أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية الدكتور أحمد الصحاف تعليق العمل في قنصلية بلاده في مدينة مشهد الإيرانية على خلفية توقيف السلطات الإيرانية لدبلوماسيين عراقيين واعتداء الشرطة عليهما، وهو ما يمثل سابقة “خطيرة” تتنافى مع الأعراف والاتفاقات الدبلوماسية بحسب مراقبين.
وقال الصحاف لـ”إندبندنت عربية”، “إن وزير الخارجية محمد علي الحكيم وجّه بتعليق العمل في قنصلية جمهورية العراق بمدينة مشهد على خلفية الاعتداء الذي طال دبلوماسيين عراقيين”.
واعتقلت أجهزة الأمن الإيرانية موظفين عراقيين مبتعثين من وزارة الخارجية العراقية بمهمة رسمية إلى مدينة مشهد عقب تعرضهما لاعتداء بدني من عناصر الأمن، مما أثار موجة غضب عراقية ضد إيران التي وصفها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بأنها “دأبت على انتهاك الأعراف الدبلوماسية والاعتداء على البعثات الدبلوماسية”، في إشارة للاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد عام 2016.
وكشفت برقية دبلوماسية صادرة عن القنصلية العراقية في مدينة مشهد، موجهة إلى مكتب وزير الخارجية محمد علي الحكيم، “أن جهات أمنية إيرانية رصدت موظفين اثنين، واعتدت عليهما بالضرب، واعتقلتهما في الشارع على الرغم من تمتعهما بحصانة دبلوماسية، مشيرة إلى إحالة المعتقلين إلى القضاء الذي طالب بدفع كفالة لغرض إخراجهما من السجن”.
وانتشرت الوثيقة الدبلوماسية، التي جاءت تحت تصنيف “عاجل، سري وشخصي” بوسائل إعلام عراقية ومواقع التواصل الاجتماعي مما أثار غضب المتابعين العراقيين، وذكرت الوثيقة أن قوات الأمن “اعتدت على الموظفين بالضرب واعتقلتهما في الشارع”، موضحة أنه “عند إبلاغ الجهات الإيرانية أنهما موظفا خدمة خارجية يتمتعان بالحصانة الدبلوماسية، قامت السلطات باحتجازهما وإيداعهما في الحبس إلى اليوم التالي وتحويل أوراقهما إلى القضاء”.
وأشارت إلى أن المحكمة طالبت بدفع كفالة مقابل إخراجهما من السجن، وبعد إجراء الاتصالات مع الجهات المعنية أطلق سراحهما من دون دفع كفالة.
غضب عراقي وتوتر يؤثر على “زوار الأربعين”
جاءت الواقعة في ظل تحضيرات مشتركة بين طهران وبغداد بخصوص “الزيارة الأربعينية”، وهي تظاهرة دينية شيعية تشهدها مدينة كربلاء العراقية سنويا، وأوضحت القنصلية العراقية أن الدبلوماسيين المبتعثين اللذين تعرضا للاعتداء على يد الأمن الإيراني، كانا قد ذهبا إلى قنصلية العراق في مدينة مشهد للمشاركة في التنسيق المشترك بخصوص زيارة الأربعين.
ومدينة مشهد، التي شهدت الواقعة تتمتع بمكانة دينية وسياحية كبيرة في إيران، وهي مركز محافظة خراسان شمال شرق إيران، وتعد ثاني أكبر مدينة بعد العاصمة طهران، وتسمى بـ”مدينة مشهد المقدسة” حيث تحتوي العديد من الأماكن ذات المكانة الدينية لدى الشيعة، كما يقصدها الشيعة العراقيون وغيرهم، كما تضم المدينة ضريح “الخميني” قائد الثورة الإيرانية.
وردا على استفسارات “إندبندنت عربية” رفض مسؤول بوزارة الخارجية الإيرانية التعليق على الواقعة، فيما أشار رجل الدين الإيراني حميد غريب رضا أنها ليست الأولى من نوعها، “هذه الوقائع تحدث كثيرا ولابد ألا يتم استغلالها طائفيا ولا قوميا لإيقاع الفتنة، وعلى المسؤولين في البلدين معالجة المسألة بحكمة وليس عن طريق التصعيد في وسائل الإعلام”.
وقال الدكتور عبدالكريم الوزان المحلل السياسي العراقي، “أن الاعتداء على العراقيين في إيران موضوع يتكرر دائما، ولكن الآن هذه المرة الاعتداء طال دبلوماسيين، وهذا يدل على المهانة والضعف الذي تعيشه حكومة بغداد وتبعيتها لإيران والسيطرة والسطو بالقوة للأحزاب والدولة العميقة في العراق الموالية لإيران، وهذا يدل على انتقاص السيادة وتشظي القرار العراقي، وهذه العملية متكررة ودائمة. والعراق يعيش هذا الحال طالما هناك حكومة وأحزاب وميليشيات موالية لإيران”.
وعقد وزير الداخلية العراقي ياسين الياسري، يوم الاثنين، في كربلاء اجتماعا مشتركا مع وزير الداخلية الايراني عبد الرضا رحماني فضلي، للتنسيق حول “الارتقاء بمستوى الخدمات خلال مراسم الأربعين الحسينية”، حيث رحّب باقتراحات وزير الداخلية الإيراني حول فتح منافذ حدودية جديدة بين البلدين، وأكد أنه سيطرح ذلك مع الحكومة في بلاده وسيتابع الأمر، بحسب وكالة “ارنا” الإيرانية.
مطالب بالتحقيق مع المعتدين واستدعاء السفير الإيراني
وأوضحت مصادر نيابية عراقية، أن مجلس النواب العراقي طالب وزارة الخارجية باستدعاء السفير الايراني في بغداد للاحتجاج على الواقعة، فيما عقدت وزارة الخارجية العراقية اجتماعا اليوم واتخذت فيه قرارها بتعليق العمل بقنصليتها في مشهد.
وبدورها، علقت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب العراقي، اليوم الثلاثاء، على حادثة الاعتداء، وقال رئيس اللجنة النائب شيركو ميرويس، في بيان صحافي، “نتابع في لجنة العلاقات الخارجية النيابية مع وزارة الخارجية أحوال الجالية العراقية في الخارج، ونحدد مواضع الخلل والإخفاق بما ينسجم مع سمعة وقيمة الفرد العراقي في البلدان المستضيفة انطلاقا من مسؤولتنا الوطنية والأخلاقية”.
وأضاف “أن اللجنة تابعت من خلال لجنة الصداقة العراقية – الإيرانية مع القنصلية العراقية في مشهد الاعتداء الذي وقع على اثنين من موظفي وزارة الخارجية العراقية اللذين تعرضا إلى الاعتداء الجسدي والاحتجاز القسري على أيدي القوات الأمنية الإيرانية، في وقت كان التحاقهما للعمل في السفارة العراقية لتسهيل دخول زوار ذكرى الأربعين”.
وطالبت اللجنة السلطات في إيران “بالتحقيق في ملابسات هذا النوع من الاعتداءات وعدم تكرارها في المستقبل وتقديم إيضاح من قبل السفارة الإيرانية في بغداد حول ملابسات الحادث”. وطالب ميرويس “وزارة الخارجية العراقية بتزويد لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية ببيانات إجراءاتها التحقيقية ومواقفها الرسمية في هذا النوع من الاعتداءات”.
اندبندت العربي