تعرض نائب الرئيس الاميركي السابق جو بايدن الى سؤال مباشر عن العراق في المناظرة الرئاسية بين المرشحين الديمقراطيين للرئاسة قبل ايام. بايدن كان يقف في مركز المنصة التي جمعت المرشحين فهو المرشح الابرز الذي ترجح استطلاعات الرأي فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي وتأهله بالتالي لمواجهة الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد سنة وشهرين تقريبا. لكن اجابة بايدن, وقد كان مسؤولا عن ملف العراق في عهد اوباما, عن سؤال العراق جاءت مشوشة. كان ذلك المحور في المناظرة يتعلق بالحروب الخارجية للولايات المتحدة وكان الحديث يجري عن افغانستان اولا ثم تحول نحو العراق مع سؤال بايدن. اختار بايدن ان يبدأ بالحديث عن افغانستان اولا ليستهلك معظم الوقت المخصص للاجابة عن ذلك الموضوع. وعندما وصل الى العراق قال بان قرار الانسحاب لم يكن خطا ابدا ثم اضاف, وهنا انا اترجم كلماته تماما وبالنص, اضاف بأن الخطأ الكبير الذي حصل والذي توقعناه هو ان لا يكون هناك وضع يعمل فيه الشيعة والكرد معا لمنع تنظيم داعش من الدخول الى العراق. انتهى الاقتباس من كلام بايدن.
لك عزيزي القارئ ان تعيد قراءة كلام بايدن او تستمع اليه وهو منشور ومسجل. يجب هنا طبعا ان نقدر ضغط الوقت في المناظرات الرئاسية وضرورة ان يلخص المرشح اجابته ويحاول طرح نقاط القوة فيها من غير اخطاء فاضحة ترتد عليه وعلى حظوظه في الفوز. التباس كلام يجعله عرضة للتفسيرات او العودة الى تصريحات اقدم من اجل تأسيس سياق للفهم هذا امر لا يتسع له المقام لكننا نؤشر ان الولايات المتحدة في ادارتي بوش الابن واوباما عانت من كثير من التشوش والالتباس وغرقت بالاضافة للمستنقع العسكري بعد احتلالها للعراق في مستنقع سياسي مع القوى السياسية العراقية التي كسبت كثيرا جدا من الولايات المتحدة التي اسقطت لها نظام الحكم السابق الذي كان يقمعها وقدمت لها العراق على طبق من ذهب. حتى ان احد الصحفيين العرب نقل يوما عن رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي قوله يوما, وقبل ان يصبح رئيسا للوزراء, ان اميركا كانت ثورا هائجا ركبناه من اجل الوصول الى اهدافنا. اذا عاد بايدن رئيسا فمن المتوقع ان يعيد سياسة الابتعاد عن العراق وتقليل الانهماك في شؤونه السياسة الداخلية. كانت مهمة بايدن في زمن اوباما معروفة وهو يؤكد عليها الان في حملته الرئاسية وهي الانسحاب من العراق وهو امر يفخر بانه انجزه.
اما ترامب فقد قال مؤخرا بان حرب العراق كانت خطا كبيرا عارضه منذ البداية. كلام ترامب اتى بعد ان ازاح مستشاره للامن القومي جون بولتن المؤيد المعروف لحرب العراق والمتشدد تجاه ايران. كلام ترامب لم يكن جديدا فقد قال ما هو اقوى منه ايام حملته الانتخابية لكنه عندما وصل الى الرئاسة اتخذ نهجا لا يختلف كثيرا عن نهج اوباما وبوش فيما يتعلق بالقضية الاساسية وهي النفوذ الايراني في العراق. لم يشأ ترامب ان يواجه ايران في العراق او ان يحول العراق الى ساحة لتلك المواجهة. لا بل انه يبدو قلقا من ان تتخذ ايران قرارا بمواجه اميركا في العراق واستهداف قواتها هناك. يركز ترامب تماما وحصرا على خطر تنظيم داعش ويريد ابقاء القوات الاميركية في العراق من اجل ذلك لا من اجل العودة الى الوضع الكابوسي الذي عانت منه اميركا بعد غزوها للعراق من مواجهة تمردين مسلحين احدهما سني والاخر شيعي.
احكم ترامب تماما قبضته على الحزب الجمهوري وبات يحظى بتأييد الغالبية الساحقة من انصاره فيما يتنافس الديمقراطيون مع بعضهم حتى الان. من المتوقع ,ولكن من غير المحسوم بعد, ان تكون الانتخابات الرئاسية بين ترامب وبايدن و ربما يدور الحديث اكثر عن العراق في حملتيهما الانتخابية. لكن في النهاية لا يتوقع حصول تغيير جذري. فترامب يقول صراحة بانه لايريد تغيير النظام في ايران ولكنه يريد من النظام ان يتغير ويتجاوب معه. ومن اجل اتفاق جديد مع طهران قد يسقط ترامب بسهوله شروطه على ايران التي تتضمن تحجيم نفوذها الاقليمي ومن ضمن ذلك العراق طبعا. اما بايدن فينظر تماما للعراق على انه مكون من ثلاث مكونات طائفية و من تشخصيه في اجابته في المناظرة على ان المشكلة كانت في عدم توافق الشيعة والكرد فقد يوجه سياساته اذا اصبح رئيسا نحو مزيد من التوافق بين هذين الطرفين لكن الاهم انه لن يكون هناك انسحاب جديد من العراق مهما كان الفائز. فقد اصبح وجود القوات الاميركية الان واحدا من ثوابت الامن القومي الاميركي في المرحلة الحالية, ترامب وبايدن يريدان ان يستمر ذلك من غير التصادم مع ايران.
الزمان