كل المعطيات اليوم تعكس إرهاصاً لمتغيرات جديدة في منطقة الخليج العربي عقب الهجوم الإرهابي الكبير لإيران بالمسيّرات والصواريخ، على معملَيْ “أرامكو” في بقيق وخريص في المملكة العربية السعودية، منذ أسبوعين.
وقائع الأسبوع الماضي في محفل الأمم المتحدة، كانت مناسبة دولية مؤاتية لرصد تلميحات وإشارات، قد تفيد المراقبين حول احتمالات سيناريو الأيام المقبلة.
وإذا بدا طبيعياً، ألاّ يكون الرد من قبل المملكة والولايات المتحدة وحلفائهما في التو والحال على هجوم إيران الإرهابي، بسبب حساسية التوقيت الذي شهده أسبوع فعاليات الأمم المتحدة في مناسبة دورتها الرابعة والسبعين، وبسبب انتظار نتائج عمل لجان التحقيق الدولية في الحادثة، فإن ما ليس طبيعياً، بطبيعة الحال، أن يمر هذا الهجوم الإيراني الخطير على أهم خطوط إمداد الطاقة العالمية، من دون أن يكون هناك رد يوازي خطورة تلك الهجمات.
الرد سيأتي، وهذا ممّا لا شك فيه، لكن طبيعة الرد هي التي سيكون التعويل عليها، فأن يكون الرد، رداً حقيقياً وفعالاً، لا يعني بالضرورة أن يكون موازياً للعنف الذي ظهر في الهجمات الإرهابية الإيرانية على معملَيْ “أرامكو”.
هجمات هستيرية مفتعلة
كل مراقب للوضع في إيران هذه الأيام، يدرك تماماً أنها تفتعل تلك الهجمات الهيسترية بحثاً عن مخرج سريع من الاختناق الخطير الذي تعاني منه بفعل العقوبات الأميركية، وهي عقوبات بالغة القسوة ولم يسبق أن استخدمتها الولايات المتحدة من قبل.
هذا يعني أن ضغطاً آخر من جرعة العقوبات القاسية قد يكون رداً مناسباً وكافياً، إما لردود فعل هيسترية أخرى (ربما تكون هذه المرة فتح جبهة حزب الله مع إسرائيل) أو لتهور آخر في ضربة مماثلة تكون بمثابة انتحار سياسي للنظام الإيراني اليائس.
كان واضحاً أنّ اختيار الهجمات الإرهابية على معملَيْ “أرامكو” في بقيق وخريص من جانب النظام الإيراني، تعبير من تعابير اليأس، إذ بدا لكل مراقب أن هجوماً من هذا العيار، لن تكون معه الأوضاع الجيوسياسية في الخليج كما كانت قبله.
وهذا ما قد يُحضّر له في الأيام المقبلة، بعدما بدت الأجواء في اجتماعات الأمم المتحدة أكثر من كافية لتدرك إيران خيار العالم حيال خياراتها العدمية.
وعلى الرغم من توسط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتفاؤله بإمكانية حل الورطة التي وضع النظام الإيراني نفسه فيها، في اجتماع المنظمة الدولية، إلاّ أنّ كل المعطيات من هناك كانت تشير إلى أن لا عودة إلى احتمال الدوران حول الحدود القديمة للمشروع النووي الإيراني، وأن حل المشكلة يكمن في حزمة متكاملة لا تستطيع بنية النظام الإيراني وتصميمه الأيديولوجي تحملها أو التصالح معها.
فصل جديد
النهايات الواضحة والجلية حول الرؤى المتناقضة بين النظام الإيراني، من ناحية، والولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط من ناحية ثانية، تشير تقاطعاتها الحادة إلى بدايات فصل استراتيجي جديد في الخليج، وهو فصل لا يستطيع النظام الإيراني التأقلم مع شروطه. ويعني ذلك أن قول بعض المحللين السياسيين إنّ الخيارات في طهران أصبحت “شمشونية”، تعكس هذا الاتجاه.
ألعاب الوقت، التي ستصبر عليها كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لا يمكن أن تصبر عليها إيران، فالانسداد الذي بدا واضحاً، سيسَّرع ببحثها الهستيري، من دون جدوى، للخروج من كماشة العقوبات التي تلفها أميركا على مهل حول عنق النظام الإيراني، فيما بدا واضحاً أن هذا الأخير بات مدركاً أكثر من أي وقت، أن الزمن في الداخل الإيراني ليس في صالحه.
هكذا، فإن ما لا يحسبه الناس رداً دراماتيكياً متوقعاً من الولايات المتحدة والمملكة على الهجوم الإيراني، قد يكون هو الأكثر تأثيراً وفعاليةً في المدى الاستراتيجي البعيد، مع عدم استبعاد رد عاصف من الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا والخليج في حال كرّرت إيران هجوماً جديداً على السعودية في الأيام المقبلة، بمستوى هجماتها على معملَيْ بقيق وخريص.
والحال، أنه على الرغم ممّا يبدو ظاهرياً، أن الكرة في الملعب السعودي، بعد الهجوم الإرهابي الإيراني على معملَيْ “أرامكو” في المنطقة الشرقية، إلاّ أنّ واقع الأمر يدل على أن الكرة اليوم في ملعب الفريق الإيراني الذي لطالما ظل يلعب بخطة واحدة على مدى عقود طويلة من دون أن يدرك أن اللحظة الراهنة في الخليج والعالم، بعد الهجوم الأخير على بقيق وخريص، تقتضي تغيير قواعد اللعبة.
وعلى ضوء هذا التمانع الذي بدا جلياً اليوم، لا يبدو أن هناك تغييراً محتملاً في قواعد خطة اللعب الإيرانية الواحدة. وما يطلقه الإيرانيون بين حين وآخر حول أولوية الحوار بين الجيران في الخليج (وهي دعوات يطلقها النظام الإيراني عادةً حين يواجه ضغوطاً قوية من الإدارات الأميركية الجمهورية) لا يعكس جديةً بطبيعة الحال، ما يعني أنه في حال امتناع أي استجابة لتغيير خطة اللعب الإيرانية في المنطقة، فإن البديل سيصب بالضرورة في اتجاه تغيير اللاعبين.
اندبدنت العربي