بعد اتفاق تركيا والولايات المتحدة الأمريكية على إبعاد القوات التابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا عن الحدود وإنشاء «منطقة آمنة» بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإبداء مجموعة من المواقف الرافضة لذلك الاتفاق كان من بينها لقاؤه الشهر الماضي مع إحدى قيادات «قوات سوريا الديمقراطية» التي تعتبرها أنقرة تنظيما إرهابيا.
وقد تقصد ماكرون في تصريحاته المتلاحقة استفزاز القيادة التركيّة عندما شكك بالمادة الخامسة من معاهدة الحلف الأطلسي التي تنص على التضامن العسكري بين أعضاء الحلف إذا تعرض أحدهم للهجوم قائلا إن التدخل الذي قامت به تركيا في شمال شرق سوريا طرح أسئلة جدية (في حال إنها هوجمت من قبل روسيا أو النظام السوري)، وصولا إلى وصفه الحلف بأنه «في حالة موت سريري».
في الوقت الذي لجأ فيه إلى التشكيك بحقّ تركيّا في الدفاع عنها باعتبارها ضمن الحلف الأطلسي وتساءل عن كيفية توافق منظومة الصواريخ التي استلمتها من موسكو، كان ماكرون يؤكد على انتماء روسيا إلى أوروبا، وقد فهمت القيادة التركيّة، الحسّاسة للتمييز الأوروبي ضد شعبها، هذه التصريحات على أنها رسائل عنصريّة مبطّنة، وكذلك كدعوة لإخراجها من حلف الناتو، وهو ما أدّى إلى غضب واضح تركيّ تجلّى بتصريح حاد للرئيس رجب طيب اردوغان أمس الجمعة قال فيه إنه يتحدث من تركيا، كما أنه سيقول الشيء نفسه، في الناتو أيضا (خلال الاجتماع التالي له الأسبوع المقبل) وهو أن دماغ ماكرون يعاني «موتا سريرا» وليس الناتو.
التحليل التركي لموقف ماكرون هو أن فرنسا تحاول أن تجد لها موطئ قدم في سوريا، وأن ماكرون، في الوقت الذي تستعد فيه بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبي، يحاول أن يلبس ثوب قائد القارة الأوروبية، لكن تطاوله على القيادة التركية ومحاولة إظهار قوته داخل الحلف الناتو أمران غير قابلين للنقاش، وعلى حد سؤال اردوغان له: «هل إخراج تركيا من الناتو أو إبقاؤها من شأنك. هل لديك صلاحيات اتخاذ هكذا قرارات؟».
الأوروبيون بدورهم وجدوا أن تصرفات ماكرون خرجت عن الحدود فقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن التصريح «غير مناسب»، ووصف رئيس الوزراء البولندي ماتوش مورافيتسكي أقواله بأنها «غير مسؤولة»، فيما اعتبر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن رؤية الرئيس الفرنسي بشأن حلف شمال الأطلسي «ناتو» يمكن أن تؤدي إلى تقسيم أوروبا.
باحث فرنسي في مركز أبحاث استراتيجية أوروبية قال إن ماكرون يشبه «بونابرت عند جسر أركول لكنه ليس في أركول ولا يوجد جسر»، في إشارة إلى معركة بدأت اسطورة الفاتح الفرنسي الشهير، ولكن جوناثان إيال، المدير المساعد في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث في لندن وجد توصيفا آخر له قائلا: «بعد انتخابه عام 2017 بدا أنه يجسد كل آمال أوروبا لكنه يبدو الآن أشبه بأرنب بطاريات دوراسيل. يثير الكثير من الضجيج ويتحرك في كل الاتجاهات بدون أي هدف محدد».
النتيجة أن ماكرون الذي لم يستطع حلّ مشاكل فرنسا، والذي تعرض جيشه لضربة كبيرة في مالي مؤخرا، يثير فعلا الكثير من الضجيج ويحاول تقليد نابليون بونابرت لكنّ أحدا لا يأخذه على محمل الجد.
القدس العربي