق على «تحديد قيمة الإعلان الحكومي في الصحف كافة وفي الصفحات الداخلية بمبلغ 750 سبعمائة وخمسين دينارا للسنتمتر المربع».
وألزمت واحدة من مواد الميثاق إدارات الصحف بنشر سعر الإعلان الحكومي بما لا يقل عن مرة واحدة أسبوعيا وفي مكان بارز، كذلك منعت أخرى، منعاً تاماً منح عمولات للموظفين المعينين بتوزيع الإعلانات على الصحف ويعد ذلك شراكة مباشرة بالفساد.
ورداً على ما يتردد من قيام «مافيا» باحتكار الإعلان الحكومي وتوزيعه على بقية الصحف، أكدت المادة الرابعة من الميثاق على أنه «لا يجوز منح تخاويل مفتوحة إلى مندوب الإعلان ولا يحق له تسلم إعلانات جريدة أخرى غير جريدته».
وشددت المادة الخامسة على أن «يكون حجم الحرف للإعلان بما لا يقل عن بنط 11 لمنع التلاعب واستغفال المستفيدين من محتوى الإعلان». كما جوز الميثاق التعامل مع الشركات والمكاتب الإعلانية المسجلة والمجازة على ألا تتجاوز نسبة العمولة من قيمة القائمة 25 في المائة.
وطالبت بعض بنود الميثاق الصحف بـ«تصويب أوضاعها لدى لجنة الاعتمادات في نقابة الصحافيين لضمان شمولها بتوزيع الإعلانات، واحترام مبدأ التنافس المشروع بما لا يؤثر على الصحف الأخرى».
ومن بين البنود المهمة التي وردت في الميثاق هو تأكيده على «قيام نقابة الصحافيين العراقيين بإعلام الأمانة العامة بمنطوق الميثاق وتزويدها بأسماء الصحف المعتمدة في النقابة لغرض تعميمها على الوزارات كافة والدوائر غير المرتبطة».
ويرى رئيس تحرير جريدة «الدستور» والناطق الرسمي باسم نقابة الصحافيين العراقيين باسم الشيخ، أن «الميثاق يهدف أساساً إلى القضاء على الفساد والهدر في الإعلان الحكومي الذي يقدر بنحو 20 مليار دينار عراقي سنوياً».
ويقول الشيخ لـ«الشرق الأوسط» إن «ما تنفقه الدولة على الإعلان كبير جداً، لكنه ونتيجة للفساد لا يوزع بالتساوي على جميع الصحف، ولو حدث ذلك، لتمكنت جميع الصحف من العمل بطريقة مريحة، وسيصل كل جريدة نحو مليار دينار سنوياً، لكننا عمليا لا نحصل اليوم إلا على نحو 150 مليون دينار عراقي، وهذا لا يغطي إلا الجزء اليسير من نفقات الصحيفة اليومية، لذلك تجد أن الصحف تعاني باستمرار».
ويشير الشيخ إلى أن «الموظفين في مكاتب الإعلان الحكومية باتوا يشكلون حلقة الفساد الأكبر، لأنهم يقومون بابتزاز الصحف ولا يمنحون الإعلان إلا للجرائد التي تدفع أعلى العمولات، وهناك أيضا، مافيا فساد داخل بعض الصحف تقوم بالتنسيق مع المكاتب الحكومية لاحتكار الإعلانات وتوزيعها بنسب عمولة عالية إلى بقية الصحف».
وحول قدرة الميثاق على ضبط إيقاع الإعلان الحكومي وتطبيق عملية التوزيع العادل ومنع الفساد، يرى الشيخ أن «ذلك ممكن بكل تأكيد في حال طبقت بنود الميثاق بحذافيره، ثم إن هناك عقوبات رادعة تضمنها الميثاق على أصحاب الصحف من غير الملتزمين، من بينها إلغاء عضوية رئيس التحرير في نقابة الصحافيين وإلغاء اعتماد الصحيفة في النقابة أيضاً».
وحول ما يتردد عن قيام جريدة «الصباح» شبه الرسمية التابعة لـ«شبكة الإعلام العراقية» باحتكار سوق الإعلان الحكومي، يؤكد الشيخ ذلك، ويرى أن «احتكار الصباح مسألة خاطئة جداً، باعتبار أنها تابعة لمؤسسة بث عام ممولة من الدولة، ويجب ألا تنافس الصحف الخاصة على الإعلان الحكومي، لذلك سنقوم بتقديم استفسار إلى المحكمة الاتحادية حول شرعية عمل جريدة الصباح».
ويختم الشيح قائلاً: «مشاكل الإعلان الحكومي كثيرة جداً ونحن بحاجة إلى جهود مضاعفة للفوز في هذه المعركة، هناك مافيا كبيرة تسيطر على هذا المجال مدعومة من صحف وهمية لا تصدر عادة إلا بيوم توزيع الإعلان، مع أن وزارة التخطيط تشترط أن يصل الإعلان إلى جريدة يومية واسعة الانتشار وغير مرتبطة بحزب أو إقليم أو محافظة».
وخلافاً للحماس الذي يبديه أصحاب ورؤساء تحرير الصحف لبنود الميثاق، يشكك الصحافي ومدير تحرير جريدة «العالم» البغدادية مصطفى عبادة بذلك، ويرى أن «العدالة في توزيع الإعلان الحكومي مسألة جيدة، لكن غالبية أصحاب الصحف يدافعون عن مصالحهم فقط وليس عن مصالح الصحافة والصحافيين بوجه عام».
ويقول عبادة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «أصحاب الصحف، لم يجتمعوا لتوقيع ميثاق شرف، يخص حقوق العاملين في مؤسساتهم الإعلامية، أو الارتقاء بالمنتج الصحافي المحلي، إنما لضمان أرباح أكثر وديمومتها، كما أنهم لم يسارعوا إلى إصدار بيان مشترك، مثلاً، ضد قانون جرائم المعلوماتية الذي ينتظر الإقرار في مجلس النواب، وهو يصادر حرية الرأي والتعبير».
ويلقي عبادة باللائمة على أصحاب الصحف في تراجع مستوياتها وضحالة محتواها، ويقول إنها «عبارة عن كومة من الجرائد بأخبار متشابهة، عناوين مكررة، معلومات مستهلكة، وآراء سطحية، ويغيب عنها بشكل جلي العمل الصحافي الاستقصائي، وذلك بمجمله سبّب عزوفاً لدى القراء الذين صاروا يجدون معلومة ورأياً أكثر عمقاً في مواقع التواصل الاجتماعي».
ويرى عبادة أن «ما تعانيه الصحافة المحلية، لا يمكن تجاوزه قبل تطوير مهارات العاملين في مختلف المؤسسات الإعلامية، وتقديم عمل صحافي حقيقي يستحق القراءة والتفاعل، كذلك إيجاد أساليب تسويقية مناسبة تتماشى ومزاج مختلف فئات المجتمع».
ويشير إلى أن «المؤسسات الأكاديمية في مجال الإعلام والصحافة، لم تعد تنتج لنا خريجين يجيدون صناعة جملة قواعدية (نحوية) صحيحة، وليس خبراً، هذا الهدر في الطاقات البشرية، ربما يشمل أغلب طلبة الجامعات، لكني أجد القائمين على هذه التخصصات يمارسون عملية تجهيل ليس إلا».
الشرق الاوسط