ترامب وسورية و”داعش” في مرحلة ما بعد البغدادي

ترامب وسورية و”داعش” في مرحلة ما بعد البغدادي

على الرغم من دقة العملية العسكرية ونجاحها في تصفية زعيم تنظيم “داعش”، أبو بكر البغدادي، ومن الترحيب الواسع بالحصيلة، إلا أنّ القصة بدأت سيرتها تخبو في واشنطن بعد حوالي 24 ساعة على إعلانها. نفخها الرئيس دونالد ترامب، الأحد الماضي، أكثر من اللازم، حاول تكبيرها وتصويرها على أنها أهم من عملية استهداف زعيم تنظيم “القاعدة”، أسامة بن لادن، علّها ترقى إلى مقام الإنجاز الاستراتيجي الفريد وبما يغيّر الحديث ويحول الأنظار عن متاعبه الضاغطة، المحلية والخارجية.
لكن ما حصل كان العكس. سردية الرئيس لبعض تفاصيل الغارة والأجواء الدرامية التي رافقتها، طُرحت حولها علامات استفهام. وزير الدفاع الأميركي، مارك آسبر، نفى، أمس الإثنين، في مؤتمر صحافي مع رئيس هيئة الأركان الجنرال مارك مايلي، علمه بمصدرها وبما يفيد بأنها لا تخلو من المبالغة.

كذلك أثيرت انتقادات عالية مع كثير من الاستغراب، حول تمادي ترامب في كشف الجوانب المفترض أن تبقى في خانة السريات، مثل التشكيلات التي شاركت في العملية، وطريقة الاقتحام، وإلقاء القبض على اثنين من حرس البغدادي، وتلميحه المبطن إلى مصدر المعلومة السرية عن مخبأ البغدادي، والتي تردد أنها جاءت من العراق. وحسب إحدى الروايات، فإن بغداد حصلت عليها عن طريق “مهرّب كان يعمل لصالح البغدادي واستدرجته المخابرات العراقية ليبوح لها بالسرّ”.


وسط هذا الضباب الترامبي تزداد المخاوف من ردة الفعل على مقتل البغدادي، في ظل وجود أميركي ملتبس في سورية وتحالفات هشة إذا وجدت


كل هذه التفاصيل توخى ترامب عرضها في سياق تسييسه للحادثة، وبما يؤدي إلى تجييرها له في لحظة يحتاج فيها لأي تعويم. وقد نجح ونزلت العملية في حسابه لكن لمدة يوم واحد. بعده بدأت الأسئلة تتوالى حول مدلول توقيت العملية، كما حول سياسة ترامب السورية في مرحلة ما بعد البغدادي؟

حصولها في هذا الظرف يربطه مراقبون بمواقف البيت الأبيض المتذبذبة والمتقلبة بشأن التواجد العسكري الأميركي في سورية. وبذلك فقد تكون العملية قد جرت نتيجة تدبير عسكري كرد على قرار الانسحاب وفك التحاف مع الأكراد. فالمعروف أن البنتاغون لم يخف عدم ارتياحه للانسحاب ولا لترك الأكراد. كذلك المعروف أن هذه الخطوة أثارت المزيد من الشكوك بأن الخطوات التي اتخذها الرئيس في سورية تجري بالانسجام مع التوجه الروسي. “كل الطرق تؤدي إلى موسكو”، كما قالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. غمز زاد من نقمة البيت الأبيض عليها إلى حد أن الرئيس لم يبلغها مسبقاً كما جرت العادة، بقرار الغارة. أخبرها مع قيادات حزبها الديمقراطي بعد ساعات من انتهاء العملية.

السؤال الأهم يدور حول ما سوف يستقر عليه إذا استقر، البيت الأبيض في سورية. قراره الأخير بترك قوة ممكننة، حسب تعبير وزير الدفاع “لحماية آبار النفط”، ملغوم في أحسن أحواله. تراجعه عن الانسحاب التام والاستعاضة عنه بحضورعسكري رمزي من مئتين جندي في الشمال، ثم زيادته إلى خمسمائة “لأخذ النفط لا يستقيم مع القانون ولا التاريخ ولا الجغرافيا”، كما قال الدبلوماسي السابق بريت مكغورك. ثم إنه طرح يعزز قوى التطرف في المنطقة، حسب التحذيرات. والأخطر إذا كان ذلك مقدمة لرشوة الأكراد ودفعهم إلى السيطرة على مناطق النفط، مع ما “ينطوي عليه ذلك من مساهمة لتشجيع التطهير العرقي”، في مناطق شرق وشمال سورية.

وسط هذا الضباب الترامبي تزداد المخاوف من ردة الفعل على مقتل البغدادي، في ظل وجود أميركي ملتبس في سورية وتحالفات هشة إذا وجدت. وقد يتفاقم التخبط أكثر في ضوء تقدم إجراءات عزل الرئيس ترامب الجارية في مجلس النواب المتوقع أن يباشر التصويت، يوم الخميس المقبل، على الطرق التي تحكم عملية العزل في المجلس. خطوة أولى رسمية على طريق اتخاذ القرار ورفع التوصية بالإدانة إلى مجلس الشيوخ.

العربي الجديد