“فيلق القدس”… الوجه العسكري لسياسة إيران بالشرق الأوسط

“فيلق القدس”… الوجه العسكري لسياسة إيران بالشرق الأوسط

في الأسبوع الماضي تحدَّثت صحفٌ إيرانيَّة عن محاولة اغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع إلى الحرس الثوري الإيراني، وعلى الرغم من أن الاتهامات الإيرانيَّة لم تأتِ بمعلومات محددة حول الجهة المسؤولة، لكن الخبر حاز جانباً من التناول الإعلامي.

وجدير بالذكر أن الحادثة المعلنة من جانب إيران تُلقى الضوء على أمر مهم، إذ إن الخبر الإيراني جاء في سياق اتهام دول الترويكا الأوروبيَّة (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) إيران بالمسؤوليَّة عن هجمات شركة أرامكو الأخيرة، وهو موقفٌ جديدٌ من جانب الدول الأوروبيَّة التي اعتادت إيران منهم في الفترة الأخيرة عدم الاصطفاف إلى الجانب الأميركي في الموقف من إيران، لكن هذه المرة وجَّهت هذه الدول الاتهامات إلى إيران، وهو موقف مقارب للولايات المتحدة، الأمر الآخر في الخبر الإيراني هو أنه ألقى الضوء على أهميَّة ومغزى فيلق القدس في السياسة الخارجيَّة الإيرانيَّة.

وتتعدد الأدوات التي توظّفها أي دولة لتحقيق أهداف سياستها الخارجيَّة، لكن حال إيران أنها كما تتسم بالازدواجيَّة على مستوى الخطاب السياسي الذي يتراوح ما بين الأيديولوجيَّة وما بين التصرُّف بواقعيَّة سياسيَّة وفق العلاقات الدوليَّة، فهي كذلك أيضاً على مستوى التنفيذ، أي في الوقت الذي يمثل فيه فريق روحاني وظريف الجانب الدبلوماسي والرغبة في الانفتاح على دول المنطقة والغرب، يمثل فيلق القدس الوجه العسكري التوسعي للسياسة الإيرانيَّة في الشرق الأوسط. لذا قد يكون من المفيد التعرُّف على أهم أداة لتنفيذ الجانب العسكري الأيديولوجي للسياسة الإيرانيَّة، وهو فيلق القدس.

فيلق القدس هو فرعٌ من فيلق الحرس الثوري الإيراني (IRGC)، الذي يعمل جيشاً ثانياً مكلفاً بحراسة نظام الحكم الإسلامي في إيران، ويضطلع الحرس الثوري الإيراني عموماً وقوة القدس خصوصاً بالعمليات في الشرق الأوسط والعالم، ويُدعم من قِبل ميليشيا الباسيج، وهي قوة شبه عسكريَّة مُلحقة بالحرس الثوري الإيراني، التي يمكن نشرها لدعم عمليات نشر القوات الأخرى أو القيام بدور مواجهة أعمال التظاهرات والاضطرابات على غرار ما حدث في التظاهرات التي شهدتها إيران، إذ كانت تستخدم على نطاق واسع لسحق الاحتجاجات المناهضة الحكومة في 2009، و2017 و2018، وقد تولّى قاسم سليماني قيادة فيلق القدس منذ عام 1998، ووجَّه عملياته منذ ذلك الحين.

ويعمل فيلق القدس، بقيادة اللواء قاسم سليماني، باعتباره “الذراع الطويلة” للنظام الإيراني، فهو يقوم بمهام سريَّة في الدول التي تتدخل في شؤونها إيران ليس فقط، بل منوط به أيضاً تدريب وتسليح الوكلاء الإيرانيين مثل حزب الله، الذي أسسه فيلق القدس في الثمانينيات، ثم كان له دورٌ كبيرٌ في تأسيس كثيرٍ من الميليشيات الشيعيَّة في عديد من الدول العربيَّة التي شهدت انهياراً بعد عام 2011 مثل سوريا واليمن والعراق من قبل في 2003 أعقاب الغزو الأميركي له.
وقدَّمت إيران الدعم العسكري والمالي واللوجيستي للميليشيات العراقيَّة مثل فيلق بدر وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وكلها ميليشيات انضوت تحت لواء فيلق القدس أثناء محاربة تنظيم داعش في العراق عام 2014.

لم يتوقف دور سليماني عند حد العلاقات العسكريَّة، بل لعب دوراً في هندسة العمليَّة السياسيَّة بالعراق على النظام الطائفي، بل تدخل أحياناً للفصل بين الجماعات المتنازعة بالعراق. أمَّا في سوريا فقد لعب فيلق القدس، إلى جانب حزب الله اللبناني، دوراً في تجنيد المقاتلين من الشيعة الأفغان والباكستانيين للمحاربة في سوريا مع نظام بشار الأسد، مثل فيلق زينبون وفاطميون وغيرهما كثيراً. أمَّا في اليمن فإن كثيراً من التدريب والسلاح الذي يصل إلى جماعة الحوثي تم على يد فيلق القدس بمعاونة حزب الله أيضاً.

إذن، فدور فيلق القدس تأسيس شبكة وكلاء إقليميين في الدول التي تتدخل في شؤونها إيران، وذلك بالدعم العسكري والمالي، ثم تدفع بهم للانخراط في العمليَّة السياسيَّة في دولهم، بما يعزز وضعهم في مواجهة السلطة المركزيَّة.

في ظل الأهداف التي يحققها فيلق القدس في تنفيذ أهداف إيران الإقليميَّة يلوح السؤال في حال أنه تم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران أو حدث حوارٌ إقليميٌّ، كيف سيكون دور فيلق القدس أو الحرس الثوري عموماً في السياسة الخارجيَّة الإيرانيَّة، لا سيما أن له تأثيراً في كثير من قرارات النظام الإيراني؟

اندبندت العربي