فساد الأحزاب الحاكمة يغرق العراق في المزيد من الديون

فساد الأحزاب الحاكمة يغرق العراق في المزيد من الديون

تتجنّب الحكومة العراقية الكشف عن القيمة الحقيقية للديون الخارجية والداخلية المترتبة في ذمة البلاد، تاركة الباب مفتوحا على مصراعيه أمام التأويلات.

وبرغم الموازنات الانفجارية التي ينفقها العراق سنويا على مختلف القطاعات، إلاّ أن التلازم الغريب بقي قائما بين سوء الخدمات المقدمة للسكان والزيادة المطردة في حجم الديون الخارجية، ما يؤكد أن الحصة الأكبر من عوائد النفط تذهب لصالح الأحزاب التي تهيمن على السلطة بعيدا عن الرقابة الحكومية. ومنذ 2003 لم تنجز الدولة مشاريع عملاقة كي تبرّر هدر هذه المبالغ الطائلة.

ويقول منقذ داغر، وهو متخصص عراقي في مجال الإحصاء، إن المبالغ التي أهدرتها الحكومات المتعاقبة منذ 2003 تجاوزت حاجز التريليون دولار.

منقذ داغر: أكثر من تريليون دولار أهدرتها الحكومات المتعاقبة منذ 2003
منقذ داغر: أكثر من تريليون دولار أهدرتها الحكومات المتعاقبة منذ 2003
وتتضارب التقديرات المتعلقة بالدين الخارجي الواجب على العراق بين 40 و80 مليار دولار، إذ لا يزال الخلاف مستمرا بشأن حقيقة مطالبة دول خليجية لبغداد بسداد 40 مليار دولار كان نظام صدام حسين قد اقترضها قبل إسقاطه. وحتى مع حذف الديون الخليجية، تبقى بغداد مدينة لدول وجهات خارجية بنحو 40 مليار دولار ومثلها لجهات وشركات داخلية.

وجاءت آخر تقديرات صندوق النقد الدولي للوضع المالي العراقي في يوليو الماضي لتكرس حالة التشاؤم التي تحيط بالاقتصاد المحلي بالرغم من تحسن أسعار النفط بما يتجاوز الحد الأدنى الذي توقعته الحكومة العراقية للبرميل الواحد.

وقال صندوق النقد الدولي إن “إعادة الإعمار وتعافي الاقتصاد بعد الحرب على تنظيم داعش سارا بمعدل بطيء”. واقتصر ارتفاع إجمالي الناتج المحلي غير النفطي على نسبة أقل 1 بالمئة على أساس سنوي خلال العام الماضي “نظرا لضعف تنفيذ عمليات إعادة الإعمار وغيرها من الاستثمارات العامة. وانكمش إجمالي الناتج المحلي الكلي بنحو 0.6 بالمئة مع خفض الإنتاج النفطي إعمالا لاتفاق أوبك”.

ووفقا لهذا التقدير، فإن الآمال تتلاشى بشأن قدرة العراق على سداد جزء من ديونه الخارجية، فضلا عن الداخلية. وتضمنت موازنة العام الجاري نحو 15 مليار دولار لسداد الديون لكن من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة العراقية قد أنفقت المبلغ في هذا الباب فعلا في ظل انعدام الشفافية في ما يتعلق بالبيانات المالية الرسمية.

ويحذر نواب في البرلمان العراقي من تحميل موازنة العام القادم أكثر مما تستطيع في ملف الديون ما يمكن أن يشكل تهديدا لمصدر دخل الملايين من الموظفين الذين يعتمدون على الراتب الحكومي.

وتشير تقديرات منسوبة للجنة المالية في البرلمان العراقي إلى أنّ موازنة العام القادم ستتجاوز حاجز الـ120 مليار دولار مع توقعات بأن تبلغ نسبة العجز فيها نحو 50 بالمئة.

وتذهب معظم تخصيصات الموازنة إلى تمويل بند الرواتب الحكومية، ما يعني أن العجز قد يضر بشريحة الموظفين.

وبناء على ذلك قالت اللجنة المالية في البرلمان العراقي إنها لن تتسلم مشروع موازنة 2020 من الحكومة إذا تضمنت بنودها عجزا ماليا كبيرا.

وقال رئيس اللجنة هيثم الجبوري، إن “موازنة العام المقبل لا تزال في مراحل الإعداد لدى الجهات الحكومية المعنية”، مؤكدا أن اللجنة المالية ستعيد الموازنة إلى الحكومة “وتحملها المسؤولية في حال وجود عجز مالي كبير”.

وأضاف أن “الحكومة معنية بإيجاد حلول لسد العجز في الموازنة غير الإيرادات النفطية”.

وفي حال صحت تكهنات العجز في موازنة العام المقبل، فإن تسديد الديون الخارجية سيكون أمرا مستحيلا فضلا عن إمكانية زيادتها، نظرا لتوقعات بالحاجة إلى اقتراض جديد من أجل تمويل رواتب الموظفين.

ويقول عضو اللجنة المالية بالبرلمان العراقي أحمد الجبوري، إن ديون العراق الخارجية بلغت 125 مليار دولار، مشيرا إلى أن “بقاءها ينذر بوجود خطر على المستقبل الاقتصادي للعراق”.

Thumbnail
ويفضل معظم النواب تحميل الحكومة مسؤولية العجز المالي في خزينة البلاد متجاهلين حقيقة أن اللجان الاقتصادية غير الشرعية، التي تشكلها الأحزاب لتمثيلها في مؤسسات الدولة الرسمية هي السبب في تسرب أموال البلاد إلى شبكات الفساد.

ولم يعد سرا أن الأحزاب الكبيرة تشكل لجانا تعرف بـ“الاقتصادية” مهمتها جباية حصصها من أموال الدولة عن طريق مراقبة إحالة المشاريع للحصول على عمولات مالية، ما يعني أن نواب البرلمان القادمين أساسا من الأحزاب هم جزء من المشكلة وربما أساسها.

وكثيرا ما يكون النواب أعضاء في لجان أحزابهم الاقتصادية، وهم يستغلون وجودهم في البرلمان للضغط على المسؤولين التنفيذيين بهدف الحصول على المقاولات، فيما يكون الاستجواب مصير المسؤولين الذين يرفضون.

ويتوقع خبراء الاقتصاد في العراق أن يستمر العجز في موازنة البلاد ما دامت صيغ الفساد والمحاصصة الحزبية قائمة، فيما يشير آخرون إلى إمكانية حدوث انهيار اقتصادي وشيك في حال هبطت أسعار النفط العالمية عن معدلاتها الحالية.

وبهدف البحث عن شركات تنفذ مشاريع بصيغة الدفع بالآجال نظرا لعجز الخزينة العامة عن التمويل المباشر، لجأ رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي إلى الصين مؤخرا طلبا للمساعدة وسط تحذيرات من توريط البلاد بديون خارجية جديدة.

العشوائيات مأوى الملايين من العراقيين
بغداد – أعلنت مفوضية حقوق الإنسان العراقية أن ثلاثة ملايين مواطن يعيشون في الآلاف من العشوائيات المنتشرة داخل البلاد والتي يوجد أغلبها بالعاصمة بغداد. وقال علي البياتي عضو المفوضية المرتبطة بالبرلمان العراقي، الاثنين، في بيان “من خلال الأرقام الرسمية لوزارة التخطيط، فإن هناك أكثر من 3700 موقع للعشوائيات في العراق”. وذكر البياتي أن بغداد وحدها “يوجد بها ألف موقع للعشوائيات، وبذلك تتصدر قائمة المحافظات في هذا المجال.. تليها البصرة بـ700 موقع، فيما تتذيل محافظتا النجف وكربلاء القائمة بواقع 98 موقعا”. وتضم المواقع 522 ألف وحدة سكنية يعيش فيها أكثر من ثلاثة ملايين مواطن أجبرهم العوز والفقر والظرف الأمني على العيش هناك.

كما اعتبر البياتي في بيانه أنّ “طرد أي من هؤلاء وإزالة مسكنه دون توفير بديل له هو تجاوز على حقوق الإنسان، باعتبار أن حق السكن مكفول في الدستور وتتحمل الدولة مسؤولية توفيره لكل مواطن”. ومؤخرا كثفت أمانة بغداد ودوائر البلدية في المحافظات، جهودها ضمن حملة إزالة التجاوزات على أراضي الدولة؛ ما تسبب بتشرّد عدد كبير من المواطنين من ذوي الدخل المحدود. وتحت الضغوط الشعبية ومؤسسات مدنية، أوقفت الأمانة الحملة، لحين توفير بدائل لساكني العشوائيات قبل إزالتها.

العرب